الرغم من أنّ حقیقة الروح مازالت خافیة على البشر لحدّ الآن، وستبقى خافیة إلى الأبد فلا شک فی أهمیّتها الفائقة، ولکن الأهم من ذلک ما تختزنه هذه الروح من ملکات وقوى عجیبة، وبالإمکان استعراض ثلاث قوى وملکات منها:
أ) إدراک الحسن والقبح: إنّ إدراک الحسن والقبح، والخیر والشر، الحسنات والسیئات، لا تحتاج إلى تعلیم معلّم أو استدلال عقلی حیث یدرکها الإنسان بفطرته، فکل إنسان حتى الاُمّی یعلم بأنّ الظلم قبیح، ولا یوجد أی إنسان عاقل یرى أنّه بحاجة للاستدلال والبرهنة على حسن إسداء الخیر للناس ومد ید العون للآخرین، لماذا؟ لأنّ الله تعالى قد غرس فی أعماق روحه ومحتواه الداخلی هذا النوع من الإدراکات الابتدائیة والفطریة، إنّ الله تعالى خلق الإنسان لیوصله إلى السعادة الأبدیة ویصعد به فی معراج الکمال المعنوی والإنسانی، ومن الطبیعی أن یمنحه أسباب وآلیات توصله إلى هذه المرتبة ویهبه ما یحتاج إلیه فی هذا الطریق.
ب) الإدراکات البدیهیة: فکل إنسان یعلم أنّ الوجود والعدم لا یجتمعان، والعقل فی کل إنسان حتى لو کان بعیداً عن المجتمع البشری ولم یکن یملک أیة معلومات ومعارف، فإنّه لا یتعقل بأنّ الشخص الفلانی موجود ومعدوم فی وقت واحد، کما أنّه لا یتعقل اجتماع الضدین ویرى أنّه محال، لأنّ هذه القضیة من البدیهیات وتعتبر من الإدراکات الأولیة التی تمثّل القاعدة والأساس لجمیع الاستدلالات العقلیة، وقد أودع الله تعالى مثل هذه القضایا والإدراکات البدیهیة فی عقل الإنسان وفطرته.
ج) القدرة على التفکیر: إنّ الله تعالى وهب لجمیع أفراد البشر القدرة على التفکیر، بالرغم من أنّ هذه القدرة تنمو وتشتد من خلال التمرن والممارسة وربّما تضعف عند بعض الناس نتیجة عدم استثمار هذه القوة واهمالها وعدم الاستفادة منها، ولکنّ أصل هذه القوّة موجود لدى جمیع أفراد البشر، فعندما یقسم الله تعالى بروح الإنسان فذلک بسبب أهمیة هذه الروح وعظمتها وکونها مصدر برکات وخیرات کثیرة وعظیمة.