التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة سبأ / الآیة 18 ـ 19 1ـ المصیر المذهل لقوم سبأ!!

(فجعلناهم أحادیث ومزّقناهم کلّ ممزّق)!!

تعود هذه الآیات إلى قصّة قوم سبأ مرّة اُخرى، وتعطی شرحاً وتفصیلا أکثر حولهم وحول العقاب الذی حلّ بهم، لیکون درساً بلیغاً وتربویاً لکلّ سامع.

یقول تعالى: لقد عمّرنا أرضهم إلى حدّ أنّ النعمة لم تغطّها وحدها، بل (وجعلنا بینهم وبین القرى التی بارکنا فیها قرىً ظاهرة). فقد جعلنا بینهم وبین الأرض المبارکة مدائن وقرىً اُخرى متّصلة بفواصل قلیلة إلى درجة أنّ القریة ترى من القریة الثّانیة.

بعض المفسّرین قالوا فی تفسیر «قرى ظاهرة» بأنّها إشارة إلى القرى التی کانت تظهر للعیان من جادّة المسیر بشکل واضح، ویستطیع المسافرون التوقّف فیها، أو أنّها القرى التی کانت على مرتفعات من الأرض فکانت واضحة للعابرین.

أمّا ما هی «الأرض المبارکة»؟ فقد أجمع أغلب المفسّرین على أنّها «أرض الشام» (سوریا وفلسطین والأردن)، لأنّ هذا التعبیر اُطلق على نفس هذه المنطقة فی الآیة الاُولى من سورة الإسراء، والآیة 81 من سورة الأنبیاء.

ولکن بعض المفسّرین احتمل أنّ المقصود منها هو «صنعاء» أو «مأرب» وکلتاهما کانتا فی الیمن، ولا یستبعد هذا التّفسیر، لأنّ المسافة بین (الیمن) الواقعة فی أقصى جنوب الجزیرة العربیة، و(الشام) الواقعة فی أقصى شمالها، شاسعة وملیئة بالصحاری الیابسة المقفرة ممّا

یجعل تفسیر الأرض المبارکة هنا (بالشام) بعیداً جدّاً، ولم ینقل فی التواریخ ما یشیر إلى ذلک.

بعضهم احتمل أیضاً أن یکون المقصود (بالأرض المبارکة). (مکّة) وهو بعید أیضاً.

هذا من جهة العمران، ولکن العمران وحده لا یکفی، بل إنّ شرطه الأساسی هو «الأمان»، ولذلک تضیف الآیة (وقدّرنا فیها السیر) أی جعلنا بینها فواصل معتدلة. (سیروا فیها لیالی وأیّاماً آمنین).

وبهذا فإنّ الفواصل والمسافات بین القرى کانت متناسقة محسوبة، وکذلک فإنّها طرق محفوظة من حملات الضواری أو السرّاق أو قطّاع الطرق، بحیث إنّ الناس کانوا یسافرون خلال هذه الطرق، بلا زاد أو دواب وبلا استفادة من الحراس المسلّحین، ولم یکونوا یخافون من حوادث الطریق أو قلّة الماء والزاد لدیهم.

أمّا بأیّة وسیلة تمّ إبلاغ هذه الرسالة للناس (سیروا فیه) الآیة، یرد أیضاً الاحتمالان بأن یکون ذلک بواسطة أحد الأنبیاء(علیهم السلام)، أو أنّ ظاهر حال المنطقة کان یوصل هذا المعنى إلى وجدانهم.

تقدیم «اللیالی» على «الأیّام» قد یکون بلحاظ أنّ وجود الأمن فی اللیل من السرّاق أو الوحوش أهمّ منه فی النهار الذی تسهل معه مهمّة الأمن.

ولکن هؤلاء جحدوا نعم الله العظیمة التی شملت کلّ مناحی حیاتهم ـ کما هو الحال بالنسبة لغیرهم من الأقوام المتنّعمة ـ ولبسهم الغرور، وأحاطت بهم الغفلة ونشوة النعیم وعدم لیاقتهم له، فأسلکتهم طریق الکفران وعدم الشکر، وانحرفوا عن الصراط وترکوا أوامر الله خلف ظهورهم.

فمن جملة مطالبهم العجیبة من الله، (فقالوا ربّنا باعد بین أسفارن).

