1ـ ملاحظات هامّة فی معرکة الأحزاب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
دور المؤمنین المخلصین فی معرکة الأحزاب:2ـ النّبی اُسوة وقدوة

) إنّ معرکة الأحزاب ـ وکما هو معلوم من اسمها ـ کانت حرباً اتّحدت فیها کلّ القبائل

والفئات المختلفة التی تعادی الإسلام، للقضاء على الإسلام الیافع.

لقد کانت «حرب الأحزاب» آخر سعی للکفر، وآخر سهم فی کنانته، وآخر استعراض لقوى الشرک، ولهذا قال النّبی(صلى الله علیه وآله): «برز الإیمان کلّه إلى الشرک کلّه»(1) عندما تقابل أعظم أبطال العدوّ، وهو عمرو بن عبد ودّ، وبطل الإسلام الأوحد أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، لأنّ انتصار أحدهما على الآخر کان یعنی إنتصار الکفر على الإیمان، أو الإیمان على الکفر، وبتعبیر آخر: کان عملا مصیریاً یحدّد مستقبل الإسلام والشرک، ولذلک فإنّ المشرکین لم تقم لهم قائمة بعد انهزامهم فی هذه المواجهة العظیمة، وکانت المبادرة وزمامها بید المسلمین بعدها دائماً.

لقد أفل نجم الأعداء، وانهدمت قواعد قوّتهم، ولذلک نقرأ فی حدیث أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) قال بعد نهایة غزوة الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا یغزوننا»(2).

ب) التفاوت فى العدد و العدة

ذکر بعض المؤرخّین أنّ عدد أفراد جیوش الکفر کان أکثر من عشرة آلاف محارب، ویقول «المقریزی» فی «الإمتاع»: إنّ قریشاً أتت لوحدها بأربعة آلاف رجل، وألف وثلاثمائة فرس، وألف وخمسمائة من الإبل، ونزلت عند حافّة الخندق، وجاءت قبیلة بنی سلیم بسبعمائة رجل والتقوا بهم فی مرّ الظهران، وجاء «بنو فزارة» بألف، وکلّ من «بنی أشجع» و«بنی مرّة» بأربعمائة، والقبائل الاُخرى أرسلت عدداً من الرجال، فتجاوز مجموع کلّ من حضر عشرة آلاف رجل.

فی حین أنّ عدد المسلمین لم یکن یتجاوز الثلاثة آلاف رجل، وکانوا قد جعلوا مخیّمهم الأصلی أسفل جبل سلع، وکانت نقطة مرتفعة جنب المدینة مشرفة على الخندق، وکانوا یستطیعون عن طریق رماتهم السیطرة على حرکة المرور من الخندق.

على کلّ حال، فإنّ جیش الکفّار قد حاصر المسلمین من جمیع الجهات، وطالت هذه المحاصرة عشرین یوماً، وقیل خمسة وعشرین یوماً، وعلى بعض الرّوایات شهر(3).

ومع أنّ العدوّ کان متفوقاً على المسلمین من جهات مختلفة، إلاّ أنّه خاب فی النهایة کما قلنا، ورجع إلى دیاره خالی الوفاض.

ج) کیفیة حفر الخندق؟

إنّ مسألة حفر الخندق قد تمّت ـ کما نعلم ـ بمشورة «سلمان الفارسی»، وکانت هذه المسألة اُسلوباً دفاعیاً معتاداً فی بلاد فارس آنذاک، ولم یکن معروفاً فی جزیرة العرب إلى ذلک الیوم، وکان یعتبر ظاهرة جدیدة، وکانت لإقامته فی أطراف المدینة أهمیّة عظیمة، سواء من الناحیة العسکریة، أم من جهة إضعاف معنویات العدوّ ورفع معنویات المسلمین.

ولا توجد لدینا معلومات دقیقة عن صفات الخندق ودقائقه، فقد ذکر المؤرخّون أنّه کان من العرض بحیث لا یستطیع فرسان العدو عبوره بالقفز، ومن المحتّم أنّ عمقه أیضاً کان بالقدر الذی إذا سقط فیه أحد لم یکن یستطیع أن یخرج من الطرف المقابل بسهولة.

إضافةً إلى أنّ سیطرة رماة المسلمین على منطقة الخندق کان یمکّنهم من جعل کلّ من یحاول العبور هدفاً وغرضاً لسهامهم فی وسط الخندق وقبل عبوره.

وأمّا من ناحیة الطول فإنّ البعض قد قدّره بإثنی عشر ألف ذراع (ستّة آلاف متر) استناداً إلى الروایة المعروفة التی تقول بأنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) کان قد أمر أن یحفر کلّ عشرة رجال أربعین ذراعاً من الخندق، وبملاحظة أنّ عدد جنود المسلمین ـ طبقاً للمشهور ـ بلغ ثلاثة آلاف رجل.

ولابدّ من الإعتراف بأنّ حفر مثل هذا الخندق، وبالآلات البدائیة المستعملة فی ذلک الیوم کان أمراً مضنیاً وجهداً، خاصّة وأنّ المسلمین کانوا فی ضیق شدید وحاجة ملحّة من ناحیة الزاد والوسائل الاُخرى.

ومن المسلّم أنّ حفر الخندق قد استغرق مدّة لا یستهان بها، وهذا یوحی بأنّ جیش المسلمین کان قد قدّر وخمّن وتوقّع التوقّعات اللازمة بدقّة کاملة قبل أن یهجم العدوّ بحیث أنّ حفر الخندق کان قد تمّ قبل ثلاثة أیّام من وصول جیش الکفّار.

د) ساحة إمتحان عظیمة

إنّ غزوة «الأحزاب» کانت محکّاً وامتحاناً عجیباً لکلّ المسلمین، ولمن کانوا یدّعون الإسلام، وکذلک لاُولئک الذین کانوا یدّعون الحیاد أحیاناً، وکان لهم فی الباطن ارتباط وتعامل مع أعداء الإسلام ویتعاونون معهم ضدّ دین الله.

لقد تبیّن بوضوح تامّ موقع الفئات الثلاث ـ المؤمنون الصادقون، وضعفاء الإیمان، والمنافقون ـ من خلال عملهم، واتّضحت تماماً القیم والمفاهیم الإسلامیة، فقد عکست کلّ

من الفئات الثلاث فی أتون الحرب الملتهبة حسن إیمانها أو قبحه، وإخلاص نیّاتها أو عدمه.

لقد کانت العاصفة هوجاء شدیدة لم تدع المجال لأیّ شخص أن یخفی ما فی قلبه، وظهرت اُمور فی أقلّ من شهر، وکان یحتاج کشفها إلى سنین ربّما تکون طویلة فی الظروف الطبیعیّة.

وهنا مسألة تستحقّ الإنتباه، وهی أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) أثبت عملیّاً إیمانه الکامل بما جاء به من التعلیمات الإلهیّة ووفاءه التامّ لها من خلال مقاومته وصلابته، ورباطة جأشه، وتوکّله على الله، وإعتماده على نفسه، وکذلک أثبت للناس أنّه یطبّق قبل الآخرین ما یأمرهم به من خلال مواساته للمسلمین ومساعدتهم فی حفر الخندق، وتحمّله لمصاعب الحرب ومشاکلها.

هـ ) نزال علی(علیه السلام) التاریخی لعمرو بن عبد ودّ

من المواقف الحسّاسة والتاریخیة لهذه الحرب مبارزة علی(علیه السلام) لبطل معسکر العدوّ العظیم «عمرو بن عبد ودّ»، فقد جاء فی التواریخ أنّ جیش الأحزاب کان قد دعا أشدّاء شجعان العرب للإشتراک والمساهمة فی هذه الحرب، وکان الأشهر من بین هؤلاء خمسة: عمرو بن عبد ودّ، وعکرمة بن أبی جهل، وهبیرة، ونوفل، وضرار.

لقد استعدّ هؤلاء فی أحد أیّام الحرب للمبارزة الفردیة، ولبسوا عدّة الحرب، واستطاعوا اختراق الخندق والعبور بخیولهم إلى الجانب الآخر من خلال نقطة ضیّقة فیه، کانت بعیدة نسبیاً عن مرمى الرماة المسلمین، وأن یقفوا أمام جیش المسلمین، وکان أشهرهم «عمرو بن عبد ودّ».

