عشر صفات لله سبحانه:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة لقمان / الآیة 25 ـ 30سورة لقمان / الآیة 31 ـ 32

بیّنت الآیات الستّة أعلاه مجموعة من صفات الله سبحانه، وهی عشر صفات رئیسیّة، أو عشرة أسماء من الأسماء الحسنى: الغنی، الحمید، العزیز، الحکیم، السمیع، البصیر، الخبیر، الحقّ، العلیّ، والکبیر.

هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ الآیة الاُولى تتحدّث عن «خالقیة» الله، والآیة الثّانیة عن «مالکیته» المطلقة، والثالثة عن «علمه» اللامتناهی، والآیة الرّابعة والخامسة عن «قدرته» اللامتناهیة، والآیة الأخیرة تخلص إلى هذه النتیجة، وهی أنّ الذی یمتلک هذه الصفات ویتمتّع بها هو الله تعالى، وکلّ ما دونه باطل أجوف حقیر.

مع ملاحظة هذا البحث الإجمالی نعود إلى شرح الآیات، فتقول الآیة الاُولى: (ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض لیقولنّ الله).

هذا التعبیر ـ والذی یلاحظ فی آیات القرآن الاُخرى، کالآیة 61 ـ 63 من سورة العنکبوت، والآیة 38 من الزمر، والآیة 9 من الزخرف ـ یدلّ من جهة على أنّ المشرکین لم یکونوا منکرین لتوحید الخالق مطلقاً، ولم یکونوا یستطیعون ادّعاء کون الأصنام خالقة، إنّما کانوا معتقدین بالشرک فی عبادة الأصنام وشفاعتها فقط، ومن جهة اُخرى یدلّ على کون التوحید فطریّاً وأنّ هذا النور کامن فی طینة وطبیعة کلّ البشر.

ثمّ تقول: إذا کان هؤلاء معترفین بتوحید الخالق فـ (قل الحمد لله بل أکثرهم لایعلمون).

ثمّ تتطرّق إلى «مالکیة» الله، لأنّه بعد ثبوت کونه خالقاً لا حاجة إلى دلیل على کونه مالکاً، فتقول: (لله ما فی السّماوات والأرض)، ومن البدیهی أنّ الخالق والمالک یکون مدبّراً لأمر العالم أیضاً، وبهذا تثبت أرکان التوحید الثلاثة، وهی: «توحید الخالقیة» و«توحید المالکیة» و«توحید الربوبیة». والذی یکون على هذا الحال فإنّه غنیّ عن کلّ شیء، وأهل لکلّ حمد وثناء، ولذلک تقول الآیة فی النهایة: (إنّ الله هو الغنی الحمید).

إنّه غنیّ على الإطلاق، وحمید من کلّ جهة، لأنّ کلّ موهبة فی هذا العالم تعود إلیه، وکلّ ما یملکه الإنسان فانّه صادر منه وخزائن کلّ الخیرات بیده، وهذا دلیل حیّ على غناه.

ولمّا کان «الحمد» بمعنى الثناء على العمل الحسن الذی یصدر عن المرء باختیاره، وکلّ حسن نراه فی هذا العالم فهو من الله سبحانه، فإنّ کلّ حمد وثناء منه، فحتّى إذا مدحنا جمال الزهور، ووصفنا جاذبیة العشق الملکوتی، وقدّرنا إیثار الشخص الکریم، فإنّنا فی الحقیقة نحمده، لأنّ هذا الجمال والجاذبیة والکرم منه أیضاً... إذن فهو حمید على الإطلاق.

ثمّ تجسّد الآیة التالیة علم الله اللامحدود من خلال ذکر مثال بلیغ جدّاً، وقبل ذلک نرى لزوم ذکر هذه المسألة، وهی ـ طبقاً لما جاء فی تفسیر علی بن إبراهیم: إنّ قوماً من الیهود عندما سألوا النّبی(صلى الله علیه وآله) حول مسألة الروح، وأجابهم القرآن بأن (قل الروح من أمر ربّی وما اُوتیتم من العلم إلاّ قلیل)(1) صعب هذا الکلام علیهم، وسألوا النّبی (صلى الله علیه وآله): هل أنّ هذا فی حقّنا فقط؟ فأجابهم النّبی(صلى الله علیه وآله): «بل الناس عامّة»، قالوا: فکیف یجتمع هذا یامحمّد؟! أتزعم أنّک لم تؤت من العلم إلاّ قلیلا، وقد اُوتیت القرآن واُوتینا التوراة، وقد قرأت: (ومن یؤت الحکمة ـ وهی التوراة ـ فقد اُوتی خیراً کثیر)(2) هنا نزلت الآیة (ولو أنّ ما فی الأرض من شجرة أقلام...) ـ الآیة مورد البحث ـ وأوضحت أنّ علم الإنسان مهما کان واسعاً فإنّه فی مقابل علم الله عزّوجلّ لیس إلاّ ذرّة تافهة، والذی یعدّ کثیراً فی نظرکم، هو قلیل جدّاً عند الله(3).

وقد بیّنا نظیر هذه الروایة عن طریق آخر فی ذیل الآیة 109 من سورة الکهف.

وعلى کلّ حال، فإنّ القرآن الکریم ولأجل تجسید علم الله اللامتناهی یقول: (ولو أنّما فی الأرض من شجرة أقلام والبحر یمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت کلمات الله إنّ الله عزیز حکیم).

«یمدّه» من مادّة (المداد) وهی بمعنى الحبر أو المادّة الملوّنة التی یکتبون بها، وهی فی الأصل من (مدّ) بمعنى الخطّ، لأنّ الخطوط تظهر على صفحة الورق بواسطة جرّ القلم.

ونقل بعض المفسّرین معنى آخر لها، وهو الزیت الذی یوضع فی السراج ویسبّب إنارة السراج، وکلا المعنیین فی الواقع یرجعان إلى أصل واحد.

«الکلمات» جمع «کلمة»، وهی فی الأصل الألفاظ التی یتحدّث ویتکلّم بها الإنسان، ثمّ اُطلقت على معنى أوسع، وهو کلّ شیء یمکنه أن یبیّن المراد والمطلب، ولمّا کانت مخلوقات هذا العالم المختلفة یبیّن کلّ منها ذات الله المقدّسة وعظمته، فقد أطلق على کلّ موجود (کلمة الله)، واستعمل هذا التعبیر خاصّة فی الموجودات الأشرف والأعظم، کما نقرأ فی شأن المسیح فی الآیة 171 من سورة النساء (إنّما المسیح عیسى بن مریم رسول الله وکلمته) ثمّ استعملت کلمات الله بمعنى علم الله لهذه المناسبة.

والآن یجب أن نفکّر بدقّة وبشکل صحیح بأنّه قد یکفی أحیاناً قلم واحد مع مقدار من الحبر لکتابة کلّ المعلومات التی تتعلّق بإنسان ما، بل قد یکون من الممکن أن یسجّل أفراد آخرون مجموعة معلوماتهم على الأوراق بنفس ذلک القلم، إلاّ أنّ القرآن یقول: لو أنّ کلّ الأشجار الموجودة على سطح الأرض تصبح أقلاماً وجمیع البحار تصبح حبراً ما نفذت العلوم الإلهیّة ـ ومعلوم أنّه قد تصنع من شجرة ضخمة، من ساقها وأغصانها، آلاف، بل ملایین الأقلام، ومع الأخذ بنظر الاعتبار المقدار العظیم للأشجار الموجودة فی الأرض، والغابات التی تغطّی الکثیر من الجبال والسهول، وعدد الأقلام الذی سینتج منها.

وکذلک لو کانت کلّ البحار والمحیطات الموجودة، والتی تشکّل ثلاثة أرباع الکرة الأرضیّة تقریباً، بذلک العمق الساحق، تصبح حبراً، عند ذلک یتّضح عظمة ما سیکتب، وکم من العلوم یمکن کتابتها بهذا المقدار من الأقلام والحبر! سیّما مع ملاحظة مضاعفة ذلک بإضافة سبعة أبحر اُخرى، وکلّ واحد منها یعادل کلّ محیطات الأرض، وبالأخصّ إذا علمنا أنّ عدد السبعة هنا لا یعنی العدد، بل للکثرة والإشارة إلى البحار التی لا عدّ لها، فعند ذلک ستّتضح سعة علم الله عزّوجلّ وترامی أطرافه ـ ومع ذلک فإنّ کلّ هذه الأقلام والمحابر تنتهی ولکنّ علومه سبحانه لا تعرف النهایة.

هل یوجد تجسید وتصویر للاّنهایة أروع وأبلغ وأجمل من هذا التجسید؟ إنّ هذا العدد حیّ وناطق إلى الحدّ الذی یصطحب معه أمواج فکر الإنسان إلى الآفاق اللامحدودة، ویغرقها فی الحیرة والهیبة والجلال.

إنّ الإنسان یشعر مع هذا البیان البلیغ الواضح أنّ معلوماته مقابل علم الله کالصفر مقابل اللانهایة، ویلیق به أن یقول فقط: إنّ علمی قد أوصلنی إلى أن أطّلع على جهلی، فحتّى التشبیه بالقطرة من البحر لتبیان هذه الحقیقة لا یبدو صحیحاً.

ومن جملة المسائل اللطیفة التی تلاحظ فی الآیة: أنّ الشجرة قد وردت بصیغة المفرد، والأقلام قد وردت بصیغة الجمع، وهذا تبیان لعدد الأقلام الکثیرة التی تنتج من شجرة واحدة بساقها وأغصانها.

وکذلک التعبیر بـ (البحر) بصیغة المفرد مع (الف ولام) الجنس لیشمل کلّ البحار والمحیطات على وجه الأرض، خاصّة وأنّ کلّ بحار العالم ومحیطاته متّصلة ببعضها، وهی فی الواقع بحکم بحر واسع.

والطریف فی الأمر أنّه لا یتحدّث فی مورد الأقلام عن أقلام إضافیة ومساعدة، أمّا فیما یتعلّق بالبحار فإنّه یتحدّث عن سبعة أبحر اُخرى، لأنّ القلم یستهلک قلیلا أثناء الکتابة، والذی یستهلک أکثر هو الحبر.

إنتخاب کلمة (سبع) للکثرة فی لغة العرب، ربّما کان بسبب أنّ السابقین کانوا یعتقدون أنّ عدد کواکب المنظومة الشمسیة سبعة کواکب ـ وفی أنّ ما یرى الیوم بالعین المجرّدة من المنظومة الشمسیة سبعة کواکب لا أکثر ـ ومع ملاحظة أنّ الأسبوع دورة زمانیة کاملة

تتکوّن من سبعة أیّام لا أکثر، وأنّهم کانوا یقسّمون کلّ الکرة الأرضیة إلى سبع مناطق، وکانوا قد وضعوا لها اسم الأقالیم السبعة، سیتّضح لماذا انتخب عدد السبعة کعدد کامل من بین الأعداد، واستعمل لبیان الکثرة(4).

بعد ذکر علم الله اللامحدود، تتحدّث الآیة الاُخرى عن قدرته اللامتناهیة، فتقول: (ما خلقکم ولا بعثکم إلاّ کنفس واحدة إنّ الله سمیع بصیر).

قال بعض المفسّرین: إنّ جمعاً من کفّار قریش کانوا یقولون من باب التعجّب والإستبعاد لمسألة المعاد: إنّ الله قد خلقنا بأشکال مختلفة، وعلى مدى مراحل مختلفة، فکنّا یوماً نطفة، وبعدها صرنا علقة، وبعدها صرنا مضغة، ثمّ أصبحنا تدریجیّاً على هیئات وصور مختلفة، فکیف یخلقنا الله جمیعاً خلقاً جدیداً فی ساعة واحدة؟! فنزلت الآیة مورد البحث فأجابتهم.

إنّ هؤلاء کانوا غافلین فی الحقیقة عن مسألة مهمّة، وهی أنّ هذه المفاهیم کالصعوبة والسهولة، والصغیر والکبیر یمکن تصوّرها من قبل موجودات لها قدرة محدودة کقدرتنا، إلاّ أنّها أمام قدرة الله اللامتناهیة تکون متساویة، فلا یختلف خلق إنسان واحد عن خلق جمیع البشر مطلقاً، وخلق موجود ما فی لحظة واحدة أو على مدى سنین طوال بالنسبة إلى قدرته المطلقة.

وإذا کان تعجّب کفّار قریش من أنّه کیف یمکن فصل الأجساد عن بعضها وإرجاع کلّ منها إلى محلّه بعد أن کانت الطبائع مختلفة، والأشکال متغایرة، والشخصیات متنوّعة، وذلک بعد أن تحوّل بدن الإنسان إلى تراب وتطایرت ذرّات ذلک التراب؟! فإنّ علم الله اللامتناهی، وقدرته اللامحدودة تجیبهم عن سؤالهم، فإنّه قد جعل بین الموجودات روابط وعلاقات بحیث إنّ الواحد منها کالمجموعة، والمجموعة کالواحد.

وأساساً فانّ انسجام وترابط هذا العالم بشکل ترجع کلّ کثرة فیه إلى الوحدة، وخلقة مجموع البشر تتّبع خلقة إنسان واحد.

وإذا کان تعجّب هؤلاء من قصر الزمان، بأنّه کیف یمکن أن تطوى المراحل التی یطویها الإنسان خلال سنین طوال من کونه نطفة إلى مرحلة الشباب، فی لحظات قصیرة؟! فإنّ قدرة الله تجیب على هذا التساؤل أیضاً، فإنّنا نرى فی عالم الأحیاء أنّ أطفال الإنسان یحتاجون لمدّة طویلة لیتعلّموا المشی بصورة جیّدة، أو یصبحوا قادرین على الاستفادة من کلّ أنواع الأغذیة، فی حین أنّنا نرى الفراخ بمجرّد أن تخرج من البیضة تنهض وتسیر، وتأکل دونما حاجة حتى للاُمّ، وهذه الظاهرة تبیّن أنّ هذه الاُمور لا تعنی شیئاً أمام قدرة الله عزّوجلّ.

إنّ ذکر کون الله «سمیعاً وبصیراً» فی نهایة الآیة قد یکون جواباً عن إشکال آخر من جانب المشرکین، وهو على فرض أنّ جمیع البشر على اختلاف خلقتهم، وبکلّ خصوصیاتهم یبعثون ویحیون فی ساعة واحدة، لکن کیف ستخضع أعمالهم وکلامهم للحساب، فإنّ الأعمال والأقوال اُمور تفنى بعد الوجود؟!

فیجیب القرآن بأنّ الله سمیع وبصیر، قد سمع کلّ کلامهم، ورأى کلّ أعمالهم، علاوة على أنّ الفناء المطلق لا معنى ولا وجود له فی هذا العالم، بل إنّ أعمالهم وأقوالهم موجودة دائماً.

وإذا تجاوزنا ذلک فإنّ الجملة أعلاه تهدید لهؤلاء المعاندین، بأنّ الله سبحانه مطّلع على أقوالکم ومؤامراتکم، بل وحتى على ما فی قلوبکم وضمائرکم.

الآیة التالیة تأکید وبیان آخر لقدرة الله الواسعة، وقد وجّهت الخطاب إلى النّبی(صلى الله علیه وآله)فقالت: (ألم تر أنّ الله یولج اللیل فی النهار ویولج النهار فی اللیلو سخّرالشمس والقمر) لخدمة الناس وتأمین احتیاجاتهم (کلّ یجری إلى لأجل مسمّى وأنّ الله بما تعملون خبیر).

«الولوج» فی الأصل بمعنى «الدخول»، ودخول اللیل فی النهار والنهار فی اللیل قد یکون إشارة إلى طول وقصر اللیل والنهار التدریجی على مدار السنة، حیث ینقص شیء من أحدهما تدریجیّاً، ویضاف على الآخر بصورة غیر محسوسة، لتتکوّن الفصول الأربعة للسنة بخصائصها وآثارها المبارکة، (ولیست هناک إلاّ نقطتان على سطح الأرض لا یوجد فیهما هذا التغییر التدریجی والفصول الأربعة: إحداهما: النقطة الحقیقیّة للقطب الشمالی والجنوبی حیث یکون اللیل هناک ستّة أشهر، والنهار ستّة أشهر طوال السنة، والاُخرى خطّ الإستواء الدقیق حیث یتساوى لیله ونهاره کلّ السنة).

أو إشارة إلى أنّ تبدیل اللیل بالنهار والنهار باللیل لوجود الغلاف الجوّی لا یحدث بصورة مفاجئة فیتعرّض الإنسان وکلّ الموجودات الحیّة للأخطار المختلفة حینئذ، بل إنّ أشعّة الشمس تتوغّل من حیث طلوع الفجر فی أعماق الظلام أوّلا، ثمّ یتّسع ویزداد ضوء

النهار حتى یعمّ کلّ أرجاء السماء، وعلى العکس تماماً ممّا یحدث عند انتهاء النهار ودخول اللیل.

وهذا الإنتقال التدریجی والمنظّم بدقّة متناهیة من مظاهر قدرة الله تعالى.

ومن الطبیعی أنّ هذین التّفسیرین لا یتنافیان، ویمکن أن یجتمعا فی معنى الآیة وتفسیرها.

أمّا فی مورد تسخیر الشمس والقمر وسائر الکواکب السماویة للبشر، فإنّ المراد ـ وکما قلنا سابقاً أیضاً ـ تسخیرها فی سبیل خدمة الإنسان، وبتعبیر آخر فإنّ اللام فی (سخّر لکم) لام النفع لا الاختصاص، وقد ورد هذا التعبیر فی القرآن المجید فی شأن الشمس والقمر، واللیل والنهار، والأنهار والبحار والسفن، وکلّ هذه مبیّنة لعظمة شخصیّة الإنسان، وسعة نعم الله علیه حیث إنّ کلّ الموجودات الأرضیة والسماویة مسخّرة ومطیعة له بأمر الله تعالى، ومع کلّ هذا التسخیر فلیس من الإنصاف أن یعصی الله سبحانه ولا یطیع أوامره(5).

وجملة (کلّ یجری لأجل مسمّى) إشارة إلى أنّ هذا النظام الدقیق لا یستمرّ إلى الأبد، بل إنّ له نهایة بانتهاء الدنیا، وهو ما ذکر فی سورة التکویر: (إذا الشمس کوّرت * وإذا النجوم انکدرت...).(6)

إنّ ارتباط جملة (أنّ الله بما تعملون خبیر) بهذا البحث سیتّضح بملاحظة ما قلناه آنفاً، لأنّ الله الذی جعل الشمس والقمر العظیمین خاضعین لنظام دقیق، وعاقب بین اللیل والنهار بذلک النظام الخاصّ آلاف وملایین السنین، کیف یمکن أن تخفى علیه أعمال البشر؟ نعم... إنّه یعلم الأعمال، وکذلک یعلم النیّات والأفکار.

وتقول الآیة الأخیرة، کاستخلاص نتیجة جامعة کلیّة (ذلک بأنّ الله هو الحقّ وأنّ ما یدعون من دونه الباطل وأنّ الله هو العلیّ الکبیر)(7).

إنّ مجموع البحوث التی وردت فی الآیات السابقة حول کون الله خالقاً ومالکاً، وعن علمه وقدرته اللامتناهیین، أثبتت هذه الاُمور، وأنّ الحقّ هو الله وحده، وکلّ شیء غیره زائل وباطل ومحدود ومحتاج، والعلی والکبیر الذی یسمو على کلّ شیء، ویجلّ عن کلّ وصف، هو ذاته المقدّسة، وعلى قول الشاعر:

ألا کلّ شیء ما خلا الله باطل *** وکلّ نعیم لا محالة زائل(8)

ویمکن إیضاح هذا الکلام بالتعبیر الفلسفی کما یلی:

إنّ الحقّ إشارة إلى الوجود الحقیقی الثابت، وفی هذا العالم فإنّ الوجود الحقیقی القائم بذاته والثابت المستقرّ الخالد هو الله فقط، وکلّ ما عداه لا وجود له بذاته وهو عین البطلان، حیث إنّه یستمدّ وجوده عن طریق الإرتباط بذلک الوجود الحقّ الدائم، فإذا انقطع الفیض عنه لحظة فإنّه سیفنى ویُمحى فی ظلمات الفناء والعدم، وبهذا فإنّه کلّما قوی ارتباط الموجودات الاُخرى بوجود الله تعالى فإنّها تکتسب بتلک النسبة حقّاً أکبر.

وعلى کلّ حال، وکما قلنا سابقاً، فإنّ هذه الآیات مجموعة من عشر صفات من صفات الله تعالى، وعشرة أسماء من أسمائه، وتشتمل على أدلّة قویّة ـ لا یمکن إنکارها ـ وعلى بطلان کلّ أنواع الشرک، ولزوم التوحید فی کلّ مراحل العبودیة.


1. الاسراء، 85.
2. البقرة، 269.
3. تفسیر البرهان، ج 3، ص 279.
4. تحدّثنا حول (علم الله المطلق) فی ذیل الآیة 109 من سورة الکهف.
5. کان لنا بحث مفصّل حول تسخیر الشمس والقمر والموجودات الاُخرى للإنسان فی ذیل الآیة 2 من سورة الرعد، والآیة 32 من سورة إبراهیم.
6. التکویر، 1 و2.
7. «الباء» فی (بأنّ الله هو الحقّ) بالرغم من أنّها تبدو فی بادىء الأمر سببیة، وربّما اعتبر بعض المفسّرین کالآلوسی فی روح المعانی مضمون هذه الآیة سبباً للمطالب السابقة، إلاّ أنّ سیاق الآیات وذکر الصفات السابقة ـ أی الخالقیة والمالکیة والعلم والقدرة وعلاماتها فی عالم الخلقة ـ ظاهر فی أنّها جمیعاً کانت شاهدة على هذه النتیجة، وبناءً على هذا، فإنّ محتوى هذه الآیة نتیجة للآیات السابقة لا سبباً لها.
8. بحارالانوار، ج 22، ص 267.
سورة لقمان / الآیة 25 ـ 30سورة لقمان / الآیة 31 ـ 32
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma