طبقاً للتفسیر الثانی فإنّ جمیع هذه الآیات ترتبط بنزول المطر:
«الذاریات» الریاح التی تدفع السحاب وتنقلها من مکان لآخر، وهذه الریاح تنقل هذه السحب إلى محل هطول المطر.
والمقصود بکلمة «الحاملات» هی الغیوم الممطرة التی یمنح التفکیر بها وبما تختزنه من برکات ومکتسبات للإنسان والمجتمع، الکثیر من الدروس التی من شأنها تقویة وتفعیل الإیمان فی قلوب المؤمنین.
وأمّا «الجاریات» فهی الأنهار والجداول التی تجری على الأرض ببرکات نزول المطر وتسقی الأراضی الجافة وتروی النباتات والأشجار والأحیاء فی طریقها.
و«المقسمات» الأمطار التی تتکفّل کل واحدة منها إرواء منطقة معینة، فقسم من المطر ما یسقی الغابات، والآخر مکلّف بسقی السهول، والثالث مکلّف بالنزول على الجبال والبحار، والرابع مکلّف بالهطول على الحقول والمزارع، والخامس مکلّف بإرواء المراتع وهکذا.
النتیجة أنّه طبقاً للتفسیر الثانی فإنّ هذه الأقسام الأربعة ناظرة بأجمعها إلى ظاهرة المطر وعملیة سقی الأرض بالماء، ومن عجائب الطبیعة أنّ کل شیء یحتاج إلیه الإنسان فی حیاته أکثر، فإن الله تعالى قد رفده من ذلک الکثیر ووهبه منه بأدنى نفقة وأزهد ثمن، فالهواء، یعتبر من أهم الحاجات الأولیة والأساسیة للبشر، لأنّ دماغ الإنسان ربّما یتحمل شحة الماء والغذاء إلى درجة معینة ولکنّه لا یتحمل شحة الاوکسجین أکثر من دقیقتین، هذه النعمة و الموهبة العظیمة وضعها الله تعالى مجاناً وبوفرة تحت اختیار البشر.
«ضوء الشمس» بدوره یعتبر من الحاجات الأولیة لجمیع أفراد البشر، بحیث إنّ الحیاة على الکرة الأرضیة بدون ضوء الشمس مستحیلة، هذه النعمة الإلهیّة أیضاً وضعها الله تعالى بکثرة وبالمجان تحت اختیار البشر، فلو تقرر أن یحصل کل إنسان بنفسه على ما یحتاجه من أشعة الشمس، فیجب علیه انفاق ملایین الدنانیر لتحصیل هذه الطاقة التی یحتاجها فی واقع الحیاة.
«الریاح» التی تلعب دوراً هاماً فی حیاة الإنسان والبشریة وضعها الله تعالى بسخاء وبدون مقابل تحت اختیار البشر، فالریاح، مضافاً لما ذکرنا من دورها وأهمیّتها، تلعب دوراً هاماً فی ازدهار الغابات ونمو المراتع، لأنّها تنقل معها البذور إلى الأراضی الصالحة للزراعة وتساهم فی نمو النباتات والمراتع.
وعلى هذا الأساس، فلا غرابة أنّ الله تعالى أقسم بالریاح، المطر، ضوء الشمس، وأمثالها.