لقد إتّضح لدینا من خلال تفسیر الآیة الأخیرة بأنّ الأصنام والأوثان وما یعبد من دون الله تعالى لیس لها آذان صاغیة لما یُطلب منها، وإن کان لها فهی غیر قادرة على حلّ مشکلة ما، ولیس لها فی هذا العالم أیّ ملک ولو بقدر رأس الإبرة (إن تدعوهم لا یسمعوا دعاءکم)(1) وعلى هذا الأساس اتّخذ الوهّابیون هذه الآیة ذریعة لهم للإدّعاء بأنّ کلّ شیء ما خلا الله جلّ وعلا ـ وإن کان نبیّاً ـ لا یسمع دعاءً، وإن سمع فلا یجیب! کما رفضوا أی نوع من التوسّل بأرواح الأنبیاء والأئمّة والأولیاء، واعتبروا ذلک مخالفاً للتوحید محتجّین بقوله تعالى: (والذین تدعون من دونه لا یستطیعون نصرکم ولا أنفسهم ینصرون).(2)
ولو أمعنا النظر فی الآیات السابقة واللاحقة لهذه الآیة للاحظنا أنّ المقصود من قوله: (من دونه) هی الأصنام لا غیر، وذلک یصدق على مجموعة الأحجار والأخشاب وغیرها والتی کانت فی نظر مشرکی الجاهلیة بأنّها ذات قدرة إزاء قدرة الخالق الکریم جلّ وعلا، کما أنّ الأنبیاء والأولیاء وحتى الشهداء فی سبیل الله أحیاء فی البرزخ، وحیاة البرزخ ـ کما هو معلوم ـ مجرّدة من الحجب المادیة ومتعلّقات الدنیا ممّا یجعلها أوسع منها، یضاف إلى ذلک فإنّ التوسّل بالأرواح الطاهرة للأنبیاء والأئمّة(علیهم السلام) لا یعنی إقرارنا لهم بالاستقلالیة إزاء الخالق الکریم، بل إنّنا إنّما نطلب العون والمدد من مقامهم وجاههم فی حضرة الباریء العزیز، وهذا هو عین التوحید (تأمّلوا جیداً).
وقد صرّح القرآن الکریم بأنّ الشفیع إنّما یشفع بإذن الله تعالى: (من ذا الذی یشفع عنده إلاّ بإذنه)(3) فمن یستطیع إنکار مثل هذه الآیات الصریحة غیر الجهلة المغرورین الذین هتفوا بمثل هذه الإدّعاءات لزرع الفرقة بین المسلمین؟!
وفی کثیر من الحالات نقرأ فی سیرة الصحابة أنّهم حینما تحیق بهم المشکلات یأتون إلى قبر الرّسول (صلى الله علیه وآله) ویتوسّلون إلیه، ویطلبون العون من الله عزّوجلّ بشفاعة روحه الطاهرة.
مثالنا على ذلک ما ذکره «البیهقی» من محدّثی العامّة، قال: فی زمن الخلیفة الثّانی مرّ فی الناس قحط وجدب، ممّا حدا ببلال وعدد من الصحابة إلى الذهاب لقبر رسول الله وقالوا عنده: «یارسول الله، استق لاُمّتک... فإنّهم قد هلکوا»(4).
کما نقل «الآلوسی» فی (روح المعانی) الکثیر من الأحادیث فی هذا الصدد، وبعد المناقشة لهذه الأحادیث یخرج بالقول: إنّنی لا أرى مانعاً من التضرّع لله جلّوعلا بمقام الرّسول الأکرم فی حیاته أو بعد مماته... ثمّ إنّ الآخرین الذین یمتلکون مقاماً وقرباً من الخالق الکریم یجوز التوسّل بالله سبحانه بواسطتهم(5).
ولمزید من الإطلاع راجع تفسیرنا هذا، ذیل الآیة 35 من سورة المائدة.