یکثر هذه الأیّام الکلام عن حریة الرأی والبیان والقلم، وکثیراً ما تتباعد الأحادیث وتقترب فی تفاصیل هذا الموضوع، والسؤال هو: ما هی الحدود لحریة القلم، وإلى أی مدى یمکن السماح لهذه الحریة؟
عندما تقوم صحیفة أو مجلة معینة بارتکاب مخالفة أخلاقیة أو قانونیة، ویتعامل معها المسؤولون بإطار قانونی، فسوف نرى البعض یرفع عقیرته بالاعتراض ویتهم النظام الإسلامی بعدم توفیر الحریات السیاسیة وحریة البیان والصحف، فهل أنّ حریة القلم بمعنى أنّ الصحف والمجلات لها الحریة الکاملة فی أن تکتب الصحیح والخطأ، السالم والسقیم، المفید والضار، ولا أحد یحق له الإعتراض علیها؟
إنّ القرآن الکریم یقرر حقیقة حاسمة فی هذا المجال:
(یَا عِبَادِىَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِیَّاىَ فَاعْبُدُونِ)(1).
وطبقاً لهذه الآیة فإنّ حریة المسیر والسیاحة فی الأرض مؤطرة بإطار العبودیة والمسؤولیة.
وعلى هذا الأساس فإنّ حریة القلم والمطبوعات أیضاً یجب أن تتحرک فی إطار العبودیة لله وتسیر فی خط الرسالة والمسؤولیة ورعایة الشؤون الإسلامیة والأحکام الإسلامیة، لا أن تتحرک من موقع إهانة المقدّسات واتهام الشخصیات الإیمانیة، وإیجاد الاختلاف وإثارة الشحناء والنزاع، وإلقاء الشبهات، وإثارة علامات الاستفهام فی أجواء الوعی الدینی وفی الذهنیة المسلمة، بذریعة حریة القلم وحمایة حریة المطبوعات، فمثل هذا الأمر مخجل ومؤسف واقعاً.
النتیجة ینبغی تأطیر حریة القلم والمطبوعات فی إطار خاص وتعیین حرکة الکتّاب والناشرین فی هذا الإطار بحیث لا یتجاوزون حدود المسؤولیة الرسالیة والمصلحة العامة، وبذلک یتسنى تقلیم أقلام الزیغ والانحراف ومنعها من السیر فی خط الشبهة والخروج عن الطریق المستقیم، وحینئذ یکون للقلم قیمة یستحق القسم بها ویکون مقدّساً ومحترماً على الدوام.

(1) . سورة العنکبوت، الآیة 56 .