فما هی الحکمة؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
إحترام الوالدین:1ـ من هو لقمان؟

فی معرض الحدیث عن ماهیة الحکمة ینبغی القول: إنّهم قد ذکروا للحکمة معانی کثیرة، مثل: معرفة أسرار عالم الوجود، والإحاطة والعلم بحقائق القرآن، والوصول إلى الحقّ من جهة القول والعمل، ومعرفة الله.

إلاّ أنّ کلّ هذه المعانی یمکن جمعها فی تعریف واحد، فالحکمة التی یتحدّث عنها القرآن، والتی کان الله قد آتاها لقمان، کانت مجموعة من المعرفة والعلم، والأخلاق الطاهرة والتقوى ونور الهدایة.

وفی حدیث عن الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام)، أنّه قال لهشام بن الحکم فی تفسیر هذه الآیة: «إنّ الحکمة هی الفهم والعقل»(1).

وفی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة، أنّه قال: «اُوتی معرفة إمام زمانه»(2).

ومن الواضح أنّ کلاًّ من هذه المفاهیم یعتبر أحد فروع معنى الحکمة الواسع، ولا منافاة بینها.

وعلى کلّ حال، فإنّ لقمان بامتلاکه هذه الحکمة کان یشکر الله، فقد کان یعلم الهدف من وراء هذه النعم الإلهیّة، وکیفیّة استغلالها والاستفادة منها، وکان یضعها بدقّة وصواب کامل فی مکانها المناسب لتحقیق الهدف الذی خلقت من أجله، وهذه هی الحکمة، وهی وضع کلّ شیء فی موضعه، وبناءً على هذا فإنّ الشکر والحکمة یعودان إلى نقطة واحدة.

وقد اتّضحت نتیجة الشکر والکفران للنعم بصورة ضمنیة فی الآیة، وهی أنّ شکر النعمة سیکون من صالح الإنسان وفی منفعته، وأنّ کفران النعمة سیکون سبباً لضرره أیضاً، لأنّ الله سبحانه غنیّ عن العالمین، فلو أنّ کلّ الممکنات قد شکرته فلا یزید فی عظمته شیء، ولو أنّ کلّ الکائنات کفرت فلا ینقص من کبریائه شیء!

إنّ «اللام» فی جملة (أن اشکر لله) لام الاختصاص، و«اللام» فی (لنفسه) لام النفع، وبناءً على هذا، فإنّ نفع الشکر، والذی هو دوام النعمة وکثرتها، إضافة إلى ثواب الآخرة یعود على الإنسان نفسه، کما أنّ مضرّة الکفر تحیق به فقط.

والتعبیر بـ (غنیّ حمید) إشارة إلى أنّ شکر الناس للأفراد العادیین إمّا أن یؤدّی إلى النفع المادّی للمشکور، أو زیادة مکانة صاحبه فی أنظار الناس، إلاّ أنّ أیّاً من هذین الأمرین لا معنى له ولا مصداق فی حقّ الله تعالى، فإنّه غنیّ عن الجمیع، وهو أهل لحمد کلّ الحامدین وثنائهم، فالملائکة تحمده، وکلّ ذرّات الوجود والموجودات مشغولة بتسبیحه، وإذا ما نطق إنسان بالکفر فلیس له أدنى تأثیر، فحتّى ذرّات وجوده مشغولة بحمده وثنائه بلسان الحال!

وممّا یجدر ذکره أنّ الشکر قد ذکر بصیغة المضارع، والذی یدلّ على الاستمرار، أمّا الکفر فقد جاء بصیغة الماضی الذی یصدق حتى على المرّة الواحدة، وهذا إشارة إلى أنّ الکفران ولو لمرّة واحدة یمکن أن یؤدّی إلى عواقب وخیمة مؤلمة، أمّا الشکر فإنّه لازم، ویجب أن یکون مستمرّاً لیطوی الإنسان مسیره التکاملی.

وبعد تعریف لقمان ومقامه العلمی والحِکَمی، أشارت الآیة التالیة إلى اُولى مواعظه، وهی فی الوقت نفسه أهمّ وصایاه لولده، فقالت: (وإذ قال لقمان لابنه وهو یعظه یابنىّ لاتشرک بالله إنّ الشرک لظلم عظیم).

إنّ حکمة لقمان توجب علیه أن یتوجّه قبل کلّ شیء إلى أهمّ المسائل الأساسیة، وهی مسألة التوحید... التوحید فی کلّ المجالات والأبعاد، لأنّ کلّ حرکة هدّامة ضدّ التوجّه الإلهی تنبع من الشرک، من عبادة الدنیا والمنصب والهوى وأمثال ذلک، والذی یعتبر کلّ منها فرعاً من الشرک.

کما أنّ أساس کلّ الحرکات الصحیحة البنّاءة هو التوحید والتوجّه إلى الله، وإطاعة أوامره، والإبتعاد عن غیره، وکسر کلّ الأصنام فی ساحة کبریائه!

وممّا یستحقّ الإشارة أنّ لقمان الحکیم قد جعل علّة نفی الشرک هو أنّ الشرک ظلم عظیم، وقد اُحیط بالتأکید من عدّة جهات(3).

وأیّ ظلم أعظم منه، حیث جعلوا موجودات لا قیمة لها فی مصافّ الله ودرجته، هذا من جانب، ومن جانب آخر یجرّون الناس إلى الضلال والانحراف، ویظلمونهم بجنایاتهم وجرائمهم، وهم یظلمون أنفسهم أیضاً حیث ینزلونها من قمّة عزّة العبودیة لله ویهوون بها إلى منحدر ذلّة العبودیة لغیره.

والآیتان التالیتان جمل معترضة ذکرها الله تعالى فی طیّات مواعظ لقمان، لکنّ هذا الإعتراض لا یعنی عدم الإتّصال والإرتباط، بل یعنی الصلة الواضحة لکلام الله عزّوجلّ بکلام لقمان، لأنّ فی هاتین الآیتین بحثاً عن نعمة وجود الوالدین ومشاقّهما وخدماتهما وحقوقهما، وجعل شکر الوالدین فی درجة شکر الله.

إضافةً إلى أنّهما تعتبران تأکیداً على کون مواعظ لقمان لابنه خالصة، لأنّ الوالدین مع هذه العلاقة القویّة وخلوص النیّة لا یمکن أن یذکرا فی مواعظهما إلاّ ما فیه خیر وصلاح الولد، فتقول أوّلا: (ووصّینا الإنسان بوالدیه) وعندئذ تشیر إلى جهود ومتاعب الاُمّ العظیمة، فتقول: (حملته اُمّه وهناً على وهن)(4).

وهذه المسألة قد ثبتت من الناحیة العلمیة، إذ أوضحت التجارب أنّ الاُمّهات فی فترة الحمل یُصبن بالضعف والوهن، لأنّهنّ یصرفن خلاصة وجودهنّ فی تغذیة وتنمیة الجنین، ویقدّمن له من موادهنّ الحیاتیة أفضلها، ولذلک فإنّ الاُمّهات أثناء فترة الحمل یبتلین بنقص أنواع الفیتامینات وفی حالة عدم تعویض هذا النقص فسیؤدّی إلى آلام ومتاعب کثیرة.

وهذا الأمر یستمر حتى فی فترة الرضاعة، لأنّ اللبن عصارة وجود الاُمّ، ولهذا تضیف بعد ذلک فترة رضاعه سنتان (وفصاله فی عامین) کما اُشیر إلى ذلک فی موضع آخر من القرآن: (والوالدات یرضعن أولادهنّ حولین کاملین)(5)، والمراد فترة الرضاعة الکاملة، وإن کانت تتمّ أحیاناً بفترة أقلّ.

وعلى کلّ حال، فإنّ الاُمّ فی هذه الـ 33 شهراً ـ فترة الحمل، وفترة الرضاع ـ تبدی وتقدّم أعظم تضحیة لولدها، سواء کان من الجانب الروحی والعاطفی، أو الجسمی، أو من جهة الخدمات والرعایة.

والملفت للنظر هنا أنّها توصی فی البدایة بالوالدین معاً، إلاّ أنّها عند بیان المشاقّ والمتاعب تؤکّد على متاعب الاُمّ، لتنبّه الإنسان إلى إیثارها وتضحیاتها وحقّها العظیم.

ثمّ تقول: (أن اشکر لی ولوالدیک) فاشکرنی لأنّی خالقک والمنعم الأصلیّ علیک، ومنحتک مثل هذین الأبوین العطوفین الرحیمین، واشکر والدیک لأنّهما واسطة هذا الفیض وقد تحمّلا مسؤولیة إیصال نعمی إلیک، فما أجمل أن یجعل شکر الوالدین قرین شکر الله! وما أعمق مغزاه!

ویقول الله تعالى فی نهایة الآیة بنبرة لا تخلو من التهدید والعتاب: (إلیّ المصیر). نعم، فإنّک إذا قصّرت هنا فستحاسب على کلّ هذه الحقوق والمصاعب والخدمات بدقّة فیجب على الإنسان أن یؤدّی ما علیه من شکر مواهب الله، وکذلک شکر نعمة وجود الأبوین وعواطفهما الصادقة الطاهرة لینجح فی ذلک الحساب وتلک المحکمة.

وفی هذا المجال التفت بعض المفسّرین إلى مسألة لطیفة، وهی أنّه قد ورد التأکید على رعایة حقوق الأبوین مراراً فی القرآن المجید، إلاّ أنّ التوصیة بالأولاد تلاحظ قلیلا ـ ما عدا مورد النهی عن قتل الأولاد، والتی کانت عادةً مشؤومة قبیحة واستثنائیة فی عصر الجاهلیة ـ وذلک لأنّ الوالدین، وبحکم عواطفهما القویّة، قلّ ما یهملوا أولادهما بید النسیان، فی حین یلاحظ بکثرة أنّ الأولاد ینسون الأبوین، وخاصّة عند الکبر والعجز، وتعتبر هذه آلم وأشدّ حالة لهما، وأسوأ صور کفران النعمة بالنسبة للأولاد(6).

إنّ الوصیّة بالإحسان إلى الأبوین قد توجد الإشتباه والوهم عند البعض وذلک حینما یظنّ أنّه یجب مداراتهما واتّباعهما حتى فی مسألة العقیدة والکفر والإیمان، لکنّ الآیة التالیة تقول: (وإن جاهداک على أن تشرک بی ما لیس لک به علم فلا تطعهم) فیجب أن لا تکون علاقة الإنسان باُمّه وأبیه مقدّمة على علاقته بالله مطلقاً، وأن لا تکون عواطف القرابة حاکمة على عقیدته الدینیّة أبداً.

جملة (جاهداک) إشارة إلى أنّ الأبوین قد یظنّان أحیاناً أنّهما یریدان سعادة الولد، ویسعیان إلى جرّه إلى عقیدتهما المنحرفة والإیمان بها، وهذا یلاحظ لدى کلّ الآباء والاُمّهات.

إنّ واجب الأولاد أن لا یستسلموا أبداً أمام هذه الضغوط، ویجب أن یحافظوا على استقلالهم الفکری، ولا یساوموا على عقیدة التوحید، أو یبدّلوها بأیّ شیء.

ثمّ إنّ جملة (ما لیس لک به علم) تشیر ضمناً إلى أنّنا لو نتجاهل أدلّة بطلان الشرک، ولم نقم لها وزناً، فإنّه لا یوجد دلیل على إثباته، ولا یستطیع أیّ متعنّت إثبات الشرک بالدلیل.

وإذا تجاوزنا ذلک، فإنّ الشرک إن کانت له حقیقة، فینبغی أن یکون هناک دلیل على إثباته، ولمّا لم یکن هناک دلیل على إثباته، فإنّ هذا بنفسه دلیل على بطلانه.

ولمّا کان من الممکن أیضاً أن یوجد هذا الأمر توهّم وجوب استخدام الخشونة مع الوالدین المشرکین وعدم إحترامهما، ولذلک أضافت الآیة إنّ عدم طاعتهما فی مسألة الشرک لیس دلیلا على وجوب قطع العلاقة معهما، بل تأمره الآیة أن (وصاحبهما فی الدّنیا معروف).

فلاطفهما وأظهر المحبّة لهما فی الحیاة الدنیویّة والمعاشرة، ولا تستسلم لأفکارهما واقتراحاتهما من الناحیة العقائدیة والبرامج الدینیّة، وهذه بالضبط نقطة الإعتدال الأصلیّة التی تجمع فیها حقوق الله والوالدین، ولذا یضیف بعد ذلک (واتّبع سبیل من أناب إلیّ) لأنّ المصیر إلیه سبحانه (ثمّ إلیّ مرجعکم فاُنبّئکم بما کنتم تعملون).

إنّ سبب النفی والإثبات المتلاحق، والأوامر والنواهی المتتابعة فی الآیات أعلاه هو أن یجد المسلمون الخطّ الأصلی ویشخّصوه فی مثل هذه المسائل، حیث یبدو فی أوّل الأمر أنّ هناک تناقضاً فی أداء هذین الواجبین، فإن تفکّروا قلیلا فإنّ المسیر الصحیح سیکون نصب أعینهم، وسیسیرون فیه دون أدنى إفراط ولا تفریط، وهذه الدقّة واللطافة القرآنیة فی أمثال هذه الدقائق من صور فصاحة القرآن وبلاغته العمیقة.

وعلى کلّ حال، فإنّ الآیة أعلاه تشبه ما جاء فی الآیة 8 من سورة العنکبوت، حیث تقول: (ووصّینا الإنسان بوالدیه حسناً وإن جاهداک لتشرک بی ما لیس لک به علم فلا تطعهما إلیّ مرجعکم فاُنبّئکم بما کنتم تعملون) وقد أوردنا فی ذیل الآیة 8 من سورة العنکبوت سبب نزول لها ذُکر فی بعض التفاسیر.


1. اُصول الکافی، ج 1، ص 13. (کتاب العقل والجهل) ح 12.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 196.
3. إنّ کلاّ من (أن) و«اللام»، وکون الجملة إسمیة من أدوات التأکید.
4. إنّ جملة (وهناً على وهن) یمکن أن تکون حالا للاُمّ بتقدیر کلمة «ذات»، فکان تقدیرها (حملته اُمّه ذات وهن على وهن). واحتُمل أیضاً أن تکون مفعولا مطلقاً لفعل مقدّر من مادّة (وهن) فکان تقدیره: (تهن وهناً على وهن).
5. البقرة، 233.
6. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 6، ص 484.
إحترام الوالدین:1ـ من هو لقمان؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma