ومن جملة الذرائع التی تمسک بها الوهابیون المتشددون والسلفیون، ویتهمون جمیع المسلمین وخاصّة الشیعة بذلک هو کلمة البدعة، ولذلک ینبغی طرح تعریف جامع وواضح لهذه الکلمة:
إنّ البدعة على نحوین:
1. البدعة المشروعة أو الحلال; وهی من قبیل الابتکارات والابداعات الفکریة والاکتشافات والاختراعات الجدیدة التی یشهدها العالم کل یوم فی مجال الصناعة والارتباطات، وسائل النقل، الأسلحة، الفضاء وأمثال ذلک، فهذه الأمور تعدّ من البدع والأمور الجیدة، ولکنّها لا تعتبر بدعة فی دین الله، والعجیب أنّ الوهابیین والسلفیین کانوا إلى فترة وجیزة یخالفون هذه الاختراعات والأجهزة الحدیثة على أساس مواجهة البدعة والتصدی لها، فعندما دخلت أول دراجة إلى المملکة العربیة السعودیة أفتوا بتحریمها وادعوا أنّ هذه الوسیلة مرکب الشیطان، وعندما قام الملک (سعود) ولأول مرّة بإنشاء خط الهاتف الذی یربط بین قصره ومعسکر الجیش التابع له، وعلم السلفیون المتشددون بهذا المشروع، حکموا بأنّه بدعة وقاموا بتقطیع أسلاک الهاتف، ولکن الآن لا یوجد أثر أو خبر عن ضیق الاُفق هذا، فهؤلاء یعیشون الیوم من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم فی الوسائل الحدیثة والأجهزة المتطورة والمستوردة من الغرب، ولکنّهم لحد الآن یعتبرون الکثیر من الأمور من البدع فی حین أنّها لا ترتبط بالشرع ولیست من البدع المحرمة، مثلاً یعتبرون الاحتفال بمیلاد النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)بدعة وحرام، وکذلک إقامة مجالس الفاتحة والعزاء على الأموات فی یوم الوفاة والیوم الثالث أو یوم الأربعین أو الذکرى السنویة للمیت، فی حین أننا لا نأتی بهذه الأعمال ولا نشترک بهذه المراسیم على أساس أنّها أوامر من الدین الحنیف، بل على أساس أنّها مصداق لتعظیم الشعائر الإلهیّة.
ومن أجل التمییز بین البدعة المحرمة والابداعات المتعارفة والمباحة، یجب تحدید مفهوم کل منهما، فهل أنّ جمیع الأعمال والأشیاء التی لم تکن فی عصر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وتوجد الآن فی مجتمعنا المعاصر هی من البدعة المحرمة؟
إذا قلنا بهذا المعنى فحینئذ لابدّ من القول إنّ المآذن الموجودة فی مسجد النبی، وکذلک السماعات والمکروفونات الموجودة فیه والاساطین والأعمدة، والقبة والقباب المتحرکة، وما إلى ذلک ممّا لم یکن فی عصر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) کلها تندرج فی البدعة، فی حین أنّ الأمر لیس کذلک، لأنّه لا أحد یقول إنّ هذه الأمور تمثّل حکماً شرعیاً أو أمراً دینیاً، فالمجالس التی تقام لإحیاء ذکرى وفاة عزیز من الأعزاء ویؤدی ذلک إلى تسلیة وعزاء أقرباء المیت وتکریم واحترام لشخصیة ذلک المرحوم، کل ذلک یعدّ من الأمور العرفیة لا أنّها أمر دینی(1).
إنّ مجالس الاحتفال التی تقام لإحیاء ذکر العلماء والشخصیات الدینیة والسیاسیة، إنّما هی بمثابة الاعلان عن الشکر والتقدیر لأتعاب هؤلاء العظماء لا أنّها صادرة من أحکام الشریعة وتعالیم الدین حتى یقال إنّها بدعة وتواجه بسلاح التحریم والقمع.
النتیجة إنّ الابداعات العرفیة والاجتماعیة التی تمارس فی الوسط الاجتماعی بدوافع مختلفة، لیست حراماً شرعاً.
2. البدعة المحرمة; وهی إدخال ما لیس من الدین فی الدین، مثلاً النطق بالشهادة الثالثة (أشهد أنّ علیاً ولى الله) فی الصلاة یعتبر بدعة وحرام، لأننا لا یحق لنا إضافة أی شیء للصلاة أو حذف بعض أجزائها، لأنّ إضافة أی شیء للصلاة على أساس أنّها أمر شرعی أو حذف أی شیء منها محکوم بالحرمة الشرعیة ولا دلیل لدینا على وجود شهادة ثالثة فی التشهد فی الصلاة، ولذلک یکون بدعة غیر مشروعة، ولم یرد فی أیة روایة عن المعصومین(علیهم السلام)ولم یقل أی فقیه من فقهاء الشیعة طیلة التاریخ الإسلامی أنّ هذا العمل جائز شرعاً، وعلیه فلو ارتکب شخص هذا البدعة ونطق بالشهادة الثالثة فی صلاته، فقد ارتکب عملاً حراماً وتکون صلاته باطلة، ویحاسب یوم القیامة.
سؤال: إذا کان هذا العمل غیر صحیح وغیر مشروع، فلماذا یقول الشیعة بذلک فی الأذان والإقامة؟
الجواب: أولا: لم یقل أی فقیه من الشیعة أنّ الشهادة الثالثة تعتبر جزءً من الأذان والإقامة، بل إنّ جمیع فقهاء الشیعة یعتبرون ذکر الشهادة الثالثة فی الأذان والإقامة بعنوان التبرک والتیمّن(2).
وثانیاً: إنّ الأذان والإقامة لیس حالهما حال الصلاة، ولذلک یجوز التکلّم بین فصول الأذان والإقامة ولا یوجب بطلانهما.
النتیجة إنّ الشهادة الثالثة فی الصلاة تعتبر بدعة وحرام، وتؤدی إلى بطلان الصلاة، فضلاً عن الشهادة الرابعة التی یطرحها بعض العوام أی (أشهد أنّ فاطمة الزهراء ولیة الله أو عصمة الله)، والولاء والعشق للإمام علی وفاطمة الزهراء(علیهما السلام)موضوع آخر ولا ینبغی أن تجعل مسألة الولاء لأهل البیت مسوغاً لأعمال غیر مشروعة ولا تقوم على أساس منطقی وشرعی.
ولو فتح الباب لدخول مثل هذه الأمور إلى الدین والشرع، فغداً ستظهر شهادة خامسة وسادسة و... الخ، فی حین أنّ الأئمّة المعصومین(علیهم السلام)أنفسهم لا یرضون بذلک قطعاً، ولم یرد فی عصر الأئمّة أنّ أحداً من هؤلاء الأئمّة المعصومین(علیهم السلام)ذکر شهادة غیر الشهادة بالتوحید والشهادة بالرسالة للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی تشهد الصلاة.
النتیجة، أن البدعة بمعنى الابداع والاختراع فی الأمور العرفیة وبدون نسبتها إلى الشرع والشریعة لا إشکال فیها، وأمّا البدعة بمعنى إدخال شیء لیس من الدین فی الدین فغیر جائز، وللأسف الشدید أنّ السلفین والوهابیین لم یدرکوا الفرق بین هذین الأمرین ولم یمیّزوا بین حدود هذین المفهومین.