اتّبعوا أحسن الأسالیب فی البحث والجدال:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة العنکبوت / الآیة 46 ـ 49 1ـ الرّسول الأمی(صلى الله علیه وآله)

کان أکثر الکلام فی الآیات المتقدمة فی کیفیة التعامل مع المشرکین المعاندین وکان مقتضى الحال أن یکون الکلام شدید اللهجة حادّاً، وأن یعدَّ ما یعبدون من دون الله أوهى من بیت العنکبوت، أمّا فی هذه الآیات ـ محل البحث ـ فیقع الکلام فی شأن مجادلة أهل الکتاب الذین ینبغی أن یکون الکلام معهم لطیفاً، إذ أنّهم ـ على الأقل ـ قد سمعوا قسماً ممّا جاء به الأنبیاء والکتب السماویة، ولدیهم إستعداد أکثر للتعامل المنطقی، إذ ینبغی أن یکلم کل شخص بمقدار علمه وعقله وأخلاقه.

فیقول القرآن فی هذا الصدد: (ولا تجادلوا أهل الکتاب إلاّ بالتی هی أحسن)(1).

«تجادلوا» مشتق من «جدال» ومعناه فی الأصل فتل الحبل وإحکامه، کما تستعمل هذه المفردة فی البناء المحکم وما أشبهه، وحین یتناقش اثنان فی بحث معین فکل واحد منهما ـ فی الحقیقة ـ یرید أن یلوی صاحبه عن عقیدته وفکرته.. لذا فقد سمّی هذا النقاش جدالا. کما یرد هذا التعبیر فی النزاع أیضاً، وعلى کل حال فإنّه المراد من قوله (ولا تجادلو) المناقشات المنطقیة.

والتعبیر بـ (التی هی أحسن) تعبیر جامع یشمل الأسالیب والطرق الصحیحة والمناسبة للتباحث أجمع، سواءً کان ذلک فی الألفاظ أو المحتوى، وسواء کان فی طریقة الکلام، أو الحرکات والإشارات المصاحبة له.

فعلى هذا یکون مفهوم الجملة المتقدمة: إنّ ألفاظکم ینبغی أن تکون بطریقة مؤدّبة، والکلام ذا مودّة، والمحتوى مستدلا، وصوتکم هادئاً غیر خشن، ولا متجاوزاً لحدود الأخلاق أو لهتک الحرمة، وکذلک بالنسبة لحرکات الأیدی والعیون والحواجب التی تکمل البیان، ینبغی أن تکون هذه الحرکات ضمن هذه الطریقة المؤدبة... وکم هو جمیل هذا التعبیر القرآنی، إذ أوجز عالماً من المعانی الدقیقة فی جملة قصیرة.

کل هذه الاُمور لأجل أن الهدف من وراء النقاش والبحث لیس هو طلب التفوق ودحر الطرف الآخر، بل الهدف أن یکون الکلام حتى ینفذ فی القلب وفی أعماق الطرف الآخر... وخیر السبل للوصول إلى هذا الهدف هو هذا الأسلوب القرآنی.

وکثیراً ما یتفق أنّه لو استطاع الإنسان أن یبیّن قول الحق بصورة یراه الطرف الآخر متطابقاً لفکره ورأیه، فسرعان ما ینعطف إلیه وینسجم معه، لأنّ الإنسان ذو علاقة بفکره کعلاقته بأبنائه.

وهکذا فإنّ القرآن الکریم یثیر الکثیر من المسائل على صورة «السؤال والاستفهام» لینتزع جوابه من داخل فکر المخاطب فیراه منه!

وبالطبع فإنّ لکل قانون استثناءً، ومنها هذا القانون أو الأصل الکلی فی البحث والمجادلة الإسلامیة، فقد یُعدّ فی بعض الموارد ضعفاً، أو یکون الطرف الآخر مغروراً إلى درجة أنّ هذا التعامل الإنسانی یزیده جرأة وعدواناً وتکبراً، لذلک فإنّ القرآن یضیف مستثنیاً: (إلاّ الذین ظلموا منهم).

وهم الذین ظلموا أنفسهم وظلموا الآخرین، وکتموا کثیراً من الآیات، لئلا یطلع الناس على أوصاف النّبی محمّد(صلى الله علیه وآله).

الظالمون الذین جعلوا أوامر الله التی لا تنسجم مع منافعهم الشخصیة تحت أقدامهم.

