إشارة لقصتی نوح وإبراهیم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة العنکبوت / الآیة 14 ـ 19 سورة العنکبوت / الآیة 20 ـ 23

لما کان الکلام فی البحوث السابقة عن الامتحانات العامّة فی الناس، فإنّ الکلام هنا ـ وفی ما بعد ـ یقع على الامتحانات الشدیدة للأنبیاء، وکیف أنّهم کانوا تحت ضغط الأعداء وإیذائهم، وکیف صبروا وکانت عاقبة صبرهم النصر! لیکون هