إثبت کالجبل، وعامل الناس بالحسنى!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة لقمان / الآیة 16 ـ 19 1ـ آداب المشی

کانت اُولى مواعظ لقمان عن مسألة التوحید ومحاربة الشرک، وثانیتها عن حساب الأعمال والمعاد، والتی تکمّل حلقة المبدأ والمعاد، فیقول: (یابنیّ إنّها إن تک مثقال حبّة من خردل فتکن فی صخرة أو فی السّماوات أو فی الأرض یأت بها الله) أی فی یوم القیامة ویضعها للحساب (إنّ الله لطیف خبیر).

«الخردل»: نبات له حبّات سوداء صغیرة جدّاً یضرب المثل بصغرها، وهذا التعبیر إشارة إلى أنّ أعمال الخیر والشرّ مهما کانت صغیرة لا قیمة لها، ومهما کانت خفیّة کخردلة فی بطن صخرة فی أعماق الأرض، أو فی زاویة من السماء، فإنّ الله اللطیف الخبیر المطّلع على کلّ الموجودات، صغیرها وکبیرها فی جمیع أنحاء العالم، سیحضرها للحساب والعقاب والثواب، ولا یضیّع شیئاً فی هذا الحساب.

والضمیر فی «إنّها» یعود إلى الحسنات والسیّئات، والإحسان والإساءة(1).

إنّ الإلتفات والتوجّه إلى هذا الإطّلاع التامّ من قبل الخالق سبحانه على أعمال الإنسان وعلمه بها، وبقاء کلّ الحسنات والسیّئات محفوظة فی کتاب علم الله، وعدم ضیاع وتلف شیء فی عالم الوجود هذا، هو أساس کلّ الإصلاحات الفردیّة والاجتماعیة، وهو قوّة وطاقة محرّکة نحو الخیرات، وسدّ منیع من الشرور والسیّئات، وذکر السماوات والأرض بعد بیان الصخرة، هو فی الواقع من قبیل ذکر العامّ بعد الخاصّ.

وفی حدیث روی عن الإمام الباقر(علیه السلام): «اتّقوا المحقّرات من الذنوب، فإنّ لها طالباً، یقول أحدکم: أذنب وأستغفر، إنّ الله عزّوجلّ یقول: (نکتب ما قدّموا وآثارهم وکلّ شیء أحصیناه فی إمام مبین)(2). وقال عزّوجلّ: (إنّها إن تک مثقال حبّة من خردل فتکن فی صخرة أو فی السّماوات أو فی الأرض یأت بها الله إنّ الله لطیف خبیر)(3).

وبعد تحکیم اُسس المبدأ والمعاد، والتی هی أساس کلّ الإعتقادات الدینیّة، تطرّق لقمان إلى أهمّ الأعمال، أی مسألة الصلاة، فقال: (یابنیّ أقم الصّلاة) لأنّ الصلاة أهمّ علاقة وإرتباط مع الخالق، والصلاة تنوّر قلبک، وتصفّی روحک، وتضیء حیاتک، وتطهّر روحک من آثار الذنب، وتقذف نور الإیمان فی أنحاء وجودک، وتمنعک عن الفحشاء والمنکر.

وبعد الصلاة یتطرّق لقمان إلى أهمّ دستور اجتماعی، أی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فیقول: (وأمر بالمعروف وانه عن المنکر).

وبعد هذه الأوامر العملیّة المهمّة الثلاثة، ینتقل إلى مسألة الصبر والإستقامة، والتی هی من الإیمان بمنزلة الرأس من الجسد، فیقول: (واصبر على ما أصابک إنّ ذلک من عزم الاُمور).

من المسلّم أنّه توجد مشاکل وعقبات کثیرة فی سائر الأعمال الاجتماعیة، وخاصّة فی مسألة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ومن المسلّم أیضاً أنّ أصحاب المصالح والمتسلّطین، والمجرمین والأنانیّین لا یستسلمون بهذه السهولة، بل یسعون إلى إیذاء واتّهام الآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر، ولا یمکن الإنتصار على هذه المصاعب والعقبات بدون الصبر والتحمّل والإستقامة أبداً.

«العزم» بمعنى الإرادة المحکمة القویّة، والتعبیر بـ (عزم الاُمور) هنا إمّا بمعنى الأعمال التی أمر الله بها أمراً مؤکّداً، أو الاُمور والأعمال التی یجب أن یمتلک الإنسان فیها إرادة فولاذیة وتصمیماً راسخاً، وأیّاً من هذین المعنیین کان فإنّه یشیر إلى أهمیّة تلک الأعمال.

والتعبیر بـ «ذلک» إشارة إلى الصبر والتحمّل، ویحتمل أیضاً أن یعود إلى کلّ الاُمور والمسائل التی ذکرت فی الآیة أعلاه، ومن جملتها الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، إلاّ أنّ هذا التعبیر قد ورد بعد مسألة الصبر فی بعض الآیات القرآنیة الاُخرى، وهذا یدعم ویقوّی الإحتمال الأوّل.

ثمّ انتقل لقمان إلى المسائل الأخلاقیة المرتبطة بالناس والنفس، فیوصی أوّلا بالتواضع والبشاشة وعدم التکبّر، فیقول: (ولا تصعّر خدّک للنّاس) أی لا تعرض بوجهک عن الناس (ولا تمش فی الأرض مرحاً إنّ الله لا یحبّ کلّ مختال فخور).

«تُصَعّر»: من مادّة (صعّر)، وهی فی الأصل مرض یصیب البعیر فیؤدّی إلى إعوجاج رقبته.

و «المرح»: یعنی الغرور والبطر الناشیء من النعمة.

و «المختال»: من مادّة (الخیال) و(الخیلاء)، وتعنی الشخص الذی یرى نفسه عظیماً وکبیراً، نتیجة سلسلة من التخیّلات والأوهام.

و «الفخور»: من مادّة (الفخر) ویعنی الشخص الذی یفتخر على الآخرین.

والفرق بین کلمتی المختال والفخور، أنّ الاُولى إشارة إلى التخیّلات الذهنیّة للکبر والعظمة، أمّا الثّانیة فهی تشیر إلى أعمال التکبّر الخارجی.

وعلى هذا، فإنّ لقمان الحکیم یشیر هنا إلى صفتین مذمومتین جدّاً وأساس توهین وقطع الروابط الاجتماعیة الصمیمیّة: إحداهما التکبّر وعدم الاهتمام بالآخرین، والاُخرى الغرور والعجب بالنفس، وهما مشترکتان من جهة دفع الإنسان إلى عالم من التوهّم والخیال ونظرة التفوّق على الآخرین، وإسقاطه فی هذه الهاویة، وبالتالی تقطعان علاقته بالآخرین وتعزلانه عنهم، خاصّة وأنّه بملاحظة الأصل اللغوی لـ «صعّر» سیتّضح أنّ مثل هذه الصفات مرض نفسی وأخلاقی، ونوع من الانحراف فی التشخیص والتفکیر، وإلاّ فإنّ الإنسان السالم من الناحیة الروحیة والنفسیة لا یبتلى مطلقاً بمثل هذه الظنون والتخیّلات.

ولا یخفى أنّ مراد لقمان لم یکن مسألة الإعراض عن الناس، أو المشی بغرور وحسب، بل المراد محاربة کلّ مظاهر التکبّر والغرور، ولمّا کانت هذه الصفات تظهر فی طلیعة الحرکات العادیّة الیومیّة، فإنّه وضع إصبعه على مثل هذه المظاهر الخاصّة.

ثمّ بیّن فی الآیة التالیة أمرین وسلوکین أخلاقیین إیجابیّین فی مقابل النهیین عن سلوکین سلبیین فی الآیة السابقة فیقول: إبتغ الإعتدال فی مشیک: (واقصد فی مشیک) وابتغ الإعتدال کذلک فی کلامک ولا ترفع صوتک عالیاً (واغضض من صوتک إنّ أنکر الأصوات لصوت الحمیر)(4).

إنّ هاتین الآیتین فی الحقیقة أمرتا بصفتین، ونهتا عن صفتین:

فالنهی عن «التکبّر» و«العجب»، فإنّ أحدهما یؤدّی إلى أن یتکبّر الإنسان على عباد الله، والآخر یؤدّی إلى أن یظنّ الإنسان أنّه فی مرتبة الکمال وأسمى من الآخرین، وبالتالی سیغلق أبواب التکامل بوجهه، وإن کان لا یقارن بینه وبین الآخرین.

وبالرغم من أنّ هاتین الصفتین مقترنتان غالباً، ولهما أصل مشترک، إلاّ أنّهما قد تفترقان أحیاناً.

أمّا الأمر بصفتین، فهما رعایة الإعتدال فی العمل والکلام، لأنّ التأکید على الإعتدال فی المشی أو إطلاق الصوت هو من باب المثال فی الحقیقة.

والحقّ أنّ الإنسان الذی یتّبع هذه النصائح الأربع موفّق وسعید وناجح فی الحیاة، ومحبوب بین الناس، وعزیز عند الله.

وممّا یستحقّ الإنتباه أنّ من الممکن أن نسمع أصواتاً أزعج من أصوات الحمیر فی محیط حیاتنا، کصوت سحب بعض القطع الفلزّیة إلى بعضها الآخر، حیث یحسّ الإنسان عند سماعه بأنّ لحمه یتساقط، إلاّ أنّ هذه الأصوات لا تمتلک صفة عامّة، إضافةً إلى وجود فرق بین المزعج والقبیح من الأصوات، والحقّ هو أنّ صوت الحمار أقبح من کلّ الأصوات العادیّة التی یسمعها الإنسان، وبه شُبّهت صرخات ونعرات المغرورین البله.

ولیس القبح من جهة إرتفاع الصوت وطریقته فحسب، بل من جهة کونه بلا سبب أحیاناً، لأنّ بعض المفسّرین یقولون: إنّ أصوات الحیوانات تعبّر غالباً عن حاجة، إلاّ أنّ هذا الحیوان یطلق صوته أحیاناً بدون مبرّر أو داع، وبدون أیّ حاجة أو مقدّمة! وربّما کان سبب ذلک ما ورد فی بعض الرّوایات من أنّ الحمار کلّما أطلق صوته فقد رأى شیطاناً.

وقال البعض: إنّ صراخ کلّ حیوان تسبیح إلاّ صوت الحمار!

وعلى کلّ حال، فإنّنا إذا تجاوزنا کلّ ذلک، فإنّ کون هذا الصوت قبیحاً من بین الأصوات لا یحتاج إلى بحث، وإذا رأینا فی الرّوایات المرویّة عن الإمام الصادق(علیه السلام)، والتی فسّرت هذه الآیة بالعطسة بصوت عال، أو الصراخ عند التکلّم والتحدّث، فإنّه فی الحقیقة مصداق واضح لذلک(5).


1. إحتمل البعض أنّ الضمیر أعلاه ضمیر الشأن والقصّة، أو یعود إلى مفهوم الشرک، وکلا الاحتمالین بعید.
2. یس، 12.
3. نور الثقلین، ج 4، ص 204.
4. (أنکر) أفعل تفضیل، ومع أنّه لا یأتی عادةً فی مورد المفعول، إلاّ أنّ هذه الصیغة وردت بصورة نادرة فی باب العیوب.
5. مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة لقمان / الآیة 16 ـ 19 1ـ آداب المشی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma