إنّ بعض البشر السعداء وبالاعتماد على الله تعالى والتوکل علیه وبالاعتماد على همتهم وعزمهم وصلوا إلى مراتب عالیة واستفادوا من هذه الامتیازات الإلهیّة إلى حدّ أنّهم بلغوا ذروة الکمال الإلهی وصعدوا إلى «قاب قوسین أو أدنى»(1)، هؤلاء وصلوا إلى مرتبة لا یدنو منها ملک مقرب.
بیدَ أنّ بعض الناس ینحدرون فی منزلقات الرذیلة ولا یملکون فی أنفسهم معرفة قیمة تلک الخصوصیات الإنسانیة العالیة، وبالتالی ینزلقون فی وادی الظلمات إلى أن یصلوامرحلة أسفل السافلین، وهو المکان الذی لا یتصور أسفل منه، ولکن أین یقع هذا الموقع، وماذا یعنی أسفل السافلین؟
ذکر بعض المفسّرین أنّ أسفل سافلین یعنی (أَرْذَلِ الْعُمُرِ)(2) وهو مرحلة الشیخوخة ونهایة عمر الإنسان، ولکن هذا التفسیر ربّما یبدو غریباً بعض الشیء، لأنّه لا ینسجم ولا یتناسب مع الآیة الشریفة التی تقرر بعد ذلک هذا الاستثناء (إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). لأنّ هذا الاستثناء لا یمکن أن یکون استثناءً من أرذل العمر بالمعنى المذکور، وهو المرحلة الأخیرة من السیر الطبیعی لعمر الإنسان، وعلیه فإنّ هذا التفسیر المذکور مجانب للصواب قطعاً.
 والتفسیر الصحیح لهذه العبارة هو أنّ أسفل السافلین فی الدنیا عبارة عن مرتبة (بَلْ هُمْ أَضَلُّ)(3) أی آخر نقطة من التوحش والرذیلة والانحراف والضلالة، وهذا هو الشیء الذی نراه بوفرة فی هذا العالم المعاصر، فالإنسان الذی یضع سیارة مفخخة إلى جانب مسجد أو مستشفى مکتظة بالمرضى أو سوق مزدحم بالناس أو فی المناطق الآهلة بالسکان ویفجرها لیقتل العدید من الرجال والنساء والکبار والصغار الأبریاء أبشع قتلة، هذا هو مصداق أسفل السافلین. إنّ أولئک الذین یدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان ویلقون بقنابلهم على مدینة هیروشیما وناکازاکی ویهلکون بذلک الألوف من أفراد البشر الأبریاء، هم من المصادیق البارزة لعبارة: (بَلْ هُمْ أَضَلُّ).. والأشخاص الذین یتحرکون على مستوى إشعال فتیل الحرب هنا وهناک فی مناطق مختلفة من العالم لتصریف الأجهزة المدمّرة والأسلحة الفتاکة التی تنتجها مصانعهم ویزیدوا بذلک من أموالهم وثرواتهم، هؤلاء الحیوانات الوحشیة التی ترتدی لباس البشریة، هم مصداق هذه الآیة الشریفة.
وقد ورد أنّ أسفل السافلین موقع فی قعر جهنّم فی الآخرة ویعتبر أسفل نقطة فی النار، وهذا القوس النزولی وذلک القوس الصعودی فی معراج الإنسان وسلّم التکامل المعنوی یعتبر أحد امتیازات الإنسان.
سؤال: ما العمل لئلا نقع فی منحدر القوس النزولی ولا نسقط فی أسفل السافلین؟
الجواب: من أجل التخلص من الوقوع فی أسفل السافلین، ومن أجل أن نتحرک فی خط التکامل ونصعد فی مراتب المعنى للوصول إلى مرتبة «أحسن تقویم» نحتاج إلى مخطط کامل لبناء الذات وتفعیل قوى الخیر والصلاح فی وجدان الإنسان، وأحد هذه العناصر یتمثل باختیار الصدیق الصالح، لأنّ دور الصدیق إلى درجة من الأهمیّة أنّه بإمکانه أن یرتفع بصاحبه إلى الجنّة، أمّا إذا کان هذا الصدیق غیر صالح فربّما یؤدی بالإنسان إلى سلوک طریق جهنّم، فالصدیق بإمکانه أن یفتح أمام الإنسان أبواب السعادة، کما أنّه بإمکانه أن یفتح أمام الإنسان أبواب الشقاء والسقوط، والصدیق بإمکانه أن یوفر الأرضیة اللازمة لنیل الإنسان مرتبة الشهادة والفوز العظیم بالخلود فی الجنّة، أو یجعله فی زمرة أعداء الله ویقوده فی خط المعصیة والرذیلة والضلالة.
 

(1) . سورة النجم، الآیة 9 .
(2) . ورد هذا التعبیر فی الآیة 70 من سورة النحل والآیة 5 من سورة الحج.
(3) . ورد هذا التعبیر فی الآیة 179 من سورة الأعراف، والآیة 44 من سورة الفرقان.