إنّ المسؤولیات تکون متقابلة دائماً، فکما أنّ على المضیف واجبات تجاه الضیف، فکذلک توجد على الضیف واجبات ینبغی أن یراعیها.
فعلاوة على ما ذکر فی الأحادیث السابقة، فإنّ على الضیف أن ینفّذ ما یطلبه منه صاحب البیت ویقترحه علیه فی شأن منزله، فإذا طلب منه أن یجلس فی مکان ما مثلا فلیفعل، فإنّ الإمام الصادق(علیه السلام) یقول: «إذا دخل أحدکم على أخیه فی رحله فلیقعد حیث یأمر صاحب الرحل، فإنّ صاحب الرحل أعرف بعورة بیته من الداخل علیه»(1).
وملخّص الکلام أنّ مسألة الضیافة وآدابها قد خصّص لها بحث واسع فی آداب المعاشرة الإسلامیة، ولیراجع لمزید الإیضاح فی هذا الباب «بحار الأنوار»، الأبواب 88 ـ 94 من أبواب العشرة، الجزء 17 و«المحجّة البیضاء»، الجزء 3 الباب الرابع، فضیلة الضیافة.
إلاّ أنّ هذه السنّة الإنسانیة القدیمة قد تقلّصت وللأسف الشدید فی عصرنا الحاضرعصر غلبة المادیة وطغیانها فی العالم، وهیمنتها علیه، بل إنّها قد اجتثّت تقریباً فی بعض المجتمعات الغربیة، وقد سمعنا أنّ بعض اُولئک عندما یأتون إلى البلاد الإسلامیة ویرون إنتشار مسألة الضیافة التی لا زالت قائمة فی البیوتات الأصیلة، ومدى العواطف التی تکتنفها، فإنّهم یتعجّبون کیف یمکن أن یقدّم الناس أفضل الوسائل الموجودة فی البیت، وأنفس الأطعمة وألذّها للضیوف الذین ربّما تربطهم بهم رابطة ضعیفة أحیاناً، وربّما کانوا قد تعارفوا فی سفرة قصیرة؟!
إلاّ أنّ ملاحظة الأحادیث الإسلامیة ـ التی ورد قسم منها قبل قلیل ـ تبیّن سبب هذه التضحیة والإیثار، وتوضّح الحسابات المعنویة فی هذا المجال... تلک الحسابات التی لا تعنی شیئاً لدى عبّاد المادّة والغارقین فی بحرها.
1. بحار الأنوار، ج 75، ص 451.