فتقدّم وقد رکبه الغرور والإعتداد بالنفس، وکانت له خبرة طویلة فی الحرب، ورفع صوته طالباً من یبارزه.

لقد دوّى نداؤه (هل من مبارز) فی میدان الأحزاب، ولمّا لم یجرؤا أحد من المسلمین على قتاله اشتدّت جرأته وبدأ یسخر من معتقدات المسلمین، فقال: أین جنّتکم التی تزعمون أنّ من قتل منکم دخلها؟ هل فیکم من أرسله إلى الجنّة، أو یدفعنی إلى النار؟

وهنا أنشد أبیاته المعروفة:

ولقد بححت من النداء بجمعکم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجّع موقف البطل المناجز

إنّ السماحة والشجاعة فی الفتى خیر الغرائز

فأمر النّبی(صلى الله علیه وآله) عند ذاک أن یخرج إلیه رجل ویبعد شرّه عن المسلمین، إلاّ أنّ أحداً لم یجب رسول الله(صلى الله علیه وآله) إلاّ علی بن أبی طالب(علیه السلام)، فقال النّبی(صلى الله علیه وآله): «إنّه عمرو» فقال علی(علیه السلام): «وإن کان عمرواً» فدعاه النّبی(صلى الله علیه وآله) وعمّمه، وقلّده سیفه الخاصّ ذا الفقار، ثمّ دعا له فقال: «اللهمّ احفظه من بین یدیه ومن خلفه وعن یمینه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته».

فمشى علی(علیه السلام) إلى الحرب وهو یرتجز:

لا تعجلنّ فقد أتاک مجیب صوتک غیر عاجز *** ذو نیّة وبصیرة والصدق منجی کلّ فائز

إنّی لأرجو أن اُقیم علیک نائحة الجنائز *** من ضربة نجلاء یبقى صوتها بعد الهزاهز

وهنا قال النّبی(صلى الله علیه وآله) کلمته المعروفة: «برز الإیمان کلّه إلى الشرک کلّه»(4).

فلمّا التقیا دعاه أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) إلى الإسلام أوّلا، فأبى، ثمّ دعاه إلى إعتزال الحرب، فرفض ذلک، واعتبره عاراً علیه، وفی الثالثة دعاه إلى أن ینزل عن ظهر جواده ویقاتله راجلا، فغضب عمرو وقال: ما کنت أحسب أحداً من العرب یدعونی إلى مثل ذلک، فنزل من على ظهر فرسه وضرب علی(علیه السلام) على رأسه، فتلقّاها علی(علیه السلام) بمهارة خاصّة بدرعه، إلاّ أنّ السیف قدّه وشجّ رأس علی(علیه السلام).

هنا استعمل علی(علیه السلام) اُسلوباً خاصّاً، فقال لعمرو: أنت بطل العرب، وأنا اُقاتلک، فعلام حضر من خلفک؟ فلمّا التفت عمرو، ضربه علی(علیه السلام) على ساقه بالسیف، فسقط عمرو إلى الأرض، فثارت غبرة ظنّ معها المنافقون أنّ علی(علیه السلام) قد قتل بسیف عمرو، غیر أنّهم لمّا سمعوا التکبیر قد علا علموا بانتصار علی، ورأوا فجأةً علی(علیه السلام) یرجع إلى معسکره رویداً رویداً والدم ینزف من رأسه، وعلى شفتیه إبتسامة النصر، وکانت جثّة عمرو قد سقطت فی جانب من المیدان.

لقد أنزل مقتل بطل العرب المعروف ضربة قاصمة بجیش الأحزاب بدّدت آمالهم وحطّمت معنویاتهم، وهزمتهم نفسیاً هزیمة منکرة، وخابت آمالهم فی النصر والظفر، ولذلک قال رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی حقّها: «لو وزن الیوم عملک بعمل جمیع اُمّة محمّد لرجح عملک على عملهم، وذاک أنّه لم یبق بیت من المشرکین إلاّ وقد دخله ذلّ بقتل عمرو، ولم یبق بیت من المسلمین، إلاّ وقد دخله عزّ بقتل عمرو»(5).

وقد أورد العالم السنّی المعروف «الحاکم النیسابوری» هذا القول، لکن بتعبیر آخر: «لمبارزة علی بن أبی طالب لعمرو بن عبد ودّ یوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتی إلى یوم القیامة»(6).

والغایة من هذا الکلام واضحة، لأنّ کلاًّ من الإسلام والقرآن کان على حافّة الهاویة ظاهراً، وکان یمرّ بأحرج لحظاته وأصعبها، ولذلک کانت التضحیة فی هذه الحرب أعظم التضحیات بعد تضحیات النّبی(صلى الله علیه وآله)، حیث حفظت الإسلام من السقوط ودرأت عنه الخطر، وضمنت بقاءه إلى یوم القیامة، وببرکة تضحیة الإمام(علیه السلام) تجذّر الإسلام وتأصّل وشملت غصونه وأوراقه العالمین، وبناءً على هذا فإنّ عبادة الجمیع مرهونة بعمله.

وذکر البعض: أنّ المشرکین أرسلوا رسولا منهم لیشتری جثّة عمرو بعشرة آلاف درهم ـ وربّما کانوا یتصوّرون أنّ المسلمین سیفعلون بجثّة عمرو ما فعله قساة القلوب بجسد حمزة یوم اُحد ـ فقال النّبی(صلى الله علیه وآله): «هو لکم، لا نأکل ثمن الموتى»!

وهناک موقف یستحقّ الذکر والإنتباه، وهو: أنّ اُخت عمرو لمّا وصلت إلى جسد أخیها، ورأت أنّ علی(علیه السلام) لم یسلبه درعه الثمینة قالت: ما قتله إلاّ کفؤ کریم(7).

و) إجراءات النّبی العسکریة والسیاسیة فی هذه الحرب

کانت هناک مجموعة من العوامل المختلفة، والأسالیب العسکریة والسیاسیة، وکذلک عامل العقیدة والإیمان، ساهمت فی إنتصار النّبی (صلى الله علیه وآله) والمسلمین فی معرکة الأحزاب، إضافةً إلى التأیید الإلهی عن طریق الریاح والعواصف الهوجاء التی مزّقت جیوش الأحزاب شرّ ممزّق، وکذلک جنود الله الغیبیین، ومن جملة هذه العوامل والإجراءات:

أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) أدخل بقبوله اقتراح حفر الخندق اُسلوباً جدیداً لم یکن موجوداً ومعروفاً بین العرب إلى ذلک الیوم، وکان عاملا مهمّاً فی رفع معنویات المسلمین وکسر شوکة الکفّار.

المواقف والحسابات الدقیقة للمسلمین، والأسالیب والمناورات العسکریة کانت عاملا مؤثّراً فی عدم نفوذ العدوّ إلى داخل المدینة.

قتل عمرو بن عبد ودّ على ید بطل الإسلام العظیم علی بن أبی طالب علیه الصلاة والسلام، وتبدید آمال الأحزاب بقتله یعدّ عاملا مؤثّراً آخر.

الإیمان بالله، والتوکّل علیه، والذی غرسه النّبی(صلى الله علیه وآله) فی قلوب المسلمین، وسقاه المسلمون على امتداد الحرب بتلاوة القرآن وکلمات النّبی(صلى الله علیه وآله) المؤثّرة.

اُسلوب النّبی(صلى الله علیه وآله) وروحه الکبیرة، واعتماده على نفسه الذی یمنح المسلمین قوّة واطمئناناً.

إضافةً إلى ذلک، فإنّ عمل «نعیم بن مسعود» کان أحد العوامل المهمّة فی إیجاد الفرقة بین جیوش الأحزاب.

ز) نعیم بن مسعود وبثّ الفُرقة فی جیش العدوّ!

جاء «نعیم» إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) وکان قد أسلم لتوّه، ولم تعلم قبیلته (غطفان) بإسلامه، فقال: أسلمت ولم یعلم بی أحد من قومی فمرنی بأمرک، فقال له النّبی(صلى الله علیه وآله): «إنّما أنت فینا رجل واحد، فخذّل عنّا ما استطعت، فإنّما الحرب خدعة».

فإنطلق نعیم بخطّة رائعة، وأتى یهود بنی قریظة، وکانت له معهم صداقة فی الجاهلیة، فقال لهم: إنّی لکم صدیق، وأنتم تعلمون ذلک، فقالوا: صدقت، ونحن لا نتّهمک أبداً، فقال: إنّ البلد بلدکم وبه أموالکم وأبناؤکم ونساؤکم، وإنّما قریش وغطفان بلادهم غیرها، وإنّما جاءوا حتى نزلوا معکم فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن رأوا غیر ذلک رجعوا إلى بلادهم وخلوا بینکم وبین الرجل، ولا طاقة لکم به، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهناً من أشرافهم تستوثقون به أن لا یبرحوا حتى یناجزوا محمّداً، فقالوا: قد أشرت برأی، فقبل بنو قریظة قوله.

ثمّ أتى أبا سفیان وأشراف قریش متخفّیاً، فقال: یامعشر قریش، إنّکم قد عرفتم ودّی إیّاکم وفراقی محمّداً ودینه، وإنّی قد جئتکم بنصیحة فاکتموا علیّ، فقالوا: نفعل، قال: تعلمون أنّ بنی قریظة قد ندموا على ما صنعوا بینهم وبین محمّد فبعثوا إلیه: أنّه لا یرضیک عنّا إلاّ أن نأخذ من القوم رهناً من أشرافهم وندفعهم إلیک فتضرب أعناقهم، ثمّ نکون معک علیهم حتى نخرجهم من بلادک، فقالوا: بلى، فإن بعثوا إلیکم یسألونکم نفراً من رجالکم فلا تعطوهم رجلا واحداً واحذروا.

ثمّ جاء إلى غطفان قبیلته، فقال: تعلمون حسبی ونسبی، وأنا أودّکم، ولا أظنّکم تشکّون فی صدقی، فقالوا: نعلم ذلک، فقال: لکم عندی خبر فاکتموه علیّ، فقالوا: نفعل، فقال لهم ما قال لقریش. وکان ذلک لیلة السبت من شوّال سنة خمس من الهجرة.

فأرسل أبو سفیان ورؤساء غطفان جماعة إلى بنی قریظة فقالوا: إنّ الکراع والخفّ قد هلکا، وإنّا لسنا بدار مقام، فاخرجوا إلى محمّد حتى نناجزه.

فأجابهم الیهود: إنّ غداً السبت، وهو یوم لا نعمل فیه، ولسنا مع ذلک بالذین نقاتل معکم حتى تعطونا رهناً من رجالکم نستوثق بهم لا تذهبوا وتدعونا حتى نناجز محمّداً.

فلمّا بلغ ذلک قریشاً وغطفان قالوا: والله لقد حذّرنا هذا نعیم، فبعث إلیهم أبو سفیان: إنّا لا نعطیکم رجلا واحداً فإن شئتم أن تخرجوا وتقاتلوا، وإن شئتم فاقعدوا.

ولمّا علمت الیهود بذلک قالوا: هذا والله الذی قال لنا نعیم، فإنّ فی الأمر حیلة، وهؤلاء لا یریدون القتال، ویریدون أن یغیروا ویرجعوا إلى دیارهم ویذروکم ومحمّداً.

فأرسلوا إلى قریش وغطفان: إنّا والله لا نقاتل حتى تعطونا رهناً، فأصرّت قریش وغطفان على قولهما فوقع الإختلاف بینهم، وبعث الله سبحانه علیهم الریح فی لیال شاتیة قارصة البرد، قلعت خیامهم، وکفأت قدورهم.

لقد اتّحدت هذه العوامل، فحزم الجمیع أمتعتهم ورجّحوا الفرار على القرار، ولم یبق منهم رجل فی ساحة الحرب(8).

ح) قصّة حذیفة

جاء فی کثیر من التواریخ أنّ «حذیفة الیمانی» قال: والله، لقد رأیتنا یوم الخندق وبنا من الجهد والجوع والخوف ما لا یعلمه إلاّ الله، وفی لیلة من اللیالی ـ بعد أن وقع الإختلاف بین جیش الأحزاب ـ قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): «ألا رجل یأتینا بخبر القوم یجعله الله رفیقی فی الجنّة».

قال حذیفة: فوالله ما قام منّا أحد ممّا بنا من الخوف والجوع، فلمّا رأى النّبی(صلى الله علیه وآله) ذلک دعانی، فقلت: لبّیک، قال: «إذهب فجیء بخبر القوم ولا تحدثنّ شیئاً حتى ترجع»، فأتیت القوم فإذا ریح الله وجنوده تفعل بهم ما تفعل، ما یستمسک لهم بناء، ولا تثبت لهم نار، ولا یطمئن لهم قدر، فإنّی لکذلک إذ خرج أبو سفیان من رحله، ثمّ قال: یامعشر قریش، لینظر أحدکم من جلیسه لئلاّ یکون هنا غریب، فبدأت بالذی عن یمینی، فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان، فقلت: حسناً.

ثمّ عاد أبو سفیان براحلته، فقال: یامعشر قریش ـ والله ـ ما أنتم بدار مقام، هلک الخفّ والحافر، وأخلفتنا بنو قریظة، وهذه الریح لا یستمسک لنا معها شیء، ثمّ عجّل فرکب راحلته وإنّها لمعقولة ما حلّ عقالها إلاّ بعد ما رکبها.

فقلت فی نفسی: لو رمیت عدوّ الله وقتلته کنت قد صنعت شیئاً، فوترت قوسی ثمّ وضعت السهم فی کبد القوس، فلمّا أردت أن أطلقه ذکرت قول رسول الله (صلى الله علیه وآله): «لا تحدثنّ شیئاً حتى ترجع» وإنّه طلب منّی أن آتیه بالخبر وحسب، حططت القوس ثمّ رجعت إلى رسول الله فأخبرته الخبر، فقال النّبی(صلى الله علیه وآله): «اللهمّ أنت منزل الکتاب، سریع الحساب، أهزم الأحزاب، اللهمّ أهزمهم وزلزلهم»(9).

ط) نتائج حرب الأحزاب

لقد کانت حرب الأحزاب نقطة انعطاف فی تاریخ الإسلام، قلبت کفّة التوازن العسکری والسیاسی لصالح المسلمین إلى الأبد. ویمکن تلخیص النتائج المثمرة لهذه المعرکة فی عدّة نقاط:

1- فشل مساعی العدو، وتحطّم قواه.

2- کشف المنافقین، وفضح الأعداء الداخلیین الخطرین.

3- جبران الذکرى الألیمة لهزیمة اُحد.

4- قوّة المسلمین، وازدیاد هیبتهم فی قلوب الأعداء.

5- إرتفاع معنویات المسلمین نتیجة للمعجزات العظیمة التی رأوها فی هذه المعرکة.

6- تثبیت مرکز النّبی(صلى الله علیه وآله) فی داخل المدینة وخارجها.

7- تهیؤ الأرضیة لتصفیة المدینة وإنقاذها من شرّ بنی قریظة.


1. بحار الأنوار، ج 20، ص 215، ونقل هذا الحدیث عن الکراجکی.
2. التاریخ الکامل لابن الأثیر، ج 2، ص 184.
3. بحار الأنوار، ج 20، ص 228.
4. بحار الأنوار، ج 20، ص 203، ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 344، طبقاً لنقل إحقاق الحقّ، ج 6، ص 9.
5. بحار الأنوار، ج 20، ص 216.
6. مستدرک الحاکم، ج 3، ص 32.
7. إعتمدنا فی هذا الجانب على کتب: إحقاق الحقّ، ج 6; بحار الأنوار، ج 20; تفسیر المیزان، ج 16; وحبیب السیر، ج 1; وفروغ الابدیة، ج 2.
8. سیرة ابن هشام، ج 3، ص 240 بإختصار.
9. بحارالأنوار، ج 20، ص 209.
دور المؤمنین المخلصین فی معرکة الأحزاب:2ـ النّبی اُسوة وقدوة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma