مضافاً إلى ذلک فإنّ ما ورد فی المعارف الإسلامیة والمفاهیم الدینیة حول الجهاد ناظر إلى الجهاد الدفاعی، والشاهد على ذلک الآیة 60 من سورة الأنفال:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّة وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّکُمْ وَآخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ یَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَىْء فِی سَبِیلِ اللهِ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ).
وطبقاً لهذه الآیة الشریفة ینبغی على المسلمین حشد جمیع قدراتهم وإمکاناتهم للإستعداد التام لدفع الخطر عن البلد الإسلامی لا من أجل إثارة الحروب وسفک الدماء، بل من أجل إزاحة التفکیر بالعدوان والحرب من أذهان الأعداء، فالقرآن الکریم یأمرنا بتوفیر عدّة الحرب وتهیئة آلیات الدفاع فی المجالات العسکریة، السیاسیة، الاجتماعیة وإلى غیر ذلک، من أجل منع وقوع الحرب، لا من أجل إثارة الحرب والقتال.
إنّ بلدنا ایران فی ظلّ العمل بهذه الآیة الشریفة أزاح من ذهنیة العدو الهجوم على ایران، وما نرى من هجومهم على أفغانستان وحرقهم للأخضر والیابس فی العراق یعتبر شاهداً على أنّهم یفکرون بالهجوم على ایران أیضاً، ولکنّ الاستعداد لدى القوة الدفاعیة من قوات التعبئة والحرس والجیش والقوات الأمنیة والقوات الشعبیة، لا تسمح للعدو بمثل هذا العدوان، کما أنّ عدم الاستعداد للدفاع فی العراق وافغانستان فسح المجال لهجوم الأعداء.
وتقول الآیة اللاحقة 61 من سورة الأنفال:
(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ).
أی أنّ العدو الغاشم لو هجم على المسلمین برغم استعدادهم الکامل من الناحیة العسکریة والدفاعیة، و أشعلَ نار الحرب ورأى دفاع المسلمین الشدید (أی المجاهدین الذین یتسابقون إلى الشهادة فی میادین القتال ویضحون بأنفسهم فی سبیل الله والإسلام) وأدرک العدو خطأه من عدوانه هذا ضد جنود الإسلام وأراد الصلح والسلام، فعلیکم أن تقبلو بذلک الصلح ووقف القتال.
وتأسیساً على ذلک فإنّ الإسلام یرى فی الجهاد عنصراً دفاعیاً لصد هجوم الأعداء والحیلولة دون سفک الدماء، وفیما إذا اُجبر المسلمون على خوض الحرب بسبب طغیان قوى الشر والضلالة، فإنّ هذا العمل إنّما یجوز بمقدار الضرورة، وفی کل وقت أعلن العدو عن ندمه وانسحابه وأراد الصلح واقعاً فینبغی على المسلمین ترک الجهاد والتحرک فی خط السلم والصلح والهدنة.
النتیجة، إن الجهاد فی المفهوم الإسلامی لا یعنی القتل وسفک الدماء، بل یمثّل نظاماً دفاعیاً قویّاً کما فی النظم الدفاعیة فی الطبیعة وفی بدن الإنسان وسائر الموجودات، فالحیاة بدون دفاع لیست لها القابلیة للتواصل والاستمرار، فالاستعداد الدفاعی یؤدی إلى منع وقوع الحرب وإخافة العدو والحیلولة دون التفکیر فی شن الحرب على المسلمین، وقیمة مثل هذا الجهاد عالیة جدّاً إلى درجة أنّ الله تعالى لم یقسم فقط بالمجاهدین المضحین وخیلهم، بل بالشرر الحاصل من اصطکاک حوافر الخیر مع الصخر فی میدان القتال.
ربّناا! وفقنا للجهاد فی سبیلک فی جمیع میادین الحیاة وجبهات الدفاع عن الإسلام والمسلمین.