المعروف والمشهور بین المفسّرین أنّ هذه السورة نزلت فی مکّة، وبالرغم من أنّ بعض المفسّرین قد استثنى بعض آیات هذه السورة کالشیخ الطوسی فی (التبیان) حیث استثنى الآیة الرّابعة التی تتحدّث عن الصلاة والزکاة، أو الفخر الرازی الذی استثنى مضافاً إلى هذه الآیة، الآیة 27 التی تبحث فی علم الله الواسع، إلاّ أنّه لا یوجد دلیل واضح لهذه الاستثناءات، لأنّ الصلاة والزکاة ـ الزکاة بصورة عامّة طبعاً ـ کانتا موجودتین فی مکّة أیضاً، وقضیّة البحث عن سعة علم الله لا تصلح لأن تکون دلیلا على کونها مدنیة.

بناءً على هذا، فإنّ سورة لقمان بحکم کونها مکّیة تشتمل على محتوى السور المکّیة العام، أی إنّها تبحث حول العقائد الإسلامیة الأساسیة، وخاصّة المبدأ والمعاد، وکذلک النبوّة، وبصورة عامّة فإنّ محتوى هذه السورة یتلخّص فی خمسة أقسام:

القسم الأوّل: یشیر ـ بعد ذکر الحروف المقطّعة ـ إلى عظمة القرآن وکونه هدى ورحمة للمؤمنین الذین یتمتّعون بصفات خاصّة، ویتحدّث فی الطرف المقابل عن الذین یظهرون التعصّب والعناد أمام هذه الآیات البیّنات بحیث یبدون وکأنّهم صمّ الآذان، بل یسعون أیضاً إلى صرف الآخرین عن القرآن عن طریق إیجاد وسائل لهو غیر صحیحة.

القسم الثّانی: یتحدّث عن آیات الله فی خلق السماء ورفعها بدون أی عمد، وخلق الجبال، والأحیاء المختلفة، ونزول المطر، ونموّ النباتات.

القسم الثّالث: ینقل جانباً من کلام لقمان الحکیم والمتألّه فی وصیّته لابنه، ویبدأ من التوحید ومحاربة الشرک، وینتهی بالوصیّة بالإحسان إلى الوالدین، والصلاة، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، والثبات أمام الحوادث الصعبة، والبشاشة والطلاقة مع الناس، والتواضع والإعتدال فی الاُمور.

فی القسم الرّابع: تعود السورة إلى أدلّة وعلامات التوحید مرّة اُخرى فتتحدّث عن

تسخیر السماء والأرض ونعم الله الوفیرة، وذمّ منطق الوثنیین الذین سقطوا فی وادی الضلال والانحراف نتیجة التقلید واتّباع الآباء والأجداد، وتجعلهم یقرّون بمسألة کون الله خالقاً التی هی أساس العبودیة له.

وتکشف الستار عن علم الله المطلق بذکر مثال واضح، وتبحث فی هذا الباب ـ إضافة إلى ذکر آیات الآفاق ـ عن التوحید الفطری الذی یتجلّى عند الوقوع فی عواصف البلاء، وتطرح ذلک بشکل رائع.

أمّا القسم الخامس: فإنّه یشیر إشارة قصیرة مؤثّرة تهزّ الوجدان إلى مسألة المعاد والحیاة بعد الموت، وتحذّر الإنسان من الإغترار بهذه الدنیا، وتحثّه على أن یفکّر بتلک الحیاة الخالدة ویتهیّأ لها.

ثمّ تنهی هذا المبحث بذکر جانب من علم الله بالغیب بما یتعلّق بالإنسان، ومن جملة ذلک لحظة موته، وحتى على الجنین فی بطن اُمّه، وبذلک تنتهی السورة.

ومن الواضح أنّ تسمیة هذه السورة بسورة «لقمان» بسبب البحث المهمّ العمیق المحتوى الذی ورد فی هذه السورة عن مواعظ لقمان، وهی السورة الوحیدة التی تتحدّث عن هذا الرجل الحکیم.