1ـ التوحید باعث داخلی قوی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
التّفسیر2ـ فطرة التوحید فی الأحادیث الإسلامیة

کما أنّ الدلائل العقلیة والمنطقیة توجّه الإنسان، فإنّ فی داخله دوافع وموانع أیضاً.. بحیث تعین له الجهة «أحیاناً» من حیث یدری أو لا یدری!

وفلسفة وجودها فی داخل الإنسان، هی أنّ الإنسان لا یستطیع ـ دائماً ـ أن ینتظر إیعاز العقل والمنطق، لأنّ هذا العمل قد یعطل الأهداف «الحیاتیة» بعض الأحیان.

فمثلا لو أراد الإنسان أن یستلهم من منطق «لزوم بدل ما یتحلل» ضرورة تناول الطعام.. أو «لزوم استمرار النسل عن طریق التوالد والتناسل» ضرورة الممارسة الجنسیة، وأن یعمل ویتحرک وفق المنطق فی کل ذلک، لکان ینبغی أن ینقرض الإنسان ـ قبل هذا الزمان بکثیر ـ إلاّ أنّ الغریزة الجنسیة من جهة وجاذبیتها، والإشتهاء للطعام من جهة اُخرى، یجرانه نحو هذا الهدف شاء أم أبى. وکلما کانت الأهداف حیاتیةً أکثر وعمومیة، کانت هذه «الدوافع» أشدّ وأقوى أیضاً.

لکن ینبغی الإلتفات إلى أنّ هذه الدوافع على نحوین:

فبعضها باطنیة (غیر واعیة) لا تحتاج إلى وساطة العقل والشعور، کما ینجذب الحیوان نحو الطعام والجنس دون الحاجة إلى التفکیر.

وقد یکون تأثیر الدوافع عن طریق الوعی، أی إنّ هذه الدوافع الداخلیة تترک أثرها فی العقل والتفکیر وتدفعه إلى انتخاب الطریق!

وعادة یطلق على النوع الأوّل من هذه الدوافع «الغریزة» وعلى النوع الثّانی «الفطرة» (فلاحظوا بدقّة).

عبادة الله والإتجاه نحوه لهما مکانه فی نفوس جمیع الناس، وهو ما یصطلح علیه بـ «الفطرة».

ویمکن أن یعدّ بعض الناس هذا الکلام ادعاءً محضاً، یدّعیه المؤمنون، إلاّ أنّ لدینا دلائل وشواهد مختلفة توضح بجلاء کون «المیل إلى الله» فطریاً، بل تؤکّد هذا المیل فی جمیع اُصول الدین وأبعاده:

إنّ دوام الإعتقاد الدینی والإیمان بالله على إمتداد التاریخ البشری بنفسه دلیل على الفطرة! لأنّه إذا کان ذلک على سبیل العادة، لما کانت له جنبة عمومیة ولا جنبة دائمیة، فهذا العموم وهذا الدوام دلیل على فطریة الحالة.

یقول المؤرخون الکبار: لم یُر فی المجتمعات الإنسانیة فی أعماق التاریخ البشری، وفی عصر ما قبل التاریخ أن اقواماً بشریة عاشت بلا دین إلاّ بشکل استثنائی.

ویقول «ویل دورانت» المؤرخ المعاصر:

«إذا عرّفنا الدین على أنّه عبادة القوى التی هی أسمى من الطبیعة، فینبغی أن نأخذ بنظر الإعتبار هذه المسألة الدقیقة، وهی أن بعض الاُمم البدائیة لم یکن لها أی دین ظاهراً» ثمّ یضیف بعد ذکر أمثلة لهذا الموضوع: فما ذکر من الأمثلة هو فی عداد الحالات النادرة، والرأی القائل: التدین یشمل عموم أفراد البشر، یوافق الحقیقة»!

ثمّ یضیف قائلا: «تعدّ هذه القضیة فی نظر الفیلسوف واحدة من القضایا الأساسیة فی التاریخ والدراسات النفسیّة، فهو لا یقنع بهذه المسألة: إنّ جمیع الأدیان محشوّة بالباطل واللغو والخرافات، بل هو ملتفت إلى هذه المسألة، وهی أنّ الدین منذ قدیم الأیّام کان مرافقاً للتاریخ البشری»(1).

ویختتم کلامه بهذا الاستفهام الکبیر معنىً ومغزى «ترى أین هو مصدر التقوى التی لا یخلوا القلب منها بأی وجه»؟!

وهذا المؤرخ نفسه یقول فی تحقیقاته حول وجود الدین فی فترات ما قبل التاریخ «وإذا لم نتصور للدین جذوراً فی فترات ما قبل التاریخ، فلا یمکن أن نعرفها فی الفترة التاریخیة کما هی علیه»(2).

والتنقیبات عن إنسان ما قبل التاریخ التی تمت عن طریق الحفر، تؤید هذا الموضوع أیضاً، کما یصرح بذلک العالم الإجتماعی «ساموئیل کنیج» فی کتابه «دراسة المجتمع»: إنّ الأسلاف الماضین للإنسان المعاصر «ممن ینتمون إلى إنسان نئاندرتال» کان لدیهم دین حتماً، ویستدلّ بعدئذ لإثبات هذا الموضوع بالآثار التی عثر علیها عن طریق التنقیب والحفر، ومنها أنّهم کانوا یدفنون موتاهم بکیفیة خاصة، ویدفنون معهم أشیاء تدل على اعتقادهم بیوم القیامة».(3)

وعلى کل حال، فإنّ فصل الدین عن التاریخ البشری لا یمکن أن یقبله أی محقق وباحث.

إنّ المشاهدات عیاناً فی العالم المعاصر تکشف أنّه مع جمیع ما بذل الطغاة والمستبدون ـ وأنظمتهم الجائرة من جهود وسعی لمحو الدین وآثاره وعن طرق مختلفة ـ لم یستطیعوا أن یستأصلوا الدین وجذوره من أعماق هذه المجتمعات.

ونعرف جیداً أنّ الحزب الشیوعی الحاکم فی الإتحاد السوفیاتی، ومنذ أکثر من ستین سنة، وبوسائل الإعلام و«الدعایات» المختلفة، حاول أن یغسل الأذهان والعقول والقلوب من الإعتقادات الدینیة مستعیناً بالخلایا التنظیمیة الجماعیة، إلاّ أنّ الأخبار التی تسربت وتهربت من ذلک المحیط المغلق، وما نقرؤه فی الصحف والجرائد، تکشف أنّهم «أی الحزب الحاکم فی روسیا» مضافاً إلى عدم تحقیقهم هدفهم بالرغم من تشددهم فی وسائل الإعلام، فإنّه تبدو هذه الأیّام حالة من التطلع المتزاید إلى المسائل الدینیة فی بعض الدول الاشتراکیة وجمهوریات روسیا ممّا أقلق قادة النظام، وهذا یدل على أنّه لو رفعوا الضغوط ولو یوماً واحداً، لعاد الدین إلى مکانه بسرعة فائقة، وهذا بنفسه شاهد آخر على فطریة الدافع الدینی أیضاً.

الکشوفات الأخیرة من قبل النفسانیین وعلماء النفس فی مجال أبعاد الروح الإنسانیة، شاهد آخر على هذا المدعى، إذ أنّهم یقولون: «إنّ التحقیقات فی المجالات النفسیّة تشیر إلى بعد أصیل هو «البعد الدینی» أو بتعبیر آخر «بعد قدسی» أو «ربانی» وربّما عدّوا هذا البعد أساساً للأبعاد الثلاثة الاُخرى وهی «البعد العلمی»، و«البعد الجمالی»، و«البعد الخیّر».

إذ یدّعون بأنّ البواعث الأساسیة للروح البشریة هی هذه:

دافع البحث عن الحقیقة (الشعور العلمی) وهو مصدر أنواع العلوم، والأهداف التحقیقیة المستمرة، والمتابعات فی معرفة عالم الوجود!

حس «الإحسان والعمل الصالح» الذی یجذب الإنسان نحو المفاهیم الأخلاقیة کالتضحیة والإیثار والعدل والشهامة وأمثالها. حتى أنّه لو کان الإنسان غیر واجد لهذه الصفات، فإنّه یعشق من تتوفر فیهم هذه الصفات، وهذا یدل على أن العشق للعمل الصالح والإحسان کامن فی جذور النفس.

الحس «الجمالی»: وهو یجذب الإنسان نحو الفن الأصیل والأدب والمسائل الذوقیة، وربّما أصبح مصدر التحول فی حیاة الفرد أو المجتمع أحیاناً.

الحس «الدینی»، أی الإیمان بمبدأ عال وعبادته واتّباعه.

ونقرأ فی مقالة کتبها «کوونتایم» فی هذا المجال مایلی:

«إنّ معرفة النفس بالبحث داخل النفس البشریة غیر الواعیة ـ التی بوشر بها بواسطة فروید «فی البدایة» استمرّت بالإستعانة بـ«آدلر» و«یونک» ـ فی أعماق روح الإنسان وصلت إلى عالم جدید من القوى المستورة، وأنحاء الدرک والمعرفة وراء العقل، ویمکن أن یکون الحسّ الدینی مفتاحاً من مفاتیح حل هذه الأحجیة.

وبالرغم من أنّنا بعیدون للآن عن اتفاق الآراء، إلاّ أنّه ومع هذه الحال فما یزال «مسیر فکری» فی ازدیاد یوماً بعد یوم، إذ یعتقد کثیر من المفکرین بالتعریف الذی نورده ذیلا:

«إنّ الحس الدینی واحد من العناصر الأولیة الثابتة والطبیعیة لروح الإنسان، وهو أکثرها أصالة وما هویّة، ولا یمکن مطابقته لأی من الأحساسیس والدوافع الاُخرى، حیث یمدّ جذوره إلى أعماق اللاوعی ویعدّ «المفهوم الدینی» أو بتعبیر أصح «المفهوم المقدس» بالنسبة لمفاهیم الجمال والإحسان والحقیقة، مقولة رابعة، ولها أصالة المفاهیم الثلاثة ذاتها واستقلالها أیض(4).

کما نقرأ فی المقالة المترجمة المقتبسة عن المحقق «تان کی دو ـ کنتن» ما یلی «کما أن من مزایا العصر الحاضر ـ فی عالم الطبیعة ـ هو اکتشاف البعد الرابع، الذی أطلق علیه اسم «بعد» الزمان مضافاً إلى الأبعاد الثّلاثة للجسم، وهو فی الوقت ذاته جامع لها، فکذلک اکتشفت فی هذا العصر المقولة الرابعة «المقدسة» أو المقولة الإلهیّة «الربانیة» بموازاة المفاهیم الثلاثة «الجمال، الإحسان، طلب الحقیقة» وهی البعد الرّابع لروح الإنسان، ففی هذا المقام أیضاً فان هذا البعد الرّابع الروحی منفصل عن الأبعاد الثلاثة الاُخرى، وربّما کان هذا البعد منشأ ولادة الأبعاد الثلاثة الاُخرى»(5).

إن التجاء الإنسان فی الشدائد والمحن إلى قوة خفیة وراء الطبیعة، وطلب حل المشاکل والازمات من قبل هذه القوة، لهو أیضاً شاهد آخر على أصالة هذا الدافع الباطنی والإلهام الفطری، ویمکن ـ بضمها إلى مجموع الشواهد التی ذکرناها آنفاً ـ أن توقفنا على مثل هذا الدافع الباطنی فی داخلنا نحو الله سبحانه.

وبالطبع فمن الممکن أن یعدّ بعضهم هذا التوجه من آثار التلقینات أو الإعلام الدینی فی المحیط الإجتماعی المتدین!

إلاّ أن عمومیة هذه الظواهر فی جمیع الناس، حتى فی اُولئک الذین لا علاقة لهم بالمسائل الدینیة عادةً، تدلّ على أن لها جذراً أعمق من هذه الفرضیة.

وفی حیاة الإنسان حوادث وظواهر لا یمکن تفسیرها إلاّ عن طریق أصالة الحسّ الدینی... فکثیر من الناس نجدهم قد ضحوا بجمیع ما لدیهم من الإمکانات المادیة، ولا یزالون یضحون أیضاً، ویصبّون کل ما عندهم مع ما لدیهم من سوابق تحت قدم الدین، وربّما قدّموا أنفسهم فی سبیله أیضاً.

الشهداء الذین شربوا کأس الشهادة ـ من أجل تقدم الأهداف الإلهیّة وتحقّقها ـ بشوق وعشق بالغین، بحیث نرى أمثالهم فی تاریخ جهاد الإسلام الطویل، بل فی تأریخ الأمم الاُخرى أیضاً، یکشفون عن هذه الحقیقة، وهی أنّ الحس الدینی له جذر عمیق فی روح الإنسان.

لکن قد یرد على هذا الکلام إشکال، وهو أنّ أفراداً ـ کالشیوعیین مثلا ـ لهم موقع إلحادىّ ـ ضد الأیدلوجیة والدین ـ ولا یکتمون موقعهم هذا أبداً... کما أنّ لهم مواقف تضحویة فی سبیل حفظ فکرتهم واعتقادهم!

إلاّ أنّ هذا الإشکال ینحل تماماً بملاحظة هذه المسألة، وهی أنّه حتى الشیوعیون الذین ینفون الدین کلیّاً ـ بحسب الظاهر ـ ویعتقدون أنّ الدین مرتبط بالتاریخ القدیم، ولا یمکن أن یکون له مکان فی المجتمعات الشیوعیة... أجل، إنّ هؤلاء أنفسهم قد قبلوا بالدین بشکل آخر عن طریق العقل الباطنی «واللاوعی».

فهم یقدّسون زعماءهم وقادتهم بالنظرة التی ینظرها المصریون القدماء أوثانهم، وصفوفهم الطویلة عند جسد «لینین» لزیارته هی شاهد آخر على هذا الموضوع أیضاً.

وهم عادة یعتبرون الأصول المارکسیة کوحی السماء لا تقبل النقد والخدش، فهی مقدّسة عندهم، ویتصورون أن مارکس ولینین وأنجلس کالمعصومین من الأخطاء والسهو، ویعدون مراجعة العقل لاتخاذ موقف جدید من هذه الأصول ذنباً لا یغتفر أبداً.. ویخاطبون مخالفیهم بتعبیرنا الدینی على أنّهم «مرتدون» وعلى هذا فهم یعتقدون بکثیر من المفاهیم والمسائل الدینیة، غایة ما فی الأمر هو أن تفکیر هم نوع من الفکر الدینی فی شکل منحرف!


1. تاریخ التمدن، ج 1، ص 87 ـ 89.
2. المصدر السابق، ص 156.
3. دراسة المجتمع، ص 192 أصله بالفارسیة وعنوانه جامعه شناسی.
4. یراجع کتاب الحسّ المذهبی أو البعد الرّابع ترجمة المهندس البیانی (للکاتب کوونتایم).
5. یراجع کتاب الحسّ المذهبی أو البعد الرّابع ترجمة المهندس البیانی (للکاتب کوونتایم)، ص 39، الطبعة الثّانیة.
التّفسیر2ـ فطرة التوحید فی الأحادیث الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma