فی دوّامة البلاء!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة لقمان / الآیة 31 ـ 32 سورة لقمان / الآیة 33 ـ 34

یدور البحث والحدیث فی هاتین الآیتین أیضاً عن نعم الله سبحانه، وأدلّة التوحید فی الآفاق والأنفس، فالحدیث فی الآیة الاُولى عن دلیل النظام، وفی الآیة الثّانیة عن التوحید الفطری، وهما فی المجموع تکمّلان البحوث التی وردت فی الآیات السابقة.

تقول الآیة الاُولى: (ألم تر أنّ الفلک تجری فی البحر بنعمت الله(1) لیریکم من آیاته إنّ فی ذلک لآیات لکلّ صبّار شکور).

لا شکّ أنّ حرکة السفن على سطح المحیطات تتمّ بمجموعة من قوانین الخلقة:

ـ فحرکة الریاح المنتظمة من جهة.

ـ والوزن الخاص للخشب أو المواد التی تصنع منها تلک السفینة من جانب آخر.

ـ ومستوى کثافة الماء من جانب ثالث.

ـ ومقدار ضغط الماء على الأجسام التی تسبح فیه من جهة رابعة.

وحینما یحدث إختلال فی واحد من هذه الاُمور فإنّ السفینة إمّا أن تغرق وتنزل إلى قعر البحر، أو تنقلب، أو تبقى حائرة لا تهتدی إلى سبیل نجاتها فی وسط البحر.

غیر أنّ الله جلّ وعلا الذی أراد أن یجعل البحار الواسعة أفضل السبل وأهمّها لسفر البشر، ونقل المواد التی یحتاجونها من نقطة إلى اُخرى، قد هیّأ ویسّر هذه الشروط والظروف، وکلّ منها نعمة من نعمه تعالى.

إنّ عظمة قدرة الله سبحانه فی میدان المحیطات، وصغر الإنسان مقابلها، تبلغ حدّاً بحیث إنّ کلّ البشر فی العالم القدیم ـ الذی کانت السفن تعتمد على الریاح فی حرکتها ـ لو اجتمعوا لیحرّکوا سفینة وسط البحر عکس اتّجاه ریح عاصف قویّة لما استطاعوا.

والیوم أیضاً، حیث حلّت المولِّدات والمکائن العظیمة محلّ الهواء، فإنّ هبوب العواصف قد یبلغ من الشدّة أحیاناً بحیث یحرّک ویهزّ أعظم السفن، وقد یحطّمها أحیاناً.

والتأکید الذی ورد فی نهایة الآیة على أوصاف (صبّار) و(شکور) إمّا أن یکون من باب أنّ الحیاة الدنیا مجموعة من البلاء والنعمة، وکلاهما طریق ومحلّ للاختبار، حیث إنّ الصمود والتحمّل أمام الحوادث الصعبة، والشکر على النعم یشکّلان مجمل ما یجب على الإنسان، ولذا نقل کثیر من المفسّرین عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله): «الإیمان نصفان: نصف صبر، ونصف شکر»(2).

أو أن یکون إشارة إلى لزوم وجود هدف لأجل إدراک آیات الله العظیمة فی میدان الخلقة، وهذا الهدف هو شکر المنعم المقترن بالصبر والتحمّل من أجل دقّة وتفحّص أکبر.

وبعد بیان نعمة حرکة السفن فی البحار، والتی کانت ولا تزال أکبر وأنفع وسائل حمل ونقل البضائع والبشر، أشارت هذه الآیة إلى صورة اُخرى لهذه المسألة، فقالت: (وإذا غشیهم موج کالظلل دعوا الله مخلصین له الدین).

«الظللّ» جمع ظُلّة، وقد ذکر المفسّرون لها عدّة معان:

ـ فیقول الراغب فی مفرداته: الظلّة سحابة تظلّ، وأکثر ما تقال لما یستوخم ویکره.

ـ والبعض اعتبرها بمعنى المظلّة الکبیرة، من مادّة الظلّ.

ـ والبعض اعتبرها بمعنى الجبل.

وبالرغم من أنّ هذه المعانی ـ من حیث تعلّقها بالآیة مورد البحث ـ لا تختلف کثیراً عن بعضها، إلاّ أنّه بملاحظة أنّ هذه الکلمة قد وردت مراراً فی القرآن بمعنى السحاب الذی یظلّ، وبملاحظة أنّ تعبیر (غشیهم) یناسب معنى السحاب أکثر، فیبدو أنّ هذا التّفسیر هو الأقرب.

أی إنّ أمواج البحر العظیمة تهیج فتحیط بهم کأنّ سحاباً قد أظلّهم بظلّ مرعب مهول.

