أساس الفساد ومصدره أعمال الناس أنفسهم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الروم / الآیة 41 ـ 45 1ـ العلاقة بین الذنب والفساد

کان الکلام فی الآیات االسابقة عن الشرک، ونعلم أنّ أساس جمیع المفاسد هو الغفلة عن أصل التوحید والتوجه نحو الشرک، لذلک فإنّ القرآن ـ فی هذه الآیات محل البحث ـ یتحدث عن ظهور الفساد فی الأرض بسبب أعمال الناس أنفسهم، فیقول: (ظهر الفساد فی البر والبحر بما کسبت أیدی الناس ).

والله یرید أن یریهم ما قدموه و(لیذیقهم بعض الذی عملوا لعلهم یرجعون ).

والآیة الآنفة الذکر تبیّن المعنى الواسع حول إرتباط الفساد بالذنب، الذی  لا یختصّ بأرض «مکّة» والحجاز، ولا بعصر النّبی(صلى الله علیه وآله)، بل هو من قبیل القضیة الحقیقیة التی تبیّن العلاقة بین الموضوع والمحمول!

وبعبارة اُخرى: حیثما ظهر الفساد فهو انعکاس لأعمال الناس وفیه ـ ضمناً ـ هدف تربوی، لیذوق الناس «طعم العلقم» نتیجة أعمالهم، لعلهم ینتهون ویثوبون إلى رشدهم!

ویقول بعضهم: إنّ هذه الآیة ناظرة إلى القحط و«الجدب» الذی أصاب المشرکین بسبب

دعاء النّبی(صلى الله علیه وآله) على مشرکی مکّة!... فانقطعت المُزن ویبست الصحاری، وصار من الصعب علیهم الصید من البحر الأحمر أیضاً.

وعلى فرض أن یکون هذا الکلام صحیحاً تاریخیاً، إلاّ أنّه بیان لأحد المصادیق ولا یحدد معنى الآیة فی مسألة إرتباط الفساد بالذنب، فهی لیست محدّدة بذلک الزمان والمکان، ولا بالجدب وانقطاع «الغیث».

وممّا ذکرناه آنفاً یتّضح جیداً أنّ کثیراً من التّفاسیر المحدودة والضیقة التی نقلها بعض المفسّرین فی ذیل الآیة غیر مقبولة بأی وجه.

کما فسّروا الفساد فی الأرض بأنّه قتل «هابیل» على ید «قابیل»، أو أنّ المراد بالفساد فی البحر هو غصب السفن فی عصر موسى، والخضر(علیهم السلام).

أو أنّ المراد من الفساد فی البر والبحر هو ظهور الحکّام المتسلطین الفاسدین الذین یشیعون الفساد فی جمیع هذه المناطق!.

وبالطبع فإنّ الممکن أن تکون مصادیق الآیة مثل هؤلاء الأفراد الذین یتسلطون على الناس نتیجة الدنیا والمجاملة وجرّ الناس للذل، ولکن من المسلّم به أنّ هذا المصداق لا یعنی تخصیص مفهوم الآیة!.

کما أنّ جماعة من المفسّرین بحثوا فی معنى الفساد فی البحر أیضاً، فقال بعضهم: المراد بالبحر هو المدن التی إلى جانب البحر، وقال بعضهم: إنّ المراد بالبحر هو «المناطق المخصبة ذات البساتین والأثمار».

ولا نجد دلیلا على هذه التمحّلات، لأنّ البحر معناه معروف، والفساد فیه لعله قلّة المواهب البحریة، أو عدم الأمن فیه، أو الحروب البحریة.

ونقرأ حدیثاً عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی هذا الصدد «حیاة دواب البحر بالمطر، فإذا کفّ المطر ظهر الفساد فی البحر والبرّ، وذلک إذا کثرت الذنوب والمعاصی»(1).

وبالطبع فإنّ ما ورد فی هذه الروایة هو مصداق واضح للفساد وما ورد فی شأن نزول المطر «وحیاة دواب البحر به» فهو موضوع دقیق، تؤکّد علیه التجربة، فکلما قلّ ماء السماء «المطر» قل السمک فی البحر، حتى أنّنا سمعنا ممن یقطنون ساحل البحر یقولون: إن فائدة الغیث للبحر أکثر من فائدته للصحراء!.

وفی الآیة التالیة یأمر الله الناس بالسیر فی الأرض لیروا شواهد کثیرة «حیّة» من مسألة ظهور الفساد فی الأرض بسبب المعاصی والذنوب من قبل الناس. ویوصی نبیّه(صلى الله علیه وآله)أن یأمرهم بذلک، فیقول: (قل سیروا فی الأرض فانظروا کیف کان عاقبة الذین من قبل ).

انظروا قصور «الظالمین» المتهدمة، وأبراجها المتداعیة والخزائن المطموسة، وجماعاتهم المتفرقة، ثمّ انظروا إلى قبورهم المدروسة وعظامهم النخرة!

وانظروا عاقبة أمر الظلم والشرک وما آلا إلیه.

أجل (کان أکثرهم مشرکین ).

والشرک أساس الفساد والانحراف والضلال!

ممّا یستلفت الإنتباه، أنّه حین کان الکلام فی الآیات السابقة عن نعم الله، کانت بدایته حول خلق الإنسان ثمّ رزقه من قبل الله (الله الذی خلقکم ثمّ رزقکم ) إلاّ أن الکلام فی الآیات محل البحث التی تتحدث عن العقاب یبدأ الکلام فیها أوّلا بالإشارة إلى زوال النعم على أثر المعاصی والذنوب، ثمّ الهلاک على أثر الشرک، لأنّه عند الهبة والعطاء «أوّل الأمر یذکر الخلق ثمّ الرزق».. وعند الإسترجاع، «فأوّل الأمر زوال النعمة ثمّ الهلاک».

والتعبیر ب (کان أکثرهم مشرکین ) مع الإلتفات إلى أنّ هذه السورة مکّیة وکان المسلمون فی ذلک الوقت قلّة، فلعل ذلک إشارة إلى أن لا تخافوا من کثرة المشرکین، لأنّ الله أهلک من قبلهم من هو أشدّ منهم، واکثر جمعاً، وهو فی الوقت ذاته إنذار للطغاة لیسیروا فی الأرض فینظروا بأم أعینهم عاقبة الظالمین من قبلهم!.

وحیث إنّ التصور والوعی والإنتباه، ثمّ العودة والإنابة إلى الله، کل ذلک  لا یکون ـ دائماً ـ مفیداً ومؤثراً، ففی الآیة التالیة یوجه القرآن الخطاب  للنبیّ الأکرم(صلى الله علیه وآله) قائلاً: (فأقم وجهک للدّین القیّم من قبل أن یأتی یوم لا مردّ له من الله یومئذ یصّدّعون )(2) أی یتفرقون «فریق فی الجنّة وفریق فی السعیر».

ووصف الدین بأنه «قیّم» مع ملاحظة أن «القیّم معناه الثابت والقائم» هو إشارة إلى أنّ هذا التوجه المستمر «أو الإقامة» هی للدین.. أی لأنّ الإسلام دین ثابت ومستقیم وذو نظام قائم فی الحیاة المادیة والمعنویة للناس، فلا تمل عنه أبداً، بل أقم وجهک للدین القیم!

وإنّما وجه الخطاب للنبیّ(صلى الله علیه وآله) لیعرف الآخرون واجبهم ووظیفتهم أیضاً.

والتعبیر بـ «یصدعون» من مادة «صدع» معناه فی الأصل: کسر الإناء، ثمّ انتقل بالتدریج إلى أی نوع من أنواع التفرق والتشتت. وهنا إشارة إلى انفصال صفوف أهل الجنان عن صفوف أهل النیران، وکل من هذه الصفوف یتفرق إلى عدة صفوف، وذلک لسلسلة المراتب فی الجنان، ودرکات النیران «والعیاذ بالله».

والآیة التالیة ـ بیان لهذا الإنفصال فی یوم القیامة، إذ تقول: (من کفر فعلیه کفرُه ومن عمل صالحاً فلأنفسهم یمهدون ).

کلمة «یمهدون» مشتقّة من «المهد» على زنة «عهد» وکما یقول الراغب فی مفرداته فإنّ معناه السریر المعدّ للطفل، ثمّ توسعوا فی المعنى فصار المهد والمهاد لکل مکان مهیأ ومعد «وفیه منتهى الدعة والراحة» وقد انتخب هذا التعبیر لأهل الجنّة والمؤمنین الصالحین، من هذه الجهة.

والخلاصة: لا تحسبوا أنّ إیمانکم وکفرکم وأعمالکم الصالحة والطالحة لها أثر على الله، بل أنتم الذین تفرحون بها أو تساءون (یوم ترونه ).

ومن الطریف أنّ القرآن اکتفى فی شأن الکفّار بالتعبیر بـ (من کفر فعلیه کفره ) ولکن بالنسبة للمؤمنین تضیف الآیة التالیة: أنّ المؤمنین لا یرون أعمالهم فحسب، بل یولیهم الله من مواهبه وفضله فیقول: (لیجزی الذین آمنوا وعملوا الصالحات من فضله ).

ومن المسلّم به أنّ هذا الفضل لا یشمل الکفّار إذ (إنّه لا یحب الکافرین )... ولا شک أنّ الله یعاملهم وفق عدالته، ویجزیهم ما یستحقون، لا أکثر، لکن لاینالهم منه فضل وموهبة أیضاً.


1. تفسیر على بن ابراهیم، طبقاً لنقل تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 190.
2. کلمة (مردّ ) فی جملة (لا مرد له من الله ) مصدر میمی وهو هنا بمعنى اسم الفاعل فیکون معنى الجملة: لا رادّ له من الله. والضمیر فی «له» یعود إلى «یوم» ویکون المفهوم العام للجملة. لا یستطیع أی کان أن یعید ذلک الیوم من الله، أی یقف بوجه القضاء والمحاکمة بتأخیر ذلک الیوم و«تعطیله». والخلاصة: إنّه لا یخلف الله وعده لیعید ذلک الیوم، ولیس لأحد سواه القدرة على ذلک; فوقوع ذلک الیوم لابدّ منه وهو یوم محتوم» (فلاحظوا بدقة).
سورة الروم / الآیة 41 ـ 45 1ـ العلاقة بین الذنب والفساد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma