انظر إلى آثار رحمة الله:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الروم / الآیة 46 ـ 50  سورة الروم / الآیة 51 ـ 54

قلنا: إنّ فی هذه السورة قسماً مهمّاً «یستلفت النظر» من دلائل التوحید وآیات الله، مبیناً فی سبع آیات تبدأ کل منها بقوله: (ومن آیاته ) قرأنا ست آیات منها بصورة متتابعة، والآیة الاُولى من الآیات أعلاه هی سابع الآیات التی مرّت، وآخرها.

وحیث کان الکلام فی الآیات السابقة عن الإیمان والعمل الصالح، فبیان دلائل التوحید ـ أیضاً ـ تأکیداً على ذلک!

تقول هذه الآیة: (ومن آیاته أن یرسل الریاح مبشرات ) فهی تمضی سابقةً للغیث فی حرکتها، فتجمع القطع المتفرقة من الغیوم وتربط بینها وتؤلفها وتحملها إلى الأرض الیابسة العطشى، وتغطی صفحة السماء، ومع تغیر درجة حرارة الجو تهیء المطر للنزول من هذه الغیوم.

ولعلّ أهمیّة قدوم الریاح المبشرات ـ لأهل المدن المتنعمة ـ لیست جلیّة واضحة.. إلاّ أنّ أهل الصحاری الیابسة الظمأى إلى المطر، ما إن تتحرک الریاح مصحوبة بالسحاب التی هطلت فی نقطة اُخرى ـ والنسیم یحمل رائحة الطلّ والرطوبة منها، حتى یلمع ومیض الأمل فی قلوبهم.

وبالرغم من أنّ آیات القرآن تستند إلى البشارة فی نزول الغیث أکثر من غیرها، إلاّ أنّه لا یمکن تحدید کلمة «مبشرات» فی هذا المضمون فحسب، لأنّ الریاح تصحب بشائر أخر أیضاً.

فالریاح تبدل حرارة الجو وبرودته الشدیدة إلى «الإعتدال».

والریاح تستهلک العفونة فی الفضاء الکبیر وتصفی الهواء.

والریاح تخفف من وطء حرارة الشمس على الأوراق والنباتات، وتمنع من احتراقها بحرارة الشمس.

کما أنّ الریاح تنقل غاز الأوکسجین المتولد من النباتات وأوراق الشجر ـ إلى الإنسان، وتهب غاز ثانی أوکسید الکاربون الخارج مع زفیر الإنسان وتنفسه إلى النباتات أیضاً.

وهی کذلک تؤدّی وظیفة اُخرى، فقد أرسلها الله لواقح تنقل معها لقاح الأزهار الذکور للاناث.

والریاح تحرک الطواحین الهوائیة وتصفی البیادر.

والریاح تنقل البذور من المناطق التی قد تجمعت فیها وتنثرها وتبسطها على الصحراء، کأنّها فلاح مشفق، فتغدو خضراء ممرعة بعد أن کانت یباباً.

والریاح تنقل السفن مع مسافریها وأثقالهم إلى نقاط مختلفة.

وحتى فی هذا العصر الذی حلت الوسائل الحدیثة «الماکنات» مکان الریاح، فما تزال الریاح ذات أثر بالنسبة للسفن فی اتجاهاتها المخالفة لها أو الموافقة لها... سرعةً وبطأً!

أجل، أنّ الریاح مبشرات من جهات شتى.

ولذلک فنحن نقرأ فی تعقیب الآیة قوله تعالى: (ولیذیقکم من رحمته ولتجری الفلک بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلکم تشکرون ).

أجل، إنّ الریاح هی وسیلة لتکاثر النعم العدیدة فی مجال الزراعة والتدجین، وهی وسیلة للحمل والنقل أیضاً، وأخیراً فهی سبب للإزدهار التجاری.

وقد أشیر إلى الموضوع الأوّل بجملة (ولیذیقکم من رحمته ) وإلى الثّانی بجملة (ولتجری الفلک بأمره ) وللثالث بجملة (ولتبتغوا من فضله )!

والطریف هنا أنّ جمیع هذه البرکات منشؤها الحرکة، الحرکة فی ذرات الهواء فی الفضاء الجوی!

لکن لا یُعرف قدر أیة نعمة حتى تسلب عن الإنسان! فیعرفها حینذاک. فما لم تتوقف هذه الریاح والنسائم، فلا یعرف الإنسان ماذا یحلّ به من بلاء؟!

فتوقف الهواء یجعل الحیاة فی أفضل الحقول کالحیاة فی أشد المطامیر والسجون ظلمةً! وعلى العکس، فلو أنّ نسیماً علیلا هب فی خلایا السجون الإنفرادیة لجعلها کالفضاء الرحب «المفتوح»، وعادةً فإنّ واحداً من أسالیب التعذیب فی السجون هو سدّ منافذ الهواء!.

حتى أنّ الهواء لو توقف فی المحیطات وهدأت الأمواج، لأصبحت حیاة الحیوانات البحریة مهددة بالخطر على أثر قلّة الأوکسجین، ویتحول البحر حینذاک إلى مستنقع متعفن موحش!

یقول «الفخر الرازی» إن جملة (ولیذیقکم من رحمته ) مع ملاحظة أنّ الإذاقة تستعمل فی الشیء القلیل، فهی إشارة أنّ جمیع الدنیا ونعمها لاتتجاور الرحمة القلیلة، أمّا الرحمة الواسعة (من قبل الله) فهی خاصة بالحیاة الاُخرى!.

وفی الآیة التالیة یقع الکلام عن إرسال الأنبیاء إلى قومهم، فی حین أنّ الآیة التی بعدها تتحدث عن هبوب الریاح مرّة اُخرى، ولعل وجود هذه الآیة بین آیتین تتحدثان عن نعمة هبوب الریاح له جانب اعتراضی، کما یذهب إلى ذلک بعض المفسّرین.

ولعل ذکر النبوّة إلى جانب هذه المسائل، إنّما هو لإکمال البحث المتعلق بالمبدأ والمعاد،إذ ورد البحث عنهما مراراً فی هذه السورة کما قاله بعض المفسّرین.

ویمکن أن یکون وجود هذه الآیة إنذاراً لاُولئک الذین یتمتعون بجمیع هذه النعم الکثیرة ویکفرون بها.

وعلى کل حال، فإنّ الآیة تقول: (ولقد أرسنا من قبلک رسلنا إلى قومهم فجاءوهم بالبیّنات ) أی المعجزات والدلائل الواضحة والبراهین العقلیة، فاستجاب جماعة منهم لهذه الدلائل، ولم یستجب آخرون لها برغم النصائح (فانتقمنا من الذین أجرمو ) ونصرنا المؤمنین (وکان حقّاً علینا نصر المؤمنین ).

والتعبیر بـ «کان» التی تدل على أنّ هذه السنة لها جدر عمیق، والتعبیر بـ «حقّاً» وبعده

التعبیر بـ «علینا» هو بنفسه مبین للحق ومشعر به، جمیع هذه الألفاظ تأکیدات متتابعة فی هذا المجال وتقدیم «حقاً علینا» على «نصر المؤمنین» الذی یدل على الحصر، هو تأکید آخر، وبالمجموع تعطی الآیة هذا المعنى «إن نصر المؤمنین من المسلّم به هو فی عهدتنا وهذا الوعد سنجعله عملیاً دون الحاجة إلى نصر من الآخرین».

وهذه الجملة ـ ضمناً ـ فیها تسلیة وطمأنة لقلوب المسلمین، الذین کانوا حینئذ فی مکّة تحت ضغوط الأعداء واضطهادهم وکان الأعداء أکثر عَدَداً وعُدَداً.

وأساساً فإنّ أعداء الله طالما کانوا غرقى فی الآثام والذنوب، فإنّ ذلک بنفسه أحد عوامل انتصار المؤمنین، لأنّ الذنب سیدمرهم آخر الأمر ویهیء وسائل هلاکهم بأیدیهم، ویرسل علیهم نقمة الله.

أمّا الآیة الاُخرى فتعود ثانیة لذکر نعمة هبوب الریاح فتقول: (الله الذی یرسل الریاح فتثیر سحاباً فیبسطه فی السماء کیف یشاءُ ویجعله کسف )(1) أی القطع الصغیره المتراکمة ثمّ تخرج قطرات المطر منها على شکل حبات صغیرة (فترى الودق(2) یخرج من خلاله ).

أجل، إنّ واحداً من الآثار المهمة عند نزول الغیث، یقع على عاتق الریاح، إذ تحمل قطعات السحاب من البحر إلى الأرض العطشى والیابسة، والریاح هی المأمورة ببسط السحاب والغیوم فی السماء جعلها متراکمة بعضها فوق بعض، وبعد أن تلطف الجو وتصیره رطباً تهیء الغیث للنزول.

إنّ مثل الریاح کمثل راعی الغنم المحنّک، الذی یجمع قطیع الغنم عند الاقتضاء من أطراف الصحراء، ویسیر بها فی مسیر معیّن لیقوم بالتالی على حلب لبنها!.

وجملة (فترى الودق یخرج من خلاله ) لعلها إشارة إلى أنّ غلظة الغیوم وشدة هبوب الریاح، لیستا فی تلک الدرجة التی تمنع خروج قطرات الغیث الصغیرة من الغیم ونزولها على الأرض، بل إنّ هذه الذرات الصغیرة ـ على الرغم من الغیوم المغطاة بها صفحة السماء ـ تجد طریقها من خلال الغیوم إلى الأرض، وتتناثر ناعمةً على الأراضی العطشى حتى ترویها بصورة جیدة وفی الوقت ذاته لا تدمر الثمر.

إنّ الریاح الشدیدة والأعاصیر التی تقلع الشجرة من أصلها أحیاناً ـ على عظمتها وتحرک الصخور، تأذن للقطرة الناعمة أن تمرّ من خلالها وتستقر على الأرض!

وینبغی الإلتفات إلى أن کون السحاب قطعات متراکمة «کِسَفاً» ـ وإن لم یکن لنا جلیاً بهذه الصورة ـ فی الیوم الغائم، حیث تغطی هذه القطع صفحة السماء، فلانحسّ بأنّها على شکل قطع، بل نراه سحاباً مبسوطاً.. لکن حین تقلّنا الطائرة وتحلق بنا فوق السحاب أو من خلاله، نلمس هذه الظاهرة بوضوح!

ویضیف القرآن فی نهایة الآیة قائلا: (فإذا أصاب به من یشاء من عباده إذا هم یستبشرون ).

ثمّ تأتی الآیة الاُخرى بعدها فتقول: (وإن کانوا من قبل أن ینزّل علیهم من قبله لمبلسین )(3).

وإنّما یدرک هذا الیأس أو تلک البشارة أمثال العرب الذین یعیشون فی رحلاتهم وتنقّلهم فی الصحراء، ولحیاتهم علاقة وصلة قریبة مع هذه القطرات، فاُولئک یتفق أحیاناً أن یلقى الیأس ظلاله السوداء على أنفسهم الظمأى، کما أنّ أراضیهم ومزارعهم تبدو علیها آثار العطش، وفجأة تهب الریاح المبشرة بنزول المطر، الریاح التی یشمّ من خلالها رائحة «الغیث»! وتمرّ لحظات، فتتسع الغیوم فی السماء ثمّ تغلظ وتکون أکثر کثافةً، ثمّ ینزل «القطر» والغیث، وتمتلىء الحفر بالماء الزلازل، وتفیض الروافد والسواقی الصغیرة والکبیرة من هذه المائدة السماویة، وتعود الحیاة النضرة إلى الأرض الیابسة، کما تتبرعم الآمال فی قلوب الرحّل فی الصحراء ویشرق الأمل فی قلوبهم، وتنجلی عنها غیوم الظلمة والیأس والقنوط!

ویبدو أنّ تکرار کلمة «من قبل» فی الآیة للتأکید، إذ تبیّن الآیة أنّ الوجوه کانت عابسة متجهمة من قبل المطر بلحظات، أجل... لحظات قبل المطر، وهم قلقون ولکن حین ینزل علیهم الغیث... تشرق فجأة الوجوه وتبتسم الشفاه، فکم هو موجود ضعیف هذا الإنسان! وکم هو رحیم هذا الربّ.

ومثل هذا التعبیر وارد فی کلماتنا العرفیة حیث نقول مثلا: إنّ فلاناً کان بالأمس، نعم بالأمس صدیقاً لنا، والیوم هو من أعدائنا... والهدف من هذا التکرار هو التأکید على تغییر حالات الإنسان.

وفی آخر آیة ـ من الآیات محل البحث ـ یتوجه الخطاب إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) قائلا: (فانظر إلى آثار رحمت الله کیف یحی الأرض بعد موته ).

والاهتمام أو الاعتماد على کلمة «انظر» هو إشارة إلى أنّ آثار رحمة الله فی إحیاء الأرض بالمطر، هی من الوضوح بمکان بحیث تکفی نظرة واحدة لمشاهدة هذه الآثار، دون حاجة للبحث والتدقیق.

والتعبیر بـ (رحمت الله ) فی شأن المطر هو إشارة الآثار المبارکة فیه من جهات مختلفة!.

فالمطر یسقی الأرض ویرعى بذور النباتات... ویهب الأشجار الحیاة الجدیدة!

وهو ینقىّ الجو والمحیط من الغبار المتراکم أو المتناثر فی الفضاء.

وهو یغسل النباتات ویمنحها النضرة والطراوة!.

وهو یمضی إلى أعماق التربة والأرض، وبعد فترة یعود على شکل عیون وقنوات إلى سطح الأرض.

والمطر یدفع الأنهار والسیول وبعد تجمعها خلف السدود یتولد منها «الکهرباء» أو الطاقة والنور والحرکة!.

وأخیراً فإنّ قطر السماء یحسّن الجوّ إذ یخفف من شدّة الحر، ویهدىء من شدّة البرودة.

والتعبیر بـ «الرحمة» عن المطر مذکور فی عدة آیات من القرآن کما فی الآیة 48 من سورة الفرقان، والآیة 63 من سورة النمل، ونقرأ کذلک فی سورة الشورى الآیة 28 قوله تعالى: (وهو الذی ینزّل الغیث من بعد ما قنطوا وینشر رحمته ).

ومع الإلتفات إلى العلاقة بین المبدأ والمعاد فی المسائل المختلفة، فإنّ «القرآن» یضیف قائلا فی نهایة الآیة: (إنّ ذلک لمحی الموتى وهو على کل شیء قدیر ).

والتعبیر بـ «محیی» بصیغة اسم الفاعل مکان الفعل المضارع، وخاصّة مع کونه مسبوقاً بلام التوکید، دلیل على منتهى التأکید.

ولقد رأینا مراراً فی آیات القرآن الکریم، أن هذا الکتاب السماوی ـ من أجل إثبات مسألة المعاد ـ ینتخب نزول الغیث وإحیاء الأرض بعد موتها شاهداً على ذلک!.

ففی سورة (ق) الآیة 11 یعقب القرآن بعد التعبیر بحیاة الأرض بعد موتها قائلا: (کذلک الخروج )!

ویشبه هذا التعبیر فی الآیة 9 من سورة فاطر إذ یقول القرآن: (کذلک النشور ).

والواقع أنّ قانون الحیاة والموت فی کل مکان متشابه.. فالذی یحی الأرض المیتة بقطرات السماء، ویهبها الحرکة والبهجة، ویتکرر هذا العمل على طول السنة، وأحیاناً فی کل یوم، فإن له هذه القدرة على إحیاء الناس بعد الموت، فالموت بیده فی کل مکان، کما أنّ الحیاة بأمره أیضاً.

صحیح أنّ الأرض المیتة لا تحیى ظاهراً، بل تنمو البذور التی فی قلب الأرض، ولکننا نعلم أنّ هذه البذور الصغیرة تجذب مقداراً عظیماً من أجزاء الأرض إلى نفسها، وتحوّل الموجودات المیتة إلى موجودات حیة! وحتى بقایا هذه النباتات المتلاشیة ـ أیضاً ـ تمنح القدرة والقوة للأرض لکی تحیى من جدید.

وفی الحقیقة لم یکن لمنکری المعاد أی دلیل على مدعاهم سوى الاستبعاد، والقرآن المجید إنّما یستشهد بهذه الأمثال لإحباط هذا الاستبعاد منهم أیضاً.


1. «الکِسَف» جمع «کسفَة» على وزن حجلة ومعناها القطعة، وهی هناـ کما یبدو ـ إشارة إلى القطعات (من الغیوم) المتراکمة بعضها فوق بعض فتجعلها غلیظة وشدیدة، وذلک حین تکون الغیوم مهیأة لنزول المطر.
2. «الودق» على وزن «الحلق» وتطلق على ذرات الماء الصغیرة کمثل الغبار أحیاناً، إذ تتناثر عند نزول الغیث فی السماء، کما تطلق على قطرات «المطر» المتفرقة أحیاناً.
3. «مبلس» مأخوذة من مادة «الإبلاس»، ومعناها الیأس وعدم الرجاء.
سورة الروم / الآیة 46 ـ 50  سورة الروم / الآیة 51 ـ 54
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma