المواهب الإلهیة العظیمة لداود:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة سبأ / الآیة 10 ـ 11 سورة سبأ / الآیة 12 ـ 14

بناء على ما مرّ ذکره فی آخر المجموعة السابقة من الآیات وما قلناه حول «العبد المنیب» والثواب، ولعلمنا بأنّ هذا الوصف قد ذکر للنبىّ داود(علیه السلام) فی الآیة 24 من سورة ص ـ کما سیرد شرحه بإذن الله ـ فالأفضل من أن نتعرّض لجانب من حیاة هذا النّبی(علیه السلام) کمثال للإنابة والتوبة وإکمال البحث السابق، وهی أیضاً تنبیه لکل من یغمط نعم الله ویتناساها، ویتخلّى عن عبودیته لله عند جلوسه على مسند القدرة والسلطة.

فی الآیة الاُولى یقول تعالى: (ولقد آتینا داود منّا فضل).

مفردة «فضل» ذات معنى وسیع، یشمل کلّ المواهب التی تفضّل الله بها على داود، وزادها التنکیر سعة ودلّل على عظمة تلک المواهب.

فقد شُمل داود بالمواهب العظیمة سواء من الناحیة المادیة أو المعنویة، وقد تعرّض القرآن الکریم مراراً لذکرها.

ففی موضع یقول تعالى: (ولقد آتینا داود وسلیمان علماً وقالا الحمد لله الذی فضّلنا على کثیر من عباده المؤمنین).(1)

وفی موضع آخر یقول تعالى على لسان داود: (یاأیّها الناس عُلِّمنا منطق الطیر واُوتینا من کلّ شیء إنّ هذا لهو الفضل المبین).(2)

وسترد ضمن حدیثنا حول آخر هذه الآیات، معجزات مختلفة تمثّل جزءاً من هذا الفضل العظیم، وکذلک الصوت الباهر، والقدرة العالیة على القضاء العادل التی اُشیر إلیها فی سورة (ص) تمثّل لوناً آخر من ذلک الفضل الإلهی، وأهمّ من ذلک کلّه النبوّة والرسالة التی شُرِّف بها داود(علیه السلام).

وعلى کلّ حال، فبعد هذه الإشارة الإجمالیة العامّة، تبدأ الآیة بشرح وتوضیح جوانب من الفضائل المعنویة والمادیة التی تمتّع بها داود، فیقول تعالى: (یاجبال أوّبی معه والطیر).

کلمة «أوّبی» فی الأصل من «التأویب» بمعنى الترجیع وإعادة الصوت فی الحلق، وهذا الأصل یستعمل أیضاً بمعنى «التوبة» لأنّ حقیقتها الرجوع إلى الله.

ومع أنّ کلّ ذرّات الوجود تذکر الله وتسبّح بحمده، سواء أسَبَّحَ داود (علیه السلام) معها أو لم یسبّح، ولکن المیزة التی خُصّ بها داود هی أنّه ما إن یرفع صوته ویبدأ التسبیح، إلاّ ویظهر ما کان خفیّاً وکامناً فی الموجودات، وتتبدل الهمهمة الباطنیة إلى نغمة علنیة منسجمة، کما ورد فی الروایات من تسبیح الحصاة فی ید الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله).

وقد ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام) عند ذکره لقصّة داود: «إنّه خرج یقرأ الزبور، وکان إذا قرأ الزبور لا یبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلاّ أجابه»(3).

وبعد ذکر هذه الفضیلة المعنویة، تذکر الآیة فضیلة مادیة اُخرى فتقول: (وألنّا له الحدید).

یمکن القول، بأنّ الله تعالى علّم داود ـ إعجازاً ـ ما استطاع بواسطته تلیین الحدید حتى یمکنه من صنع أسلاک رقیقة وقویة لنسج الدروع منها، أو أنّه کان قبل داود یستفاد من صفائح الحدید لصناعة الدروع والإفادة منها فی الحروب، ممّا کان یسبّب حرجاً وإزعاجاً للمحاربین نتیجة ثقل الحدید من جهة، وعدم قابلیة تلک الدروع للإنحناء أو الإلتواء حین إرتدائها، ولم یکن أحدٌ قد استطاع حتى ذلک الیوم نسج الدروع من أسلاک الحدید الرفیعة المحکمة، لیکون لباساً یمکن إرتداؤه بسهولة والإفادة من قابلیته على التلوّی والإنحناء مع حرکة البدن برقّة وانسیاب(4).

ولکن ظاهر الآیة یدلّل على أنّ لیونة الحدید تمّت لداود بأمر إلهی، فما یمنع الذی أعطى لفرن النار خاصیة إلانة الحدید، أن یعطی هذه الخاصیة لداود بشکل آخر، وقد أشارت بعض الروایات أیضاً إلى هذا المعنى.

فقد روی عن الإمام الصادق(علیه السلام)، أنّه قال: «إنّ الله أوحى إلى داود: نعم العبد أنت إلاّ أنّک تأکل من بیت المال، فبکى داود أربعین صباحاً، فألان الله له الحدید، وکان یعمل کلّ یوم درعاً فیبیعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستّین درعاً فباعها بثلاثمائة وستّین ألفاً فاستغنى عن بیت المال»(5).

صحیح أنّ بیت المال یؤمّن مصارف الأشخاص الذین یقدّمون خدمة مجانیة للاُمّة، ویتحمّلون الأعباء التی لایتحمّلها غیرهم، ولکن ما أروع أن یستطیع الإنسان تقدیم هذه الخدمة، وتأمین معاشه ـ فی حال الاستطاعة ـ من کدّ یمینه، وداود(علیه السلام) أراد أن یکون ذلک العبد الممتاز.

على کلّ حال، فإنّ داود وجّه هذه القدرة التی وهبها إیّاه الله فی أفضل الطرق وهی صناعة وسائل الجهاد والدفاع ضدّ الأعداء، ولم یحاول الإستفادة منها فی صناعة وسائل الحیاة العادیة، وعلاوة على الاستفادة من دخله منها فی تصریف اُمور حیاته المعاشیة البسیطة، فقد هیّأ جزءاً منه للإنفاق على المحتاجین(6). وفوق کلّ هذا، فقد کان عمله بحدّ ذاته معجزة ارتبطت به.

نقل بعض المفسّرین قال: «حُکی أنّ لقمان حضر داود عند أوّل درع عملها فجعل یتفکّر فیها ولا یدری ما یرید، ولم یسأله حتى فرغ منها ثمّ قام فلبسها وقال: نعم جُنة الحرب هذه، فقال لقمان: الصمت حکمة وقلیل فاعله!»(7).

الآیة التی بعدها تتعرّض لشرح صناعة داود للدروع والأمر الإلهی العمیق المعنى بهذا الخصوص، یقول تعالى: (أن اعمل سابغات وقدّر فی السرد).

«سابغات»: جمع (سابغ) وهو الدرع التامّ الواسع، و«إسباغ النعمة» أیضاً بمعنى توسیعها.

«سرد»: فی الأصل بمعنى حیاکة ما یخشن ویغلظ کنسج الدرع وخرز الجلد، واستعیر لنظم الحدید، وجملة (وقدّر فی السرد)معناها مراعاة المقاییس المتناسبة فی حلقات الدرع وطریقة نسجها، وفی الواقع فإنّ الله تعالى قد أمر داود بأن یکون مثالا یحتذى لکل الحرفیین والعمّال المؤمنین فی العالم، بمراعاته للإتقان والدقّة فی العمل من حیث الکمّ والکیف فی المصنوعات، لیستطیع بالتالی مستهلکوها استعمالها براحة وبشکل جیّد، والإفادة من متانتها.

یقول تعالى لداود: أن اصنع الدروع واسعة ومریحة، حتى لا تکون سجناً للمقاتل وقت إرتدائها... لا تجعل حلقاتها صغیرة وضیّقة أکثر من اللازم فتفقد بذلک خاصیّة الإنثناء والتطوّی، ولا کبیرة إلى درجة یمرّ منها حدّ السیف والخنجر والسنان، فکلّ شیء یجب أن یکون ضمن مقیاس معیّن وتناسب محدّد.

الخلاصة: هی أنّ الله تعالى قد قیّض لداود «المادّة» بمقتضى (وألنّا له الحدید).

وکذلک علّمه بطریقة تحویلها وصناعتها، حتى یکون الناتج کاملا باجتماع «المادّة» و«الصورة».

ثمّ تُختم الآیة بخطاب لداود وأهل بیته (واعملوا صالحاً إنّی بما تعملون بصیر).

ویلاحظ أنّ المخاطب کان فی صدر الآیة داود وحده، بینما تحوّل الخطاب فی آخر الآیة لیشمل داود وأهل بیته أو داود وقومه، ذلک لأنّ هذه الاُمور مقدّمة للعمل الصالح، فالهدف لیس صناعة الدروع وتحقیق الربح، بل إنّ ذلک کلّه وسیلة فی المسیر باتّجاه العمل الصالح، ولیستفید أیضاً داود وأهل بیته، وإحدى خصائص العمل الصالح هی مراعاة الدقّة الکافیة فی الصناعات من کلّ الجوانب وتقدیم نتاج کامل ومفید خال من أی عیب أو تقصیر.

ومن المحتمل أیضاً أن یکون الخطاب لداود وکلّ من تحقّقت له الاستفادة من جهده ونسیجه، إشارة إلى أنّ هذه الوسیلة الدفاعیة ینبغی أن تستخدم فی طریق العمل الصالح، ولیس فی طریق المعاصی والجور والظلم.


1. النمل، 15.
2. النمل، 16.
3. تفسیر المیزان، ج 16، ص 390.
4. اُنظر تفسیر البرهان، ج 3، ص 343، وتفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 315.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 8 ص 381، ذیل الآیة مورد البحث.
6. راجع تفسیر روح الجنان، ج 9، ص 192.
7. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 382، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة سبأ / الآیة 10 ـ 11 سورة سبأ / الآیة 12 ـ 14
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma