إنّ ترک الأولى لا یعدّ ذنباً ومعصیة وربّما لا یکون مکروهاً ومباحاً، بل من المندوبات، ونشیر هناک إلى مثالین فی هذه المجال:
1. إذا أراد شخص أن یطعم الفقراء والمحتاجین فی شهر رمضان المبارک، فإنّ إطعام الجار الفقیر أولى من إطعام غیره من الفقراء، وإن کان إطعام غیره من الفقراء یعدّ عملاً مستحباً، فلو أنّ هذا الشخص ترک إطعام الجار الفقیر وأطعم الفقراء المحتاجین غیره، فإنّه قد ارتکب هنا ترک الأولى،فمع أنّه لم یرتکب حراماً أو مکروهاً أو مباحاً، بل أتى بعمل مندوب، إلاّ أنّه فی ذات الوقت ترک عملاً مندوباً أکثر.
2. إذا اشترک 50 نفراً فی صلاة الجماعة فی مسجد معین، ولکن فی مسجد آخر کان یشترک فی صلاة الجماعة 500 نفراً، ففی مثل هذه الحالة فالمشارکة فی صلاة الجماعة الثانیة وإن کانت فی منطقة أبعد مسافة من الأُولى، إلاّ أنّها أولى وأکثر ثواباً، ولهذا لو أنّ هذا الشخص ترک صلاة الجماعة فی ذلک المسجد الأبعد وصلى جماعة فی المسجد الأول، فإنّه قد ارتکب ترک الأولى، لأنّه قد ترک ما هو أکثر استحباباً وأکثر ثواباً، رغم أنّه قد أتى بعمل مستحب أیضاً، فترک الأولى لا إشکال فیه بالنسبة للأشخاص العادیین، وأمّا بالنسبة للأنبیاء والأئمّة فلا ینبغی أن یصدر منهم ذلک، فلو أنّهم ارتکبوا مثل هذا العمل فإنّ الله تعالى سیؤاخذهم على ذلک ویعاقبهم، وبالنسبة لنبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) والأئمّة الطاهرین(علیهم السلام) فنحن لم نشاهد منهم أی ترک أولى.
النتیجة إنّ البشارة والإنذار تتعلقان بجمیع أفراد البشر حتى بالأنبیاء والأئمّة: (لِمَنْ شَاءَ مِنْکُمْ أَنْ یَتَقَدَّمَ أَوْ یَتَأَخَّرَ).
إنّ الله تعالى خلق نظام النور والظلمة، البشارة والإنذار، وجعله فی اختیار البشر حتى یتحرک من شاء فی خط الصلاح والخیر والسعادة ویستفید من هذه النعم الإلهیّة للوصول إلى الجنّة والنعیم الخالد، ویتحرک من شاء من الناس فی خط الانحراف والشقاء والضلالة ویبتعد عن طریق الخیر والصلاح.