المنافقون فی عرصة الأحزاب:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الأحزاب / الآیة 12 ـ 17 سورة الأحزاب / الآیة 18 ـ 20

فار تنوّر امتحان حرب الأحزاب، وابتلی الجمیع بهذا الامتحان الکبیر العسیر، ومن الواضح أنّ الناس الذین یقفون ظاهراً فی صفّ واحد فی الظروف العادیة، ینقسمون إلى صفوف مختلفة فی مثل هذه الموارد المضطربة الصعبة، وهنا أیضاً انقسم المسلمون إلى فئات مختلفة: فمنهم المؤمنون الحقیقیون، وفئة خواصّ المؤمنین، وجماعة ضعاف الإیمان، وفرقة المنافقین، وجمع المنافقین العنودین المتعصّبین، وبعضهم کان یفکّر فی بیته وحیاته والفرار، وجماعة کانوا یسعون إلى صرف الآخرین عن الجهاد، والبعض الآخر کان یسعى إلى تحکیم أواصر الودّ مع المنافقین.

والخلاصة: فإنّ کلّ واحد قد أظهر أسراره الباطنیة وما ینطوی علیه فی هذه القیامة العجیبة، وفی یوم البروز هذا.

کان الکلام فی الآیات السابقة عن جماعة المسلمین ضعفاء الإیمان، والذین وقعوا تحت تأثیر الوساوس الشیطانیة والظنون السیّئة، وتعکس اُولى الآیات مورد البحث مقالة المنافقین ومرضى القلوب، فتقول: (إذ یقول المنافقون والذین فی قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غرور).

جاء فی تاریخ حرب الأحزاب: أنّه خلال حفر الخندق، وبینما کان المسلمون مشغولین بحفر الخندق، إصطدموا بقطعة حجر کبیرة صلدة لم یؤثّر فیها أی معول، فأخبروا النّبی(صلى الله علیه وآله)بذلک، فأتى بنفسه إلى الخندق ووقف إلى جنب الصخرة، وأخذ المعول، فضرب الحجر أوّل ضربة قویّة فانصدع قسم منه وسطع منه برق، فکبّر النّبی(صلى الله علیه وآله) وکبّر المسلمون.

ثمّ ضرب الحجر ضربة اُخرى فتهشّم قسم آخر وظهر منها برق، فکبّر النّبی وکبّر المسلمون، وأخیراً ضرب النّبی ضربته الثالثة، فتحطّم الباقی من الحجر وسطع برق، فکبّر النّبی(صلى الله علیه وآله) ورفع المسلمون أصواتهم بالتکبیر، فسأل سلمان النّبی عن ذلک فقال(صلى الله علیه وآله): «أضاءت الحیرة وقصور کسرى فی البرقة الاُولى، وأخبرنی جبرئیل أنّ اُمّتی ظاهرة علیها، وأضاء لی فی الثّانیة القصور الحمر من أرض الشام والروم، وأخبرنی أنّ اُمّتی ظاهرة علیها، وأضاء لی فی الثالثة قصور صنعاء، وأخبرنی أنّ اُمّتی ظاهرة علیها، فأبشروا» فاستبشر المسلمون.

فنظر المنافقون إلى بعضهم وقالوا: ألا تعجبون؟ یعدکم الباطل ویخبرکم أنّه ینظر من یثرب إلى الحیرة ومدائن کسرى وأنّها تفتح لکم، وأنتم لا تستطیعون أن تبرزوا؟ فأنزل الله: (وإذ یقول المنافقون والذین فی قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غرور)(1).

والحقّ أنّ مثل هذه الأخبار والبشارات اعتبرها المنافقون فی ذلک الیوم خدعة وغروراً، إلاّ أنّ عین النّبی(صلى الله علیه وآله) الملکوتیة کانت قادرة على رؤیة فتح أبواب قصور ملوک ایران والروم والیمن من خلال الشرر المتطایر من ذلک الحجر، ویبشّر هذه الاُمّة المضحیّة التی حملت القلوب على الأکفّ، ویزیح الستار عن أسرار المستقبل.

وربّما لا نحتاج إلى التذکیر بأنّ المراد من (الذین فی قلوبهم مرض) هم المنافقون، وذکر هذه الجملة توضیح فی الواقع لکلمة «المنافقین» التی وردت من قبل، وأیّ مرض أسوأ وأضرّ من مرض النفاق؟! لأنّ الإنسان السلیم الذی له فطرة إلهیّة سلیمة لیس له إلاّ وجه واحد، أمّا اُولئک الذین لهم وجهان أو وجوه متلوّنة عدیدة فإنّهم مرضى، حیث إنّهم مبتلون دائماً بالإضطراب والتناقض فی الأقوال والأفعال.

والشاهد لهذا الأمر ما ورد فی بدایة سورة البقرة فی وصف المنافقین، حیث تقول: (فی قلوبهم مرض فزادهم الله مرض).(2)

ثمّ تتطرّق الآیة الاُخرى إلى بیان حال طائفة اُخرى من هؤلاء المنافقین مرضى القلوب، والذین کانوا أخبث وأفسق من الباقین، فمن جانب تقول الآیة عنهم: واذکر إذ قالت مجموعة منهم للأنصار: یاأهل المدینة (یثرب) لیس لکم فی هذا المکان موقع فلا تتوقّفوا هنا وارجعوا إلى بیوتکم: (وإذ قالت طائفة منهم یاأهل یثرب لا مقام لکم فارجعو).

وخلاصة الأمر أنّکم لا تقدرون على عمل أیّ شیء فی مقابل جحفل الأعداء اللجب، فانسحبوا من المعرکة ولا تلقوا بأیدیکم إلى التهلکة وبنسائکم وأطفالکم إلى ذلّ الأسر، وبذلک کانوا یریدون أن یعزلوا الأنصار عن جیش الإسلام.

ومن جانب آخر: (ویستأذن فریق منهم النّبی یقولون إنّ بیوتنا عورة وما هی بعورة إن یریدون إلاّ فرار).

کلمة (عورة) مأخوذة من مادّة (عار)، وتقال للشیء الذی یوجب ظهوره العار، وتقال أیضاً للشقوق والثقوب التی تظهر فی اللباس أو جدران البیت، وکذلک للثغور الضعیفة والنقاط الحدودیة التی یمکن اختراقها وتدمیرها، وعلى ما یخافه الإنسان ویحذره، والمراد هنا البیوت التی لیس لها جدار مطمئن وباب محکم، ویخشى علیها من هجوم العدوّ.

والمنافقین بتقدیمهم هذه الأعذار کانوا یریدون الفرار من ساحة الحرب واعتزال القتال، واللجوء إلى بیوتهم.

وجاء فی روایة: أنّ طائفة «بنی حارثة» أرسلوا رسولا منهم إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) وقالوا: إنّ بیوتنا غیر مأمونة، ولیس هناک بیت من بیوت الأنصار یشبه بیوتنا، ولا مانع بیننا وبین «غطفان» الذین هجموا من شرق المدینة، فائذن لنا أن نرجع إلى بیوتنا وندافع عن نسائنا وأولادنا، فأذن لهم النّبی.(3)

فبلغ ذلک «سعد بن معاذ» کبیر الأنصار، فقال للنّبی(صلى الله علیه وآله): لا تأذن لهم، فإنّی اُقسم بالله أنّ هؤلاء القوم تعذّروا بذلک کلّما عرضت لنا مشکلة، إنّهم یکذبون، فأمر رسول الله(صلى الله علیه وآله) أن یرجعوا.

و «یثرب» هو الإسم القدیم للمدینة قبل أن یهاجر إلیها النّبی(صلى الله علیه وآله)، وبعد هجرته أصبح إسمها تدریجیاً «مدینة الرّسول»، ومخفّفها المدینة.

ولهذه المدینة أسماء عدیدة، ذکر لها الشریف المرتضى (رحمة الله علیه) أحد عشر إسماً آخر إضافةً إلى هذین الإسمین، ومن جملتها: طیبة، وطابة، وسکینة، والمحبوبة، والمرحومة، والقاصمة. ویعتقد البعض أنّ «یثرب» اسم لأرض هذه المدینة(4).

وجاء فی بعض الروایات أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) قال: «لا تسمّوا هذه المدینة یثرب» وربّما کان ذلک بسبب أنّ یثرب فی الأصل من مادّة «ثرب» (على وزن حرب) أی اللوم، ولم یکن النّبی (صلى الله علیه وآله)لیرضى مثل هذا الإسم لهذه المدینة المبارکة.

وعلى کلّ حال فإنّ خطاب المنافقین لأهل المدینة بـ (یاأهل یثرب) لم یکن خطاباً عشوائیاً، وربّما کان الباعث لخطابهم بهذا الإسم أنّهم کانوا یعلمون أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) یشمئز من هذا الإسم، أو أنّهم کانوا یریدون إعلان عدم اعترافهم بالإسلام واسم مدینة الرّسول، أو أن یعودوا بأهلها إلى مرحلة الجاهلیة!

وتشیر الآیة التالیة إلى ضعف إیمان هذه الفئة، فتقول: إنّ هؤلاء بلغ بهم ضعف الإیمان إلى درجة أنّ جیش الکفر لو دخل المدینة من کلّ جانب وصوب، واستولى علیها، ثمّ دعاهم إلى الشرک والکفر فسوف یقبلون ذلک ویسارعون إلیه: (ولو دخلت علهیم من أقطارها ثمّ سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبّثوا بها إلاّ یسیر).

من المعلوم أنّ اُناساً بهذا الضعف والتزلزل وعدم الثبات غیر مستعدّین للقاء العدوّ ومحاربته، ولا هم متأهّبون لتقبّل الشهادة فی سبیل الله، بل یستسلمون بسرعة ویغیّرون مسیرهم، وبناءً على هذا، فإنّ المراد من کلمة «الفتنة» هنا هی الشرک والکفر، کما جاء فی آیات القرآن الاُخرى، کالآیة 193 من سورة البقرة: غیر أنّ بعض المفسرین احتملوا أن یکون المراد من «الفتنة» هنا: الحرب ضدّ المسلمین، بحیث إنّها لو عرضت على هؤلاء المنافقین لأجابوا إلیها بسرعة، ویعینوا أصحاب الفتنة! إلاّ أنّ هذا التّفسیر لا یتلاءم مع ظاهر جملة: (ولو دخلت علیهم من أقطاره) وربّما اختار أکثر المفسّرین المعنى الأوّل لهذا السبب.

ثمّ یستدعی القرآن الکریم فئة المنافقین إلى المحاکمة، فیقول: (ولقد کانوا عاهدوا الله من قبل لا یولون الأدبار وکان عهد الله مسؤول) وعلیه فإنّهم مسؤولون أمام تعهّدهم.

وقال البعض: أنّ المراد من هذا العهد والمیثاق هو ذلک العهد الذی عاهد «بنو حارثة» علیه الله ورسوله یوم اُحد حینما قرّروا الرجوع عن میدان القتال ثمّ ندموا بعد ذلک، فقطعوا العهد على أنفسهم أن لا یرتکبوا مثل هذه الاُمور، إلاّ أنّهم فکّروا مرّة ثانیة فی معرکة الأحزاب فی نقض عهدهم ومیثاقهم(5).

ویعتقد البعض أنّه إشارة إلى العهد الذی عاهدوا به رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی غزوة بدر، أو فی العقبة قبل هجرة النّبی(6).

ولکن یبدو أنّ للآیة أعلاه مفهوماً واسعاً یشمل هذه العهود والمواثیق، وکلّ عهودهم الاُخرى.

إنّ کلّ من یؤمن ویبایع النّبی(صلى الله علیه وآله) یعاهده على أن یدافع عن الإسلام والقرآن ولو کلّفه ذلک حیاته.

والتأکید على العهد والمیثاق هنا من أجل أنّه حتى عرب الجاهلیة کانوا یحترمون مسألة العهد، فکیف یمکن أن ینقض إنسان عهده ویضعه تحت قدمیه بعد إدّعائه الإسلام؟

وبعد أن أفشى الله سبحانه نیّة المنافقین وبیّن أنّ مرادهم لم یکن حفظ بیوتهم، بل الفرار من میدان الحرب، یجیبهم بأمرین:

الأوّل: أنّه یقول للنّبی(صلى الله علیه وآله): (قل لن ینفعکم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذاً لا تمتّعون إلاّ قلیل).

فافرضوا أنّکم استطعتم الفرار، فلا یعدو الأمر حالین: إمّا أن یکون أجلکم الحتمیّ وموتکم قد حان، فأینما تکونوا یأخذ الموت بتلابیبکم، حتى وإن کنتم فی بیوتکم وبین زوجاتکم وأولادکم.

وإن لم یکن أجلکم قد حان فستعمّرون فی هذه الدنیا أیّاماً قلیلة اُخرى تکون مقترنة بالذلّ والهوان، وستصبحون تحت رحمة الأعداء وفی قبضتهم، وبعدها ستلقون العذاب الإلهی.

إنّ هذا البیان یشبه ما ورد فی غزوة اُحد، حیث أشار القرآن إلى فئة اُخرى من المنافقین المثبّطین للعزائم، والمفرّقین لوحدة الصفّ: (قل لو کنتم فی بیوتکم لبرز الذین کتب علیهم القتل إلى مضاجعهم).(7)

والثّانی: ألم تعلموا أنّ کلّ مصائرکم بید الله، ولن تقدروا أن تفرّوا من حدود حکومة الله وقدرته ومشیئته: (قل من ذا الذی یعصمکم من الله إن أراد بکم سوءاً أو أراد بکم رحمة ولا یجدون لهم من دون الله ولیّاً ولا نصیر).

بناءً على هذا، فإنّکم إذا علمتم أنّ کلّ مقدّراتکم بیده سبحانه، فأطیعوا أمره فی الجهاد الذی هو أساس العزّة والکرامة والشموخ فی الدنیا وعند الله، وحتى إذا تقرّر أن تنالوا وسام الشهادة فعلیکم أن تستقبلوا ذلک برحابة صدر.


1. الکامل لابن الأثیر، ج 2، ص 179، وورد هذا الحادث بتفاوت یسیر فی سیرة ابن هشام، وهو أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) قال: أمّا الاُولى فإنّ الله فتح علی بها الیمن، وأمّا الثّانیة فإنّ الله فتح علیّ بها الشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح علیّ بها المشرق. وهذا الترتیب ینسجم مع التسلسل التاریخی لفتح هذه المناطق الثلاث.
2. البقرة، 10.
3. تفسیر فى ظلال القرآن، ج 6، ص 554.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 346.
5. تفسیر القرطبی، وتفسیر فی ظلال القرآن، ذیل الآیات مورد البحث.
6. نقل هذا القول الآلوسی فی تفسیر روح المعانی.
7. آل عمران، 154.
سورة الأحزاب / الآیة 12 ـ 17 سورة الأحزاب / الآیة 18 ـ 20
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma