طبقاً لما نقل بعض المفسّرین، أنّ الآیات الإحدى عشرة الاُولى من بدایة سورة العنکبوت نزلت فی المدینة فی شأن المسلمین الذین کانوا فی مکّة وغیر راغبین بالهجرة إلى المدینة... وکانوا قد تلقوا رسائل من إخوة لهم فی المدینة جاء فیها: «إن الله لا یقبل إقرارکم بالإیمان حتى تهاجروا إلى المدینة» فصمموا على الهجرة وخرجوا من مکّة، فتبعهم جماعة من المشرکین والتحموا بالقتال فقتل منهم جماعة وجرح آخرون «وربّما سلّم بعضهم نفسه ورجعوا إلى مکّة».
وقال بعضٌ: إنّ الآیة الثّانیة من هذه السورة فی شأن «عمار بن یاسر» وجماعة من المسلمین الأوائل، الذین آمنوا برسالة النّبی(صلى الله علیه وآله) ولاقوا صنوف التعذیب من الأعداء.
کما قال بعضهم: إنّ الآیة الثامنة نزلت فی إسلام «سعد بن أبی وقاص»!
غیر أنّ التدقیق فی الآیات یکشف عن أنّه لا دلیل على إرتباط الآیات مع هجرة اُولئک، سوى أنّ الآیات تبیّن الضغوط على المؤمنین فی ذلک الوقت من قبل أعدائهم وأحیاناً من الآباء المشرکین والاُمهات المشرکات ضدّ أبنائهم المؤمنین.
فهذه الآیات تشجّع المسلمین على الثبات والرجولة والإستقامة أمام أمواج الضغوط من قبل الاعداء.. وإذا ورد الحدیث فیها على الجهاد فالمراد منه ـ أیضاً ـ الجهاد فی هذا المجال، لا الجهاد المسلّح الذی تقوم به الجماعة، فذلک شُرّع فی المدینة.
وإذا ورد الحدیث عن المنافقین فی هذه الآیات، فلعلّه إشارة إلى المسلمین الضعاف فی
إیمانهم، الذی کان یتفق وجودهم بین المسلمین فی مکّة أحیاناً... فتارة هم مع المسلمین وتارة مع المشرکین، وکانوا یمیلون مع الکفة الراجحة منهما.
وعلى کل حال، فإرتباط الآیات بعضها ببعض وانسجامها توجب أن تکون هذه السورة «جمیعها» مکیة، وما ذکرناه من الرّوایات المتقدمة المتناقضة فی ما بینها، لا یمکن أن تقطع هذا الإرتباط!