بعد أن أزحنا الستار عن أسرار هذه الأقسام الأربعة وألمحنا إلى أهمیّتها وعرفنا من خلال التفکر والتأمل فی هذه الآیات أنّ هذه النعم والمواهب وضعت فی اختیار البشر بوفرة وبالمجّان وبالمقادیر الکافیة، وبالتالی فإنّ هذه الأمور تختزن دروساً فی التوحید ومعرفة الله فیما تفرزه من معطیات وبرکات عظیمة لحیاة الإنسان والمجتمع البشری، والآن ینبغی التوجه لتفسیر المقسم له، لیتبیّن ما هو الغرض من القسم بهذه الأمور المهمّة.
إنّ متعلق القسم فی هذه الأقسام یوم القیامة، وللتأکید على حتمیة وقوع هذا الیوم: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ) وأیضاً عدم تأخر الوعد الإلهی فی قضیة الثواب والعقاب للأشخاص الصالحین والطالحین فی ذلک الیوم الموعود: (وَإِنَّ الدِّینَ لَوَاقِعٌ).
إنّ ما نستوحیه من الآیات المذکورة هو أنّ عالم الوجود یخضع لحساب دقیق، وأنّ الله حکیم، وعلى هذا الأساس ففی التشکیلة التی یقوم على تدبیر أمورها مدیر حکیم وتقوم هذه التشکیلة فی تفاصیلها على أساس النظام الدقیق والتخطیط المدروس، فلا شک من تحقق الوعود التی یفرضها ویقررها ذلک المدیر المدبّر، مضافاً إلى ذلک فعلیکم أیضاً أن تتحرکوا فی واقع الحیاة من مواقع الإنسجام والتناغم مع هذه التشکیلة العظیمة ومع حرکة الکائنات، وبذلک تحققوا لأنفسکم وحیاتکم نظاماً وتدبیراً جیداً، وینبغی علیکم الوفاء بعهودکم وعدم نقضها أو التخلف عنها حتى لو کان الوفاء بذلک الوعد یلحق بعض الضرر أو الخسارة بکم.