آیات الله فی الآفاق وفی الأنفس:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الروم / الآیة 20 ـ 22 سورة الروم / الآیة 23 ـ 25

تحدثت هذه الآیات ـ وبعض الآیات الأخر التی تلیها ـ عن طرائف ولطائف من دلائل التوحید، وآیات الله وآثاره فی نظام عالم الوجود، وهی تکمل البحوث السابقة، ویمکن القول بأنّ القسم المهم بشکل عام من آیات التوحید فی القرآن تمثله هذه الآیات!

هذه الآیات التی تبدأ جمیعها بقوله تعالى: (ومن آیاته) ولها وقع خاص ولحن بلیغ جاذب وتعبیرات مؤثرة وعمیقة، مجموعة من سبع آیات، ستٌ منها متتابعات، وواحدة منفصلة «وهی الآیة السادسة والأربعون».

هذه الآیات مقسمة تقسیماً طریفاً من حیث «آیات الآفاق» و«آیات الأنفس» إذ تتحدث ثلاث منها عن آیات الأنفس (دلائل الخالق فی وجود الإنسان نفسه) وثلاث منها عن آیات الآفاق (دلائل الخالق خارج وجود الإنسان) وواحدة من هذه الآیات تتحدث عن الآیات فی الأنفس وفی الآفاق معاً.

وممّا ینبغی الإلتفات إلیه أنّ الآیات التی تبدأ بهذه العبارة: (ومن آیاته) مجموعها إحدى عشرة آیة فحسب، فی سائر سور القرآن، سبع منها فی هذه السورة، واثنتان فی سورة فصلت الآیة 37 و39 وآیتان اُخریان فی سورة الشورى هما الآیة 29 و32 ـ

ومجموعها کما ذکرنا آنفاً إحدى عشرة لا غیر، وهی تشکل دورة متکاملة فی التوحید.

ویجدر التنبیهُ ـ قبل الدخول إلى تفسیر هذه الآیات ـ على هذه «اللطیفة» وهی أنّ ما أشار إلیه القرآن فی هذه الآیات، وإن کانت تبدو للنظر محسوسة وملموسة، یمکن أن یدرکها عامّة الناس، إلاّ أنّه مع تطور العلم وتقدمه تبدو للبشر لطائف جدیدة فی هذا المجال، وتتّضح للعلماء اُمور ذات أهمّیة کبرى، وسنشیر إلى قسم منها خلال تفسیرنا لهذه الآیات إن شاء الله.

ویتحدث القرآن هنا أوّلا عن خلقة الإنسان التی تعد أوّل موهبة إلهیّة له، وأهمهما أیضاً، فیقول: (ومن آیاته أن خلقکم من تراب ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون)!

فی هذه الآیة إشارة دلیلین من أدلة عظمة الله.

الأوّل: خلق الإنسان من التراب، وربّما کان إشارة إلى الخلق الأوّل للإنسان، أی آدم(علیه السلام)، أو خلق جمیع الناس من التراب، لأنّ المواد الغذائیة التی تشکل وجود الإنسان، جمیعها من التراب بشکل مباشرة أو غیر مباشر!

الثّانی: کثرة النسل «الآدمی» وانتشار أبناء «آدم» على سطح المعمورة، فلو لم تُخلق خصوصیة التناسل فی آدم، لإنطوى نسله من الوجود بسرعة!.

تُرى أین التراب وأین الإنسان بهذا الهندام والرشاقة؟!

فلو وضعنا خلایا وأستار العین التی هی أدق من ورق الزهور وألطف وأکثر حساسیة، وکذلک الخلایا الدقیقة للدماغ والمخ إلى جانب التراب وقارناهما بالقیاس إلى بعضهما البعض، نعرف حینئذ کم لخالق العالم من قدرة عجیبة، بحیث أوجد من مادة کدرة سوداء لا قیمة لها هذه الأجهزة الظریفة والدقیقة القیّمة.

فالتراب لیس فیه نور، ولا حرارة، ولا جمال، ولا طراوة، ولا حس، ولا حرکة ومع ذلک فقدأضحى عجینة الإنسان ولها جمیع هذه الصفات، فالذی أوجد من هذا الموجود المیت التافه موجوداً حیّاً عجیباً، لحقیق بکل حمد وثناء على هذه القدرة الباهرة والعلم المطلق (فتبارک الله أحسن الخالقین).(1)

والآیة محل البحث تبیّن ضمناً هذه الحقیقة، وهی أنّه لا تفاوت بین بنی الإنسان، ویعود جذرهم إلى شیء واحد، وأصل واحدة وهو التراب وبالطبع فنهایتهم إلى ذلک التراب أیضاً.

وممّا ینبغی الإلتفات إلیه، أن کلمة «إذا» تستعمل فی لغة العرب فی الموارد الفجائیة ولعل هذا التعبیر هنا إشارة إلى أنّ الله له القدرة البالغة على أن یخلق مثل آدم أعداداً هائلة بحیث ینتشر نسلها فی فترة قصیرة ـ فجأةً ـ ویملأ سطح الأرض.. ویکون مجتمعاً إنسانیّاً کاملا.

والآیة الثّانیة من الآیات محل البحث تتحدث أیضاً عن قسم آخر من الآیات فی الأنفس، التی تمثل مرحلة ما بعد خلق الإنسان، فتقول: (ومن آیاته أن خلق لکم من أنفسکم أزواجاً لتسکنوا إلیه). أی من جنسکم والغایة هی السکینة الروحیة والهدوء النفسی.

وحیث إنّ استمرار العلاقة بین الزوجین خاصة، وبین جمیع الناس عامة، یحتاج إلى جذب قلبی وروحانی، فإنّ الآیة تعقب على ذلک مضیفةً (وجعل بینکم مودّةً ورحمة).

ولمزید التأکید تُختتم الآیة بالقول: (إنّ فی ذلک لآیات لقوم یتفکرون).

الطریف هنا أن القرآن ـ فی هذه الآیة ـ جعل الهدف من الزواج الاطمئنان والسکن، وأبان مسائل کثیرة فی تعبیر غزیر المعنى «لتسکنوا» کما ورد نظیر هذا التعبیر فی سورة الأعراف الآیة 189.

والحقّ أنّ وجود الأزواج مع هذه الخصائص للناس التی تعتبر أساس الاطمئنان فی الحیاة، هو أحد مواهب الله العظیمة.

وهذا السکن أو الاطمئنان ینشأ من أن هذین الجنسین یکمل بعضهما بعضاً، وکل منهما أساس النشاط والنماء لصاحبه، بحیث یعد کل منهما ناقصاً بغیر صاحبه، فمن الطبیعی أن تکون بین الزوجین مثل هذه الجاذبیّة القویة.

ومن هنا یمکن الاستنتاج بأنّ الذین یهملون هذه السنّة الإلهیّة وجودهم ناقص، لأنّ مرحلة تکاملیة منهم متوقفة، (إلاّ أن توجب الظروف الخاصة والضرورة فی بقائهم عزّاباً).

وعلى کل حال، فإنّ هذا الاطمئنان أو السکن یکون من عدّة جهات «جسمیاً وروحیّاً وفردیاً واجتماعیّاً».

ولا یمکن إنکار الأمراض التی تصیب الجسم فی حالة عدم الزواج، وکذلک عدم التعادل الروحی والاضطراب النفسی عند غیر المتزوجین.

ثم إنّ الأفراد العزّاب لا یحسّوون بالمسؤولیة ـ من الناحیة الاجتماعیة ـ کثیراً.. ولذلک فإن الإنتحارتزداد بین أمثال هؤلاء أکثر.. کما تصدر منهم جرائم مهولة أکثر من سواهم أیضاً.

وحین یخطو الإنسان من مرحلة العزوبة إلى مرحلة الحیاة الاُسریة یجد فی نفسه شخصیة جدیدة، ویحس بالمسؤولیة أکثر،، وهذا السکن والاطمئنان فی ظل الزواج.

وأمّا مسألة «المودة والرحمة» فهما فی الحقیقة «ملاط» البناء فی المجتمع الإنسانی، لأنّ المجتمع یتکون من افراد متفرقین کما أن البناء العظیم یتألف من عدد من الطابوق و«الآجر» أو الأحجار، فلو أن هؤلاء الأفراد المتفرقین اجتمعوا، أو أنّ تلک الأجزاء المتناثرةوصلت بعضها ببعض، لنشأ من ذلک المجتمع أو البناء حینئذ.

فالذی خلق الإنسان للحیاة الاجتماعیة جعل فی قلبه وروحه هذه الرابطة الضروریة.

والفرق بین «المودة» و«الرحمة» قد یعود إلى الجهات التالیة:

المودة هی الباعثة على الإرتباط فی بدایة الأمر بین الزوجین، ولکن فی النهایة، وحین یضعف أحد الزوجین فلا یکون قادراً على الخدمة، تأخذ الرحمة مکان المودة وتحلّ محلها.

المودة تکون بین الکبار الذین یمکن تقدیم الخدمة لهم، أمّا الأطفال والصبیان الصغار، فإنهم یتربون فی ظلّ الرحمة.

المودّة، غالباً ما یکون فیها «تقابل بین الطرفین»، فهی بمثابة الفعل ورد الفعل، غیر أنّ الرحمة من جانب واحد لدیه إیثار وعطف، لأنّه قد لا یحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحیاناً،فأساس بقاء المجتمع هو «المودة» ولکن قد یحتاج إلى الخدمات بلا عوض، فهو الایثار والرحمة.

وبالطبع فإنّ الآیة تبیّن المودة والرحمة بین الزوجین، ولکن یحتمل أن یکون التعبیر «بینکم» إشارة إلى جمیع الناس.. والزوجان مصداق بارز من مصادیق هذا التعبیر، لأنّه لیست الحیاة العائلیة وحدها لا تستقیم إلاّ بهذین الأصلین (المودّة والرحمة) بل جمیع المجتمع الإنسانی قائم على هذین الأصلین وزوالهما من المجتمع، وحتى نقصانهما یؤدّی إلى أنواع الارباک والشقاء والاضطراب الاجتماعی.

أمّا آخر آیة ـ من هذه الآیات محل البحث ـ فهی مزیج من آیات الآفاق وآیات الأنفس، فتبدأ بالإشارة إلى خلق السماء والأرض، فتقول: (ومن آیاته خلق السماوات والأرض).

السماوات بجمیع ما فیها من کرات، وبجمیع ما فیها من منظومات ومجرّات، السماوات التی مهما حلّق فیها الفکر عجز عن إدراک عظمتها ومطالعتها... وکلّما تقدم علم الإنسان تتجلى له نقاط جدیدة من عظمتها.

کان الإنسان یرى الکواکب فی السماء بهذا العدد الذی تراه العین (وقد أحصى العلماء الکواکب التی ترى بالعین المجرّدة، فوجدوها تتراوح بین خمسة الآف إلى ستة الآف کوکب).

ولکن کلما تقدم العلم فی صناعة المجهر والتلسکوب، فإنّ عظمة وکثرة الکواکب تزداد أکثر... إلى درجة بلغ الاعتقاد الیوم أنّ مجرتنا لوحدها من بین مجامیع المجرات فی السماء تحتوی على أکثر من مئة ملیون کوکب وتعد الشمس على عظمتها المذهلة واحدة من النجوم المتوسطة، ولا یعلم عدد المجرات ولا یحصیها إلاّ الله، إذ هو وحده یعلم کم من کوکب ونجمة فی هذا المجرات!

وکذلک کلما تقدم العلم الطبیعی والجیولوجیا، وعلم النبات والعلوم البیلوجیة «والحیوانیة» وعلم التشریح والفیزیاء، والعلوم النفسیة وغیرها، فستتضح عجائب فی خلق الأرض کانت خافیة، کل واحدة تعدُّ آیة من آیات الله.

ثمّ ینتقل القرآن إلى آیة من آیات الأنفس الکبیرة فیقول: (واختلاف ألسنتکم وألوانکم).

وبلا شک فإنّ الحیاة الاجتماعیة للبشر، لا تقوم بغیر معرفة وتشخیص الأفراد والأشخاص، إذ لو کان الناس جمیعاً فی یوم ما على صورة واحدة ولباس واحد، فإن أسلوب حیاتهم یضطرب فی ذلک الیوم ، إذ لا یعرف الأب والابن والزوج من الغرباء، ولایمیز المجرم من البریء، ولا الدائن من المدین، ولا الآمر من المأمور، ولا الرئیس من المرؤوس، ولا الضیف من المضیف ولا العدوّ من الصدیق، وأی ارباک عجیب کان سیحدث لو کانوا على هذه الشاکلة!.

وعلى سبیل الإتفاق قد تحدث هذه المسألة بین الإخوة التوائم، أو الشقیقین التوأمین المتشابهین من جمیع الوجوه، وکم تحدث من المشاکل بین الناس وبینهم، وقد سمعنا ذات مرّة أنّ امرأة کان لدیها توأمان متشابهان تماماً، وکان أحدهما مریضاً، فأعطت الدواء لمعافی دون السقیم!!.

لذلک خلق الله الأصوات والألون لتنظیم المجتمع البشری، على حد تعبیر «الرازی» فی

تفسیره فی ذیل الآیة محل البحث: إن معرفة الإنسان للإنسان تحصل إمّا عن طریق العین أو الأذن، فخلق الله الألوان والصور والأشکال المختلفة لتعرفها العین وتشخصها، وأوجد اختلاف الأصوات لتشخصها الأذن، حتى أنّه لا یمکن العثور فی جمیع العالم على إنسانین متشابهین فی الوجه والصوت معاً، أی إنّ وجه الإنسان الذی هو عضو صغیر، وصوته الذی هو موضوع بسیط، بقدرة الله جاءا على ملیارات الأشکال والأصوات المختلفة، وما ذلک الاختلاف إلاّ من آیات عظمة الله.

کما یحتمل أنّ المراد باختلاف الألسنة کما أشار إلیه کبار المفسّرین هو اختلاف اللغات، من قبیل العربیة والفارسیة واللغات الاُخرى.

ولکن یمکن أن یستفاد من کلمة «اختلاف» معنى واسع بحیث یشمل هذا التّفسیر وما قبله، وأی تفسیر آخر، فهذا التنوع فی الخلقة شاهد على عظمة الخالق وقدرته.

یقول «فرید وجدی» فی دائرة معارفه، نقلا عن قول «نیوتن» العالم الغربی المعروف (لا تشکوا فی الخالق، فإنه ممّا لا یُعقل أن تکون الضرورة وحدها هی قائدة الوجود، لأنّ ضرورة عمیاء متجانسة فی کل مکان وفی کل زمان لا یتصور أن یصدر منها هذا التنوع فی الکائنات، ولا هذا الوجود کله بما فیه من ترتیب أجزائه وتناسبها، مع تغیرات الأزمنة والأمکنة، بل إنّ کل هذا لا یعقل أن یصدر إلاّ من کائن أزلی له حکمة وإرادة)(2).

ویقول القرآن فی نهایة الآیة الآنفة الذکر (إنّ فی ذلک لآیات للعالمین).

فالعلماء یعرفون هذه الأسرار قبل کل أحد.


1. المؤمنون، 14.
2. دائرة المعارف، محمّد فرید وجدی، ج 1، ص 496 (مادة اله).
سورة الروم / الآیة 20 ـ 22 سورة الروم / الآیة 23 ـ 25
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma