قد یقال: إنّ هذه الآیة تتناقض مع ما مرّ فی الآیات السابقة، فهی تقول هنا: إنّ أنبیاء الله لا یخشون إلاّ الله، ولا یخشون أحداً غیره، إلاّ أنّه قد ورد فی الآیات السابقة: (وتخفى فی نفسک ما الله مبدیه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه)(1)؟

إلاّ أنّ الإجابة على هذا السؤال تتّضح بتأمّل النقطتین التالیتین:

الاُولى: أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) إنّما کان خائفاً من عدم تحمّل عدد کبیر من الناس لنقض هذه السنّة، ومن عدم استیعابهم للمسألة، وبذلک ستتزعزع اُسس إیمانهم من هذه الجهة، ومثل هذه الخشیة ترجع فی الحقیقة إلى خشیة الله سبحانه.

والاُخرى: أنّ الأنبیاء لا یعیشون حالة الخوف والقلق من شخص ما فی تبلیغهم رسالات الله، أمّا فی ما یتعلّق باُمور الحیاة الشخصیة والخاصّة فلا مانع من أن یخافوا من أمر خطیر کاتّهام وطعن الناس، أو أن یکونوا کموسى(علیه السلام) إذ خاف ـ حسب الطبیعة البشریة ـ عندما ألقى العصا وتحوّلت إلى ثعبان عظیم، فإنّ مثل هذا الخوف والإضطراب إذا لم یکن مفرطاً لا یعدّ عیباً ونقصاً، بل قد یواجه هذه المسألة أشجع الناس أحیاناً، إنّما العیب والنقص هو الخوف من أداء التکلیف الإلهی فی الحیاة الاجتماعیة.

1. الاحزاب، 37.