وهنا ینبغی الإنتباه إلى عدّة ملاحظات:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
السّراج المنیر!سورة الأحزاب / الآیة 49

لقد ذکر مقام «الشهادة»، وکون النّبی(صلى الله علیه وآله) شاهداً قبل جمیع صفاته الاُخرى، وذلک لأنّ هذا المقام لا یحتاج إلى مقدّمة سوى وجود النّبی ورسالته، فعندما یتمّ نصبه فی هذا المقام یکون شاهداً من جمیع الجهات التی ذکرناها سابقاً، غیر أنّ مقام «البشارة» و«الإنذار» أمر یتحقّق بعد ذلک.

إنّ الدعوة إلى الله سبحانه مرحلة تأتی بعد البشارة والإنذار، لأنّ البشارة والإنذار وسیلة لتهیئة الأفراد لقبول الحقّ، فعندما تتهیّأ هذه الأرضیة عن طریق الترغیب والترهیب، تبدأ مرحلة الدعوة إلى الله سبحانه، وستکون مؤثّرة فی هذه الحالة فقط.

مع أنّ کلّ أعمال النّبی(صلى الله علیه وآله) بإذن الله وأمره، إلاّ أنّ الدعوة هی الوحیدة التی قیّدت بإذن الله هنا، وذلک لأنّ أشقّ أعمال الأنبیاء وأهمّها هی الدعوة إلى الله سبحانه، حیث یجب علیهم أن یسوقوا الناس فی طریق یخالف میولهم وشهواتهم، فیجب أن تستبطن إذن الله وأمره ونصرته فی هذه المرحلة لیتمّ تنفیذها، ومن هنا یتّضح أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) لا یملک شیئاً من عند نفسه، بل کلّ ما یقوله بإذن الله(1).

إنّ کون النّبی(صلى الله علیه وآله) (سراجاً منیر) إشارة إلى المعجزات وأدلّة أحقّیة دعوة الرّسول، وعلامة صدقها، فهو سراج منیر شاهد بنفسه على نفسه، یزیح الظلمات ویلفت الأنظار ویجذب القلوب إلیه، فکما أنّ بزوغ الشمس دلیل على وجود الشمس، فکذلک وجوده (صلى الله علیه وآله)دلیل على کونه حقّاً، ودلیل على أحقّیته.

وممّا یستحقّ الإنتباه أنّ لفظة «السراج» قد وردت فی القرآن المجید أربع مرّات، ثلاث منها فی شأن الشمس، ومن جملتها ما ورد فی الآیة 16 من سورة نوح حیث تقول: (وجعل القمر فیهنّ نوراً وجعل الشمس سراج).

«السراج» فی الأصل یعنی المصباح الذی یضاء سابقاً بواسطة الفتیلة والزیت، وبواسطة الطاقة الکهربائیة وأمثالها فی العصر الحاضر، فینبعث ضیاؤه ونوره، إلاّ أنّه اُطلق ـ على قول الراغب فی مفرداته ـ على کلّ مصدر للنور فیما بعد، وإطلاقه على الشمس من أجل أنّ نورها ینبع من داخلها، ولا تکتسب نورها من مصدر آخر کالقمر.

إنّ وجود النّبی(صلى الله علیه وآله) کالشمس المنیرة التی تزیح ظلمات الجهل والشرک والکفر عن سماء روح البشر، لکن کما لا ینتفع العمی بنور الشمس، وکما تخفی الخفافیش أنفسها عنه حیث لا طاقة لعیونها برؤیة هذا النور، فإنّ عمی القلوب العنودین المتعصّبین لم یستفیدوا ولن یستفیدوا من هذا النور مطلقاً، وکان أبو جهل وأمثاله یضعون أصابعهم فی آذانهم حتى لا یسمعوا صوت قرآنه ونغمته.

إنّ الظلام یبعث على الخوف والوحشة دائماً، والنور یبعث الإطمئنان والراحة، فالسرّاق واللصوص یستغلّون ظلام اللیل للسطو على الدور ونهب ما یقدرون علیه، والحیوانات المفترسة تخرج من مخابئها فی ظلمة اللیل غالباً.

الظلام یسبّب الفرقة، والنور یسبّب الإجتماع، ولذلک فإنّنا إذا أسرجنا سراجاً فی لیلة مظلمة فستجتمع حوله أنواع الحشرات فی فترة قصیرة.

إنّ النور والضیاء أساس نمو الأشجار، ونضج الفواکه والأثمار، والخلاصة: کلّ نشاطات الحیاة، وتشبیه وجود النّبی(صلى الله علیه وآله) بمصدر للنور یبعث على تداعی کلّ هذه المفاهیم فی الذهن.

إنّ وجود النّبی(صلى الله علیه وآله) أساس الهدوء والإطمئنان، وفرار لصوص الدین والإیمان، وهرب الذئاب الضاریة الظالمة لمجتمعاتها، ویوجب هدوء الخاطر، ونمو روح الإیمان والأخلاق، والخلاصة: أساس الحیاة والحرکة، وتأریخ حیاته شاهد حی على هذا الموضوع.

وفی الآیتین الاُخریین من الآیات مورد البحث بیاناً لخمسة واجبات من واجبات النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) المهمّة بعد بیان صفاته الخمس، فتقول أوّلا: (وبشّر المؤمنین بأنّ لهم من الله فضلا کبیر) وهی إشارة إلى أنّ مسألة تبشیر النّبی(صلى الله علیه وآله) لایحدّ بالثواب الإلهی بمقدار أعمال المؤمنین الصالحة، بل إنّ الله سبحانه یفیض علیهم من فضله بحیث تضطرب المعادلة بین العمل والجزاء تماماً کما تشهد بذلک الآیات القرآنیة.

فتقول فی موضع: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثاله).(2)

وتقول فی موضع آخر: (مثل الذین ینفقون أموالهم فی سبیل الله کمثل حبّة أنبتت سبع سنابل فی کلّ سنبلة مائة حبّة والله یضاعف لمن یشاء).(3)

وقد تذهب أبعد من ذلک فتقول: (فلا تعلم نفس ما اُخفی لهم من قرّة أعین).(4)

وبهذا فإنّ أبعاد الفضل الإلهی الکبیر أوسع وأسمى ممّا یخطر فی التصوّر والأوهام.

ثمّ تناولت الواجب الثّانی والثالث، فقالت: (ولا تطع الکافرین والمنافقین).

لا شکّ أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) لم یطع الکافرین والمنافقین مطلقاً، إلاّ أنّ هذا الموضوع من الأهمیّة بمکان، ولذلک أکّدت الآیة على هذا الموضوع بالخصوص من باب التأکید على النّبی(صلى الله علیه وآله) والتحذیر والقدوة للآخرین، فهی تحذّرهم من الأخطار والعقبات المهمّة التی تعترض طریق القادة المخلصین، والتی تجرّهم إلى المساومة والتسلیم أثناء المسیرة، وتتهیّأ أرضیة هذا التسلیم عن طریق التهدید تارةً، وعن طریق منح الإمتیازات تارةً اُخرى، حتى أنّ الإنسان قد یشتبه أحیاناً فیظنّ أنّ الخضوع والإمتثال لمثل هذه المساومة والإستسلام هو طریق الوصول إلى الهدف. فی حین أنّ نتیجة هذا الإستسلام هی إجهاض کلّ الجهود والمساعی، وإحباط کلّ جهاد وکفاح.

إنّ تأریخ الإسلام یبیّن أنّ الکافرین والمنافقین سعوا مراراً إلى جرّ النّبی(صلى الله علیه وآله) إلى هذا الموضع، فاقترحوا مرّة أن لا یذکر الأصنام بسوء ولا ینتقدها وینتقصها، وقالوا مرّة اُخرى: ائذن لنا أن نعبد ربّک سنة، واعبد آلهتنا سنة، وکانوا یقولون أحیاناً: أمهلنا سنة نقیم فیها على دیننا ثمّ نؤمن بک، واقترحوا علیه مرّة أن أبعد عنک فقراء المؤمنین ومساکینهم لنضمّ صوتنا ـ نحن الأثریاء ذوی المکانة ـ إلیک، وکانوا یعلنون أحیاناً استعدادهم لبذل الإمتیازات المالیة والمرکز والمنصب الحسّاس، والنساء الجمیلات وأمثال ذلک.

من المسلّم أنّ کلّ هذه کانت شراک خطیرة فی طریق انتشار الإسلام السریع، واقتلاع جذور الکفر والنفاق، ولو کان النّبی(صلى الله علیه وآله) قد أظهر اللیونة والمیل إلى المساومة أمام واحد من هذه الإقتراحات فإنّ دعائم الثورة الإسلامیة کانت ستنهار، ولم تکن الجهود لتصل إلى نتیجة مطلقاً.

ثمّ تقول فی الأمر الرابع والخامس: (ودع أذاهم وتوکّل على الله وکفى بالله وکیل).

إنّ هذا الجزء من الآیة یوحی بأنّهم قد وضعوا النّبی(صلى الله علیه وآله) تحت ضغط شدید لحمله على الإستسلام، واستخدموا ضدّه وضدّ أصحابه کلّ أنواع الأذى، سواء کان عن طریق جرح اللسان والکلام الفاحش والإهانة، أم عن طریق الأذى الجسمی، أو عن طریق الحصار الإقتصادی. وکان لهذا الأذى صورة واُسلوباً فی مکّة، واُسلوباً آخر فی المدینة، لأنّ «الأذى» جاء مطلقاً فی الآیة ویشمل کلّ أنواع الأذى.

ویرى «الراغب» فی المفردات أنّ «الأذى» هو کلّ ضرر یصیب الکائن الحی، سواء فی روحه، أو جسمه، أو یصیب من یرتبط به، سواء فی الدنیا أو فی الآخرة.

وقد استعملت هذه الکلمة فی الآیات القرآنیة فی «الأذى اللسانی» تارةً کالآیة 61 من سورة التوبة، حیث تقول: (ومنهم الذین یؤذون النّبی ویقولون هو اُذن).

واستعملت أیضاً بمعنى «الأذى البدنی» فی آیات اُخرى، کالآیة 16 من سورة النساء: (والّذان یأتیانها منکم فآذوهم) أی یرتکبان الفاحشة، فأقیموا علیهما الحدّ الشرعی.

یقول التاریخ: إنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین الأوائل قد وقفوا کالجبل الأشمّ أمام أنواع الأذى، ولم یقبلوا عار الإستسلام والهزیمة قطّ، وأخیراً انتصروا فی حرکتهم.

وکان أساس هذه المقاومة ومعینها هو «التوکل على الله» والاعتماد على ذاته المقدّسة الله الذی تتیسّر کلّ الصعاب والمشاکل أمام إرادته... أجل یکفی الإنسان أن یکون معینه وناصره هذا الربّ الجلیل.

وممّا قلناه اتّضح أنّ محتوى الآیة المذکورة لم یکن نسخ لحکم الجهاد ـ کما یظنّ ذلک بعض المفسّرین ـ بل الظاهر أنّ هذه الآیات قد نزلت بعد مدّة من نزول حکم الجهاد، وهی فی مصافّ الحوادث المتعلّقة بسورة الأحزاب.

إنّ هذا حکم لکلّ العصور والقرون، بأن لا یصرف الأئمّة الإلهیون طاقاتهم الحیویة فی الإهتمام بتحرّشات مخالفیهم، فإنّهم إن فعلوا ذلک وصرفوا قواهم وطاقاتهم فی هذا المجال، یکون عدوّهم قد حقّق هدفه، لأنّه یرید أن یشغل فکر من یقابله، ویهدر طاقاته عن هذا الطریق... هنا یکون أمر (دع أذاهم) هو الحلّ الوحید.

وهنا أمر یستحقّ الإنتباه أیضاً، وهو: أنّ الأوامر الخمسة المذکورة، التی وردت فی الآیتین الأخیرتین، یکمل بعضها بعضاً، ویرتبط بعضها ببعض، فإنّ تبشیر المؤمنین لجذب القوى المؤمنة، وعدم الإستسلام للکفّار والمنافقین، وعدم الاهتمام بأذاهم، والتوکّل على الله تشکّل مجموعة مبادیء تؤدّی إلى الهدف، ودستور عمل جامع لکلّ سالکی طریق الحقّ.


1. یحتمل أیضاً أنّ قید (بإذنه) یعود إلى جمیع الأوصاف السابقة، إلاّ أنّ ظاهر الآیة هو أنّ الضمیر یعود إلى مسألة الدعوة إلى الله.
2. الأنعام، 160.
3. البقرة، 261.
4. السجدة، 17.
السّراج المنیر!سورة الأحزاب / الآیة 49
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma