لابدّ من الهجرة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سبب النّزولسورة العنکبوت / الآیة 61 ـ 66

حیث إنّ الآیات السابقة کانت تتحدث عن مواقف المشرکین المختلفة من الإسلام والمسلمین، ففی الآیات محل البحث یقع الکلام عن حال المسلمین ومسؤولیاتهم قبال المشاکل المختلفة، أی مشاکل أذى الکفّار وضغوطهم وقلّة عدد المسلمین وما إلى ذلک، فتقول الآیة الأولى: (یا عبادى الذین آمنوا إن أرضی واسعة فإیّای فاعبدون).

وبدیهی أنّ هذا لیس قانوناً خاصاً بمؤمنی أهل مکّة، ولا یحدد سبب النّزول مفهوم الآیة الواسع المنسجم مع الآیات الاُخرى... فعلى هذا لو سلب الإنسان حریته فی أی عصر أو زمان ومکان بشکل کامل، فإنّ بقاءه هناک لا یجلب علیه إلاّ الذل «والخسران والضرر» والإبتعاد عن أداء المناسک الإلهیّة، فوظیفة الإنسان المسلم عندئذ الهجرة إلى منطقة «حرّة» یستطیع أن یؤدّی فیها وظائفه الإسلامیة بحریة تامّة أو حریة نسبیة.

وبتعبیر آخر: إنّ الهدف من خلق الإنسان أن یکون عبداً لله، عبودیة هی فی الواقع سبب للحریة والکرامة والإنتصار فی جمیع الجهات... وجملة (فإیّای فاعبدون) إشارة إلى هذا المعنى، کما ورد هذا التعبیر فی الآیة 56 من سورة الذاریات: (وما خلقت الجن والإنس إلاّ لیعبدون).

فمتى ما أصبح هذا الهدف الأساسی والنهائی مستحیلا، فلا سبیل عندئذ إلاّ الهجرة، فأرض الله واسعة، وینبغی أن یهاجر الفرد نحو منطقة اُخرى، ولا یکون أسیراً لمفاهیم «القبلیة والقومیة والوطنیة والبیت والأهل» فی مثل هذه الموارد، ولا یذل الإنسان نفسه من أجلها، فإنّ احترام هذه الاُمور هو فیما لو کان الهدف الأصلی قائماً غیر مخاطر به، أمّا إذا أصبح الهدف الأصلی «عبادة الله» مخاطراً به فلا سبیل إلاّ الهجرة!

وفی مثل هذه الموارد یقول الإمام أمیر المؤمنین علی(علیه السلام): «لیس بلد بأحق بک من بلدک، خیر البلاد ما حملک»(1).

صحیح أنّ حبّ الوطن والعلاقة بمسقط الرأس جزء من طبیعة کل إنسان، ولکن قد یتفق أن تحدث فی حیاة الإنسان مسائل أهم من تلک ا لاُمور، فتجعلها تحت شعاعها وتکون أولى منها.

وفی مجال موقف الإسلام ونظرته من مسألة الهجرة والرّوایات الواردة فی هذا الصدد، کان لنا بحث مفصل فی ذیل الآیة 100 من سورة النساء.

والتعبیر ب(یا عبادی) هو أکثر التعابیر رأفة وحبّاً للناس من قبل خالقهم. وتاج للفخر أعلى حتى من مقام الرسالة والخلافة، کما نذکر ذلک فی التشهد حیث نقدم العبودیة على الرسالة دائماً «أشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله».

من الطریف أنّه حین خلق الله آدم لقبه بـ «خلیفة الله»، وهو فخر لآدم، إلاّ أنّ الشیطان لم ییأس من التسویل والوسوسة له، فکان ما کان، ولکن حین بوأه مقام العبودیة أذعن الشیطان له ویئس من إغوائه وقال: (فبعزتک لأغوینهم أجمعین * إلاّ عبادک منهم المخلصین).(2)

والله سبحانه ضمن هذا الأمر فقال: (إنّ عبادی لیس لک علیهم سلطان).(3)

ویتّضح ممّا ذکرناه ـ بصورة جیدة ـ أنّ المراد بالعباد لیس جمیع الناس ـ فی الآیة محل البحث ـ بل هم المؤمنون منهم فحسب، وجملة (الذین آمنو) جاءت للتأکید والتوضیح(4).

وحیث إنّ البعض بقوا فی دیار الشرک، ولم یرغبوا بالهجرة بذریعة أنّهم یخشون الخروج من دیارهم ویخافون أن یحدق بهم الموت بسبب الأعداء أو الجوع أو العوامل الاُخرى التی تهددهم... إضافة إلى فراق الأحبّة والمتعلقین والأبناء والأصدقاء، فإنّ القرآن یردّهم بجواب جامع قائلا: (کل نفس ذائقة الموت ثمّ إلینا ترجعون).

فهذه الدنیا لیست بدار بقاء لأی أحد، فبعض یمضی عاجلا، وبعض یتأخر، ولابدّ أن یذهبوا جمیعاً، وعلى کل حال ففراق الأحّبة والأبناء والأقارب لابدّ أن یقع ویتحقق، فعلام یبقى الإنسان فی دیار الشرک من أجل المسائل العابرة... وأن یحمل عبء الذل والأسر على کاهله، أکلّ ذلک من أجل أن یبقى بضعة أیّام أو أکثر؟!

ثمّ بعد هذا کلّه ینبغی أن تخافوا أن یدرککم الموت فی دیارالکفر والشرک قبل أن تبلغوا دار الاسلام، فما أشدّ ألم مثل هذا الموت وما أتعسه!

ثمّ لا تظنوا أنّ الموت نهایة کل شیء، فالموت بدایة لحیاة الإنسان الأصلیة، لأنّکم جمیعاً (إلینا ترجعون)... إلى الله العظیم، وإلى نعمه التی لاحدّ لها ولا انتهاء لأمدها.

والآیة التالیة تبیّن جانباً من هذه النعم فتقول: (والذین آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنّة غرفاً تجری من تحتها الأنهار)(5).

فهم فی قصور تحیط بها أشجار الجنّة من کلّ جانب، الأنهار المختلفة التی لکلّ منها طعمه ولونه، طبقاً لآیات القرآن الاُخر، وهی ما بین الأشجار وتحت تلک القصور جاریة أبداً.. (لاحظوا أن «غرف» جمع غرفة، ومعناها البناء المرتفع المشرف على أطرافه).

والامتیاز الآخر لغرف الجنّة أنّها لیست کغرف الدنیا وقصورها ومنازلها التی ما أن یضع الإنسان فیها قدمه حتى یسمع نداء «الرحیل»، فغرف الجنّة دائمة (خالدین فیه).

ویضیف القرآن معقباً فی ختام الآیة (نعم أجر العاملین).

وبموازنة بسیطة بین ما ذکر آنفاً فی شأن الکفّار والمذنبین فی الآیات السابقة، وما ورد فی هذه الآیة، تتّضح عظمة ثواب المؤمنین.

فالکفّار غارقون فی نار جهنم من قرنهم إلى قدمهم، ویقال لهم على سبیل التوبیخ (ذوقوا ما کنتم تعملون).

أمّا المؤمنون فهم مقیمون فی نعیم الجنّة وتحیط بهم رحمة الله من کلّ جانب، وبدلا من کلمات التوبیخ یُکلمون بکلام طیب ملؤه المحبّة واللطف الإلهی الکریم، أجل یقال لهم: (نعم أجر العالمین).

وبدیهی أنّ المراد بالعاملین هنا مع قرائن الجمل السابقة، هم الذین یعملون الصالحات المقرونة بإیمانهم، وإن کانت کلمة العاملین مطلقة.

وفی حدیث عن نبیّ الإسلام العظیم(صلى الله علیه وآله) یصف الجنّة فیقول: «إنّ فی الجنّة لغرفاً یرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» فنهض بعض أصحابه فقال: یا رسول الله(صلى الله علیه وآله) لمن هذه الغرف؟ فقال (صلى الله علیه وآله): «هی لمن أطاب الکلام، وأطعم الطعام، وصلى لله باللیل والناس نیام»(6).

والآیة التالیة تصف أهمّ ما یتحلّى به المؤمنون العاملون فتقول: (الذین صبروا وعلى ربّهم یتوکلون).

إذ یبتعدون عن الزوجة والأولاد والأهل والبیت والأحباب والأصدقاء وکل شیء عزیز علیهم، لکنّهم یصبرون برغم الفراق یذوقون مرارة الغربة والتهجیر عن أوطانهم ویصبرون، وتتلقى أنفسهم العذاب والأذى من أعدائهم من أجل حفظ إیمانهم، ویواجهون الصعاب فی جهادهم الأکبر «جهادهم مع النفس» وجهادهم اعداءهم بشدّة، ویتحملون أنواع المشاکل فیصبرون!

أجل، هذا الصبر وهذه الاستقامة هما رمز إنتصارهم وعامل فخرهم الکبیر، وبدونه لا یتحقق عمل إیجابی فی الحیاة.

ثمّ بعد هذا کلّه، فهم لا یعتمدون على أموالهم ولا على أصدقائهم، بل یعتمدون على الله ویتوکلون على ذاته المقدّسة، وإذ ابتغى ألف عدو هلاکهم تمثلوا قائلین: «امتحانک رحمة فلا أکترث بالأعداء».

وإذ أمعنا النظر وفکّرنا جیداً رأینا أنّ الصبر والتوکل هما أساس جمیع الفضائل الإنسانیة، فالصبر هو عامل الاستقامة أمام العوائق والمشاکل، والتوکل هو الهدف والباعث على الحرکة فی هذا الطریق المدید الملتوی.

وفی الحقیقة ینبغی الاستمداد من هاتین الفضیلتین (الصبر والتوکل) للأعمال الصالحة، إذ بدونهما لا یمکن أن تؤدى الأعمال الصالحة بالمقیاس الواسع(7).

وفی آخر آیة ـ من الآیات محل البحث ـ جواب لأولئک الذین کان لسان حالهم أو لسان مقالهم یقول إذا خرجنا عن دیارنا وأهلینا، فمن سیطعمنا ویرزقنا؟ یخاطبهم القرآن أن لا تحزنوا على الرزق ولا تحملوا ثقل الذلة والأسر، فالرازق هو الله، لا لکم فحسب بل: (وکأین من دابة لا تحمل رزقها الله یرزقها وإیّاکم).

قلیل من الدواب والحیوانات والحشرات ـ وکذلک الإنسان ـ یأتی برزقه من الصحراء والشجر إلى وکره ومسکنه کالنحل ـ التی تنتج العسل ـ والنمل، وغالباً ما تکون الحیوانات بمثابة «طائر الیوم» أی کل یوم علیها أن تمضی لرزقها وتبحث عنه من جدید. وهکذا فإنّ ملایین الملایین من الحیوانات التی من حولنا، فی النقاط القریبة والبعیدة، وفی الصحاری وأعماق البحار وأعالی الجبال والأماکن الاُخرى، فإنّها کلّها تقتات من مائدة الله السرمدیة.

وأنت أیّها الإنسان أقوى من تلک الحیوانات وأذکى فی جلب الرزق، فلم کلّ هذا الخوف من انقطاع الرزق؟!

ولم الرکون إلى حیاة الذل والإستکانة والفجور؟!

ولم تظل سادراً تحت وطأة الظلم والقهر والهوان والذل؟! اُخرج أنت أیضاً من داخل هذه الدائرة المظلمة، واُجلس على مائدة خالقک الواسعة ولا تفکر بالرزق!.

فأنت یوم کنت جنیناً محبوساً فی بطن اُمّک، ولا تصل إلیک أیة ید حتى من أبیک واُمک الرؤوم، لم ینسک الله الذی خلقک، وهیأ ما کنت تحتاج إلیه لک بکل دقّة، فکیف وأنت الیوم کائن قوی ورشید؟!

وحیث إنّ إیصال الرزق للمحتاجین هو فرع علمه تعالى بحاجاتهم، فالقرآن یؤکّد فی نهایة الآیة قائلا: (وهو السمیع العلیم).

یسمع کلامکم کلّه، ویعرف لسان حالکم، ولسان حال جمیع الدواب، وهو خبیر بحاجات الجمیع، ولا یخفى على علمه الذی لا حد له شیءٌ أبداً.


1. نهج البلاغة، الکلمات القصار، رقم 442.
2. ص، 82 و83.
3. الحجر، 42.
4. جملة (فإیای فاعبدون) عطف على جزاء جملة الشرط المحذوف والتقدیر «إن ضاقت بکم الأرض فهاجروا منها إلى غیرها وإیّای فاعبدون».
5. «لنبوئنهم» من مادة «تبوئة» على زنة «تذکرة» معناها إعطاء السکنى للإقامة والبقاء الدائم.
6. تفسیر القرطبی، ج 7، ص 5075، ذیل الآیات محل البحث.
7. تحدثنا عن حقیقة التوکل وحکمته وفلسفته بإسهاب فی ذیل الآیة 12 سورة إبراهیم، وعن حقیقة الصبر لدى تفسیر الآیة 12 من سورة إبراهیم والآیة 24 من سورة الرعد والآیة 26 من سورة الأعراف.
سبب النّزولسورة العنکبوت / الآیة 61 ـ 66
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma