فی الماضی لم یکن العلم قد تطور بالحدّ الکافی، فالإنسان عندما کان ینظر إلى السماء، کان یتصور أنّها بمثابة القبة الزرقاء التی لا تبعد عنّا بمسافة بعیدة، وأمّا النجوم فهی کالمسامیر الفضیة المثبتة فی هذه القبة وتنعکس منها أنوار القمر والشمس، وکان العلماء فی ذلک الزمان یتصورون أنّ القمر والشمس وکذلک النجوم مثبتة فی السماء وغیر متحرکة بل إنّ السماء هی التی تتحرک وتدور کالفلک الدوار، وکلما تطور العلم کشف للإنسان عن أبعاد جدیدة ومجاهیل عجیبة فی هذا العالم الفسیح وتتجلى عظمة السماء للإنسان أکثر فأکثر، ومن المعلوم أنّ العرب کانوا یملکون تصوراً بدائیاً عن السماوات، ولکنّ القرآن الکریم أزاح الستار عن عظمة السماوات وذکر أموراً عظیمة لم تخطر ببال العرب الجاهلین، ونحن هنا نلقی نظرة سریعة على الآیات التی تتصل بهذا الموضوع.
إنّ کلمة السماء وردت فی القرآن الکریم 120 مرّة، وکلمة السماوات 190 مرّة، وهذا یدل على أنّ هذا الکتاب السماوی بحث مسألة السماوات بحثاً مفصلاً، ویمکن تقسیم الآیات المذکورة إلى أربع طوائف من جهة ما تتحدث عنه من محاور:
 
1. الآیات التی تتحدّث عن خلق السماوات
ومن هذه الآیات الآیة 57 من سورة غافر:
(لَخَلْقُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ أَکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ).
إنّ خلق السماوات فی المفهوم القرآنی إلى درجة من الأهمیّة بحیث إنّ خلقها أهم وأعظم من خلق الإنسان مع کل ما یتضمنه الإنسان من أسرار وعجائب ودقائق.
2. الآیات التی تتحدّث عن مجموعة النجوم
ومن هذه الآیات یمکن الإشارة إلى الآیتین 75 و 76 من سورة الواقعة:
(فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ).
وقد ذکر المفسرون لکلمة «مواقع» تفسیرین:
أ) المراد من «المواقع» مدارات النجوم حیث إنّها تتحرک وتدور فی مدارات خاصة.
ب) المراد من المواقع هو وقت طلوع النجوم وغروبها، فکل نجمة لها اُفق خاص ولحظة خاصّة تطلع فیها وتغرب.
وفی الحقیقة فإنّ الله تعالى أقسم بالنظام الدقیق الحاکم على عالم النجوم ومداراتها وطلوعها وغروبها، وهذا القسم مهمّ جدّاً.
 
3. الآیات التی تتحدّث عن بعض النجوم بالخصوص
ومن جملة هذه الآیات هی آیات سورة التکویر وهی الآیات مورد البحث، فإنّ الله تعالى أقسم فی هذه السورة بخمسة کواکب معروفة، عطارد، الزهرة، زحل، المریخ والمشتری.
 
4. الآیات التی تتحدّث عن نجمة خاصّة
ومنها الآیة الشریفة 49 من سورة النجم، وهذا شاهد جید للآیات السابقة:
(وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى).
وقد کان الناس فی عصر نزول القرآن یتصورون أنّ نجمة «الشعرى» هی نجمة منیرة جدّاً، ویقلّ نظیرها فی السماء. وهناک نجمتان بهذا الإسم:
أحدهما: «نجمة الشِعرى الیمانیة» التی تقع فی جنوب جزیرة العرب.
والأخرى: «الشعرى الشامیة» التی تقع فی شمالها، ولکن بمرور الزمان تبیّنت عظمة وعجائب هذه النجمة الغریبة وتمّت إزاحة الستار عن بعض أسرارها ورموزها، ونکتفی هنا بالإشارة إلى بعض معالمها:
 
أ) الحرارة المذهلة!
إنّ الشمس تعدّ بالنسبة لنا مصدر الحرارة، وتبلغ درجات الحرارة على سطح الشمس بما یقرب من 6 آلاف درجة سانتی غراد، وطبعاً ففی مثل هذه الدرجات الحراریة العالیة فکل شیء یتحول إلى بخار وغاز، هذا والحال أنّ درجة الحرارة على سطح نجمة الشعرى 120 ألف درجة سانتی غراد، أی أنّ درجة حرارة الشعرى أکبر بـ 20 مرّة من درجة حرارة الشمس، وهذه فی الواقع درجة عالیة جدّاً ومذهلة.
 
ب) الحجم العظیم!
إذا وضعنا 000/200/1 کرة أرضیة على بعضها فسوف تکون بمقدار حجم الشمس، أی أنّ الشمس أکبر من الأرض 000/200/1 مرّة، ولکنّ هذه الشمس وبهذه العظمة والضخامة صغیرة الحجم مقارنة بنجمة الشعری، لأنّه لو أدغمنا 20 شمساً مع بعضها فسوف تکون بمقدار حجم الشعرى، وعلى هذا الأساس فإنّ حجم نجمة الشعرى یبلغ 24 ملیون مرّة أکبر من الأرض!
 
ج) الجاذبیة العجیبة!
ومن المعلوم أنّ وزن الأجسام یرتبط مباشرة بقوة الجاذبیة، فوزن الحجر الذی یبلغ کیلو غراماً واحداً على الأرض، یکون وزنه على الشعرى 50 طناً، لأنّ جاذبیة الشعرى 000/50 مرّة أشدّ من جاذبیة الکرة الأرضیة.
د) الفاصلة البعیدة جدّاً
إنّ المسافة بیننا وبین الشمس تبلغ (150) ملیون کیلومتراً، والفاصلة بیننا وبین الشعرى تبلغ ملیون مرّة فیما بیننا وبین الشمس. وحینئذ یکون حاصل ضرب العددین المذکورین،رقماً کبیراً یتضمن (15) رقماً (000/000/000/000/150)! أی 150 بلیون.
الواقع أنّ الناس فی عصر نزول القرآن، عندما کانوا یتحدّثون عن نجمة الشعرى لم یکونوا یتصورون أی شیء من أسرار هذه النجمة الکبیرة وعجائبها.
إنّ هذه الآیة الشریفة تعتبر من معجزات القرآن الکریم العلمیة . فالقرآن الذی تحدّث عن عظمة موجودات هذا العالم من أجل تحریک عقول الناس وإذکاء روح البحث والتحقیق والتأمل.