أی طلبوا أن یجعل الله المسافات بین قراهم طویلة، کی لا یستطیع الفقراء السفر جنباً إلى جنب مع الأغنیاء، ومقصودهم هو أن تکون بین القرى ـ کما أسلفنا ـ فواصل صحراویة شاسعة، حتى لا یستطیع الفقراء ومتوسّطو الحال الإقدام على السفر بلا زاد أو ماء أو مرکب، وبذا یکون السفر أحد مفاخر الأغنیاء وعلامة على القدرة والثروة، ووجوب أن یظهر هذا الإمتیاز ویثبت لدى الجمیع.

أو أنّهم ملّوا من الراحة والرفاه، کما ملّ بنو إسرائیل من (المنّ والسلوى) (الغذاء السماوی) وطلبوا من الله البصل والثوم والعدس.

بعضهم احتمل أیضاً أن یکون المقصود بعبارة (باعد بین أسفارن) أنّهم أصبحوا کسالى إلى درجة لم یکونوا معها حاضرین للسفر لغرض رعی الحیوانات أو التجارة أو الزراعة، ولذا طلبوا من الله أن یبقیهم فی وطنهم دائماً ویباعد بین السفرة والاُخرى. ولکن یبدو أنّ التّفسیر الأوّل أفضل.

على کلّ حال فإنّهم بهذا العمل أوقعوا الظلم على أنفسهم (وظلموا أنفسهم).

نعم، فإن کانوا یظنّون أنّهم إنّما یظلمون غیرهم فقد اشتبهوا، إذ أنّهم قد استلّوا خنجراً ومزّقوا به صدورهم، ودخّان النار التی أسعروها أعمى عیونهم.

ویا له من تعبیر رائع، ذلک الذی أوضح به القرآن الکریم مصیرهم المؤلم، حیث یقول: إنّنا جازیناهم ودمّرنا بلادهم ومعیشتهم بحیث: (فجعلناهم أحادیث).

نعم فلم یبق من تلک الحیاة المرفّهة، والتمدّن العریض المشرق، إلاّ أخبار على الألسن، وذکریات فی الخواطر، وکلمات على صفحات التاریخ (ومزّقناهم کلّ ممزّق).

کیف دمّرنا أرضهم بحیث سلبت منهم معها قدرة البقاء فیها، وبذا أصبحوا مجبرین على أن یتفرّقوا کلّ مجموعة إلى جهة لإدامة حیاتهم، ونُثروا کما تنثر أوراق الخریف التی عصفت بها الریح حتى أضحى تفرّقهم مثلا یضرب فقیل: «تفرّقوا أیادی سبأ»(1).

وکما قال بعض المفسّرین، فقد ذهبت قبیلة (غسّان) إلى الشام، و(أسد) إلى عمان، و(خزاعة) إلى جهة تهامة، و(أنمار) إلى یثرب(2).

وفی ختام الآیة یقول تعالى: (إنّ فی ذلک لآیات لکلّ صبّار شکور)، لأنّ الصابرین والشاکرین وحدهم یستطیعون الإعتبار ممّا جرى، خصوصاً مع ملاحظة أنّ کلاًّ من (صبّار) و(شکور) هی صیغة مبالغة، ذلک لکونهم بصبرهم واستقامتهم یتمکّنون من الإمساک بزمام مرکب الهوى والهوس الجموح، ویقفون بوجه المعاصی، وبشکرهم لله تعالى فی طریق طاعته فإنّهم مرتبطون به ویقظون، وعلیه فإنّهم یأخذون العبرة بشکل جیّد، أمّا اُولئک الذین رکبوا سفینة الهوى وتجاهلوا نعم الله علیهم فکیف یمکنهم أخذ العبرة ممّا جرى؟


1. نقل هذا المثل على صورتین «تفرّقوا أیدی سبأ» و«أیادی سبأ» ، ففی الشکل الأوّل إشارة إلى التمزّق البشری، والشکل الثّانی إشارة إلى تمزّق الأموال والنعم والإمکانات، لأنّ «أیادی» عادةً تستعمل بمعنى النعم.
2. تفسیر القرطبی وتفسیر روح الجنان، ذیل الآیات مورد البحث.
سورة سبأ / الآیة 18 ـ 19 1ـ المصیر المذهل لقوم سبأ!!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma