بعد البحوث السابقة حول ناشری الإشاعات والذین یؤذون النّبی، تصدر الآیة التالیة أمراً هو فی الحقیقة علاج لهذا المرض الإجتماعی الخطیر، فتقول: (یاأیّها الذین آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سدید).
«القول السدید» من مادّة (سد) أی المحکم المنیع الذی لا یعتریه الخلل، والموافق للحقّ والواقع، ویعنی القول الذی یقف کالسدّ المنیع أمام أمواج الفساد والباطل. وإذا ما فسّره بعض المفسّرین بالصواب، والبعض الآخر بکونه خالصاً من الکذب واللغو وخالیاً منه، أو تساوی الظاهر والباطن ووحدتهما، أو الصلاح والرشاد، وأمثال ذلک، فإنّها فی الواقع تفاسیر ترجع إلى المعنى الجامع أعلاه.
ثمّ تبیّن الآیة التالیة نتیجة القول السدید، فتقول: (یصلح لکم أعمالکم ویغفر لکم ذنوبکم).
إنّ التقوى فی الواقع هی دعامة إصلاح اللسان وأساسه، ومنبع قول الحقّ، والقول الحقّ أحد العوامل المؤثّرة فی إصلاح الأعمال، وإصلاح الأعمال سبب مغفرة الذنوب، وذلک لـ (إنّ الحسنات یذهبن السیّئات).(1)
یقول علماء الأخلاق: إنّ اللسان أکثر أعضاء البدن برکة، وأکثر الوسائل تأثیراً فی الطاعة والهدایة والصلاح، وهو فی الوقت نفسه یعدّ أخطر أعضاء البدن وأکثرها معصیة وذنباً، حتى أنّ ما یقرب من الثلاثین کبیرة تصدر من هذا العضو الصغیر(2).
وفی حدیث عن النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): «لا یستقیم إیمان عبد حتى یستقیم قلبه، ولا یستقیم قلبه حتى یستقیم لسانه»(3).
ومن الرائع جدّاً ما ورد فی حدیث آخر عن الإمام السجّاد(علیه السلام): «إنّ لسان ابن آدم یشرف کلّ یوم على جوارحه فیقول: کیف أصبحتم؟ فیقولون: بخیر إن ترکتنا. ویقولون: الله الله فینا، ویناشدونه ویقولون: إنّما نثاب بک ونعاقب بک»(4).
هناک روایات کثیرة فی هذا الباب تحکی جمیعاً عن الأهمیّة الفائقة للّسان ودوره فی إصلاح الأخلاق وتهذیب النفوس الإنسانیة، ولذلک نقرأ فی حدیث: «ما جلس رسول الله(صلى الله علیه وآله) على هذا المنبر قطّ إلاّ تلا هذه الآیة: (یاأیّها الذین آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سدید)(5).
ثمّ تضیف الآیة فی النهایة: (ومن یطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظیم) وأی فوز وظفر أسمى من أن تکون أعمال الإنسان صالحة، وذنوبه مغفورة، وهو عند الله من المبیضّة وجوههم الذین رضی الله عنهم؟!