الظالمون الذین آمنوا بالخرافات فکانوا کالمشرکین فی عقیدتهم إذ قالوا: إنّ المسیح ابن الله، أو العزیر ابن الله.

وأخیراً فهم اُولئک الذین ظلموا وتذرعوا بالسیف والقوّة بدلا من البحث المنطقی، وتوسّلوا بالشیطنة والتآمر على النّبی(صلى الله علیه وآله) وعلى الإسلام.

ویختتم الآیة بمصداق بارز من «المجادلة بالتی هی أحسن» ویمکنه أن یکون قدوة لأی بحث; فیقول القرآن الکریم: (وقولوا آمنا بالذی أنزل إلینا وأنزل إلیکم وإلهنا وإلهکم واحد ونحن له مسلمون).

کم هو جمیل هذا التعبیر! وکم هو رائع هذا النغم واللهجة! لهجة الوحدة والإیمان بکل ما أنزل الله الواحد، وحذف جمیع العصبیّات، ونحن وأنتم جمیعاً موحدون لله مسلمون له.

وهذا مثل واحد من المجادلة بالتی هی أحسن التی ینجذب إلیها کل من یسمعها، ویدلّ على أنّ الإنسان یجب أن یکون بعیداً عن التحزب أو طلب التفرقة، فنداء الإسلام هو نداء الوحدة والتسلیم لکل کلام حق.

وأمثلة هذا البحث کثیرة فی القرآن، ومن ضمنها ماأشار إلیه الإمام الصادق(علیه السلام) إذ قال: «أمّا الجدال بالتی هی أحسن فهو ما أمر الله تعالى نبیّه أن یجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحیاءه له، فقال الله حاکیاً عنه: قل (یا محمّد) (یحییها الذی أنشأها أوّل مرّة وهو بکل خلق علیم * الذی جعل لکم من الشجرة الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون)»(2).(3)

والآیة الاُخرى تؤکّد على الأصول الأربعة التی سبق ذکرها فی الآیة المتقدمة، فتقول: (وکذلک أنزلنا إلیک الکتاب) أی القرآن.

أجل... نزل هذا القرآن على أساس توحید المعبود، وتوحید دعوة جمیع الأنبیاء إلى الحق، والتسلیم دون قید أو شرط لأمر الله; والمجادلة بالتی هی أحسن!.

قال بعض المفسّرین: إنّ المراد من جملة (وکذلک أنزلنا إلیک الکتاب) هو تشبیه نزول القرآن على النّبی محمّد(صلى الله علیه وآله) أیّ کما أنزلنا کتباً من السماء على الأنبیاء الماضین، فکذلک أنزلنا إلیک الکتاب!.

إلاّ أنّ التّفسیر السابق یبدو أکثر دقّة، وإن کان الجمع بین التّفسیرین ممکناً أیضاً.

ثمّ یضیف القرآن الکریم: (فالذین آتیناهم الکتاب یؤمنون به) ویعتقدون بصدقه.. إذ أنّهم وجدوا علائمه فی کتبهم، کما أنّ محتواه من حیث الأصول العامّة والکلیة منسجم مع کتبهم!.

ومن المعلوم أنّ جمیع أهل الکتاب (الیهود والنصارى) لم یؤمنوا بنبوّة محمّد(صلى الله علیه وآله) «نبی الإسلام» فتکون هذه الجملة فی خصوص تلک الجماعة المؤمنة منهم، والتی تبتغی الحق دون تعصب، فتکون جدیرة أن یطلق علیها «أهل الکتاب».

ویضیف القرآن بعدئذ: (ومن هؤلاء من یؤمن به)(4) أی أهل مکّة والمشرکون العرب.

ثمّ یقول القرآن فی کفر الطائفتین من الیهود والنصارى: (وما یجحد بآیاتنا إلاّ الکافرون).

ومع الإلتفات إلى أنّ مفهوم الجحود،(5) هو أنّ یعتقد الإنسان بشیء بقلبه وینکره بلسانه، فإنّ مفهوم الجملة المتقدمة أن الکفّار یعترفون فی قلوبهم بعظمة هذه الآیات، ویرون علامات الصدق علیها، ومنهج النّبی وطریقته وحیاته النقیة، وأن أتباعه هم المخلصون، ویعدّون کل ذلک دلیلا على أصالته، إلاّ أنّهم ینکرون ذلک عناداً وتعصباً، وتقلیداً أعمى لأسلافهم ولآبائهم، ولحفظ منافعهم الشخصیة.

وعلى هذا فإنّ القرآن یحدد مواقف الاُمم المختلفة إزاء هذا الکتاب ویصنفهم إلى قسمین:

فقسمٌ هم أهل الإیمان، سواءً من علماء الیهود والنصارى، أو المؤمنین بصدق، أو المشرکین العطاشى إلى الحقّ الذین عرفوا الحق فتعلقت قلوبهم به.

وقسم آخر هم المنکرون المعاندون، الذین رأوا الحق إلاّ أنّهم أنکروه وأخفوا أنفسهم عنه کالخفاش، لأنّ ظلمة الکفر کانت جزءاً من نسیج وجودهم، فهم یستوحشون من نور الإیمان.

وممّا ینبغی الإلتفات إلیه أنّ هذا القسم ـ أو هذا الطائفة ـ کانوا کفرةً من قبل، ولکن التأکید على کفرهم ممکن أیضاً، وذلک لأنّهم لم تتمّ الحجّة علیهم من قبل، ولکنّهم بعد أن تمّت علیهم الحجّة، فقد أصبحوا کافرین کفراً حقیقتاً، وحادوا بعلمهم واطلاعهم عن الصراط المستقیم، وخطوا فی دروب الضلال!

ثمّ یضیف القرآن مشیراً إلى علامة اُخرى من علائم حقانیة دعوة النّبی(صلى الله علیه وآله) الجلیة والواضحة، وهی تأکیدٌ على محتوى الآیة السابقة، فیقول: (وما کنت تتلو من قبله من کتاب ولا تخطّه بیمینک إذاً لارتاب المبطلون) وقالوا إنّ ما جاءنا به هذا النّبی هو حصیلة مطالعاته لکتب الماضین.

ومعنى هذه الآیة أنّک لم تذهب إلى مدرسة قط، ولم تکتب من قبل کتاباً قط، لکّنک باشارة من وحی السماء أصبحت تعرف المسائل أفضل من مئة مدرس!.

کیف یمکن أن یُصدق أن شخصاً لم یقرأ کتاباً ولم یر أستاذاً ولا مدرسةً، أن یأتی بکتاب یتحدى به جمیع البشر أن یأتوا بمثله، فیعجز جمیعهم عن الإتیان بما طلب.

ألیس هذا دلیلا على أنّ قوّتک تستمدّ من قوة الخالق غیر المحدودة، وأنّ کتابک وحی السماء ألقاه الله إلیک؟!

وینبغی الإشارة إلى أنّه لو سأل سائل: من أین نعرف أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) لم یذهب إلى مدرسة قط؟!.

فنجیب أنّه(صلى الله علیه وآله) قد عاش فی بیئة المثقفون والمتعلمون فیها معدودون ومحدودون... حتى قیل أن لیس فی مکّة أکثر من سبعة عشر رجلا یجیدون القراءة والکتابة، ففی مثل هذا المحیط وهذه البیئة، لو قدّر لأحد أن یمضی إلى المدرسة فیتعلم القراءة والکتابة، فمن المستحیل أن یکون مجهولا، بل یکون معروفاً فی کل مکان. کما یعرف الناس أستاذه ودرسه أیضاً.

فکیف یمکن لمثل هذا الشخص أن یدعی أنّه نبیّ صادق ومع ذلک یکذب هذه الکذبة المفضوحة والمکشوفة؟ خاصة أنّ هذه الآیات نزلت فی مکّة، مهد نشأة النّبی(صلى الله علیه وآله) وکذلک فی قبال الأعداء الألدّاء الذین لا تخفى علیهم أقل نقطة ضعف!!.

وفی الآیة التالیة علامة اُخرى أیضاً على حقانیة القرآن، إذ تقول: (بل هو آیات بیّنات فی صدورالذین أوتوا العلم).

والتعبیر بـ«الآیات البینات» کاشف عن هذه الحقیقة وهی أنّ دلائل حقانیة القرآن تتجلى بنفسها عیاناً، وتشرق فی أرجائه، فدلیلها معها.

وفی الحقیقة، إنّها مثل الآیات التکوینیة التی تجعل الإنسان یذعن بحقیقتها عند مطالعتها دون حاجة إلى شیء آخر، هذه الآیات التشریعیة ـ أیضاً ـ من حیث ظاهرها ومحتواها کذلک، إذ هی دلیل على صدقها.

ثمّ بعد هذا کلّه، فإنّ أتباع هذه الآیات وطلابها المشدودة قلوبهم إلیها هم أولوا العلم والإطلاع، بالرغم من أن أیدیهم خالیة وأرجلهم حافیة!.

وبتعبیر أوضح: إنّ واحداً من طرق معرفة أصالة مذهب ما دراسة حال المؤمنین به، فإذا کان الجهال المحتالون قد التفوا حول الشخص، فهو أیضاً من نسیجهم، ولکن إذا کان من التفّ حول الشخص هم الذین امتلأت صدورهم بأسرار العلوم وهم أوفیاء له، فیکون هذا الأمر دلیلا على حقانیة ذلک الشخص، ونحن نرى أنّ جماعة من علماء أهل الکتاب، ورجالا متقین أمثال أبی ذر وسلمان والمقداد وعمار بن یاسر، وشخصیة کبیرة کعلی بن أبی طالب(علیه السلام)، هم حماة هذا المبدأ.

وفی روایات کثیرة منقولة عن أهل البیت(علیهم السلام)، إنّ المراد بالذین أوتوا العلم هم الأئمّة من أهل البیت(علیهم السلام) وطبعاً... فلیس هذا المعنى منحصراً فیهم، بل هم المصداق الجلی لهذه الآیة(6).

وإذا ما لاحظنا أنّ بعض الرّوایات تصرّح أنّ المراد من هذه العبارة المتقدمة هم الأئمّة(علیهم السلام)، فإنّ ذلک فی الحقیقة إشارة إلى المرحلة الکاملة لعلم القرآن الذی عندهم، ولا یمنع أن یکون للعلماء... بل لعامّة الناس الذین لهم نصیب من الفهم، أن یحظوا بقسط من علوم القرآن أیضاً.

کما أنّ هذه الآیة تدلّ ضمناً على أن العلم لیس منحصراً بالکتاب، أو بما یلقیه الأستاذ على تلامیذه... لأنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) ـ طبقاً لصریح الآیات المتقدمة ـ لم یدرس فی مدرسة ولم یکتب من قبل کتاباً... إلاّ أنّه کان خیر مصداق للذین «أوتوا العلم».

فإذاً فما وراء العلم «الرسمی» الذی نعهده، علم أوسع وأعظم، وهو علم یأتی من قبل الله تعالى على شکل نور یقذف فی قلب الإنسان، کما ورد فی الحدیث «العلم نور یقذفه الله فی قلب من یشاء». وهذا هو جوهر العلم، أمّا ما سواه فهو الصدف والقشر!

وتُختتم الآیة بقوله تعالى: (وما یجحد بآیاتنا إلاّ الظالمون)... لأنّ دلیلها واضح، فالنّبی الأمیّ الذی لم یقرأ ولم یکتب، هو الذی جاء بها... والعلماء المطلعون هم المؤمنون بها.

ثمّ بعد هذا کلّه، فإنّ الآیات نفسها مجموعة من الآیات البینات «کلمات ذوات محتوى جلی مشرق».

وقد وردت علائمها فی الکتب المتقدمة.

ومع کل هذا ترى هل ینکر هذه الآیات إلاّ الذین ظلموا أنفسهم وظلموا مجتمعهم «ونکرر أن التعبیر بـ «بالجحد» یکون فی مورد ما لو أنّ الإنسان یعتقد بالشیء وینکره على خلاف ما یعلمه»!.


1. «التی» هنا صفة لموصوف محذوف تقدیره الطریقة أو ما شاکلها.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 163.
3. یس، 79 و 80.
4. قال بعض المفسّرین: إنّ جملة (الذین آتیناهم الکتاب) إشارة إلى المسلمین، وجملة (من هؤلاء من یؤمن به) إشارة إلى أهل الکتاب، إلاّ أنّ هذا التّفسیر بعید ـ کما یبدو ـ جدّاً لأنّ التعبیر بـ (الذین آتیناهم الکتاب)وما شابهه لم یأت فی القرآن ـ بحسب الظاهر ـ إلاّ فی خصوص الیهود والنصارى.
5. قال الراغب فى مفرادته: «الجحود نفى ما فى القلب اثباته و اثبات مافى القلب نفیه».
6. هذه الرّوایات وردت فی تفسیر البرهان، ج 3، ص 254 فما بعد بشکل مفصل.
سورة العنکبوت / الآیة 46 ـ 49 1ـ الرّسول الأمی(صلى الله علیه وآله)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma