إنّ واحداً من طرق إثبات إعجاز القرآن، هو الإخبار بالمغیبات، ومثله الواضح فی هذه الآیات ـ محل البحث ـ ففی عدّة آیات یخبر بأنواع التأکیدات عن إنتصار کبیر لجیش منهزم بعد بضع سنین.. ویعدّ ذلک وعداً إلهیّاً غیر مکذوب ولا یتخلف أبداً.
فمن جهة یتحدث مخبراً عن أصل الانتصار والغلب (وهم من بعد غلبهم سیغلبون).
ومن جهة یتحدث عن خبر لإنتصار آخر للمسلمین على الکفّار مقترناً لزمان الإنتصار الذی یتحقق للروم (ویومئذ یفرح المؤمنون * بنصر الله).
ومن جهة ثالثة یصرّح أنّ هذا الأمر سیقع خلال عدّة سنوات (فی بضع سنین).
ومن جهة رابعة یسجّل قطعیة هذا الوعد الإلهی بتأکیدین بالوعد (وعد الله لا یخلف الله وعده).
ویحدثنا التاریخ أنّه لم تمض تسع سنوات حتى تحققت هاتان الحادثتان... فقد انتصر
الروم فی حربهم الجدیدة على الفرس، واقترن زمان هذا الإنتصار بـ «صلح الحدیبیة» وطبقاً لروایة اُخرى أنّه کان مقارناً لمعرکة بدر، إذ حقق المسلمون إنتصاراً ملحوظاً على الکفّار.
والآن ینقدح هذا السؤال، وهو: هل یستطیع إنسان أن یخبر بعلم عادی بسیط، عن مثل هذه الحادثة المهمّة بضرس قاطع؟.. حتى لو فرضنا أنّ الأمر کان مع تکهّن سیاسی ـ ولم یکن ـ فینبغی أن یذکر هذا الأمر بقید «الاحتیاط» والاحتمال، لا بمثل هذه الصراحة والقطع، إذ لو ظهر خلافه لکان أحسن دلیل وسند على إبطال دعوى النبوّة بید الأعداء!.
والحقیقة هی أنّ مسائل من قبیل توقّع إنتصار دولة کبیرة کالروم، أو مسألة المباهلة، تدل بصورة جیدة على أنّ نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) کان قلبه متعلقاً بمکان آخر، وکان له سند قوی، وإلاّ فلا یمکن لأی أحد ـ فی مثل هذه الظروف ـ أن یجرؤ على مثل هذا الأمر!.
وخاصة، إنّ مطالعة سیرة النّبی(صلى الله علیه وآله) تکشف أنّه لم یکن إنساناً یتصید بالماء العکر، بل کانت أعماله محسوبة... فمثل هذا الإدعاء من مثل هذا الشخص یدل على أنّه کان یعتمد على ما وراء الطبیعة، وعلى وحی الله وعلمه المطلق.
وسنتحدث عن تطبیق هذا التنبؤ التاریخی فی القریب العاجل إن شاء الله.