هنا یجد الإنسان نفسه ضعیفاً وعاجزاً رغم کلّ تلک القوى والإمکانیات الظاهریة التی أعدّها لنفسه، ویجد یده قاصرة عن کلّ شیء ومکان، وتقف کلّ الوسائل العادیة والمادیّة عن العمل، ولا یبقى له أی بصیص أمل إلاّ النور الذی یشعّ من أعماق روحه وفطرته، فیزیح عن قلبه حجب الغفلة، ویقول له: هل یوجد أحد یستطیع إنقاذک؟

نعم، إنّه الذی تطیع أوامره أمواج البحر... انّه خالق الماء والهواء والتراب.

هنا یحیط التوحید الخالص بکلّ قلبه ویغمره، ویعتقد بأنّ الدین والعبادة مختّصة به سبحانه.

ثمّ تضیف الآیة إنّ الله سبحانه لمّا نجّاهم من الهلکة إنقسم الناس قسمین: (فلمّا نجّاهم إلى البرّ فمنهم مقتصد)(3). وهؤلاء وفوا بعهدهم ولم ینقضوه، ولم ینسوا منّة الله علیهم فی تلک اللحظات الحسّاسة.

أمّا القسم الثّانی فإنّهم نسوا کلّ ذلک، واستولى جیش الشرک والکفر على معسکر قلوبهم.

واعتبر بعض المفسّرین الآیة أعلاه إشارة إلى إسلام «عکرمة بن أبی جهل»، إذ إنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) عفا عن جمیع الناس عند فتح مکّة غیر أربعة نفر أحدهم عکرمة بن أبی جهل، إذ أهدر دمهم، وأمر بقتلهم حیثما وجدوا، لأنّهم لم یترکوا أیّ سیّئة أو جریمة ضدّ الإسلام والمسلمین إلاّ عملوها، ولذلک اضطرّ عکرمة إلى الفرار من مکّة، فتوجّه إلى البحر الأحمر ورکب السفینة، فأخذت بأطرافه ریح عاصف، فقال بعض أهل السفینة لبعضهم الآخر: تعالوا نترک الأصنام ونتضرّع إلى الله وحده ونسأله لطفه، فإنّ آلهتنا هذه لا تنفع شیئاً!

فقال عکرمة: إذا لم ینقذنا غیر توحیدنا فی البحر، فلن ینقذنا فی البرّ سواه أیضاً، اللهمّ إنّ اُعطیک عهداً ـ إذا نجّیتنی من هذه المحنة ـ لآتینّ محمّد(صلى الله علیه وآله) واُبایعه، فإنّی أعلم أنّه کریم عفوّ.

وأخیراً نجا، وأتى إلى النّبی(صلى الله علیه وآله)(4).

وقد ورد فی التواریخ الإسلامیة أنّ عکرمة قد أصبح فی صفّ المسلمین الحقیقیین، واستشهد فی معرکة الیرموک أو أجنادین.

وتضیف الآیة فی النهایة (وما یجحد بآیاتنا إلاّ کلّ ختّار کفور).

(ختّار) من الختر، بمعنى نقض العهد، وهذه الکلمة صیغة مبالغة، لأنّ المشرکین والعاصین یتوجّهون إلى الله مراراً، ویقطعون على أنفسهم العهود، وینذرون النذور، إلاّ أنّهم بمجرّد أن یهدأ طوفان الحوادث ینقضون عهودهم بصورة متلاحقة، ویکفرون بنعم الله علیهم.

إنّ تعبیر «ختّار» و«کفور» الذی ورد فی نهایة هذه الآیة، هو فی الحقیقة مقابل تعبیر «صبّار» و«شکور» الذی ورد فی نهایة الآیة السابقة ـ فالکفران فی مقابل الشکر، ونقض العهد فی مقابل الصبر والثبات على العهد ـ لأنّ الوفاء بالعهد لا یتمّ إلاّ من قبل الثابتین الصامدین... اُولئک الذین إذا توهّج الإیمان الفطری فی أعماق أرواحهم فلا یدعون هذا النور الإلهی ینطفیء مرّة اُخرى وتتکاثف علیه الحجب.


1. «الباء» فی (بنعمة الله) یمکن أن تکون باء السببیة، أو باء المصاحبة، إلاّ أنّ الاحتمال الأوّل هو الأنسب.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 323، وتفسیر القرطبی، والتفسیر الکبیر، وتفسیر الصافی.
3. (مقتصد) من مادّة قصد، بمعنى الإعتدال فی العمل، والوفاء بالعهد.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 323، ذیل الآیة مورد البحث، ووردت هذه الحادثة فی (اُسد الغابة فی معرفة الصحابة) ج4، ص 5 بتفاوت یسیر.
سورة لقمان / الآیة 31 ـ 32 سورة لقمان / الآیة 33 ـ 34
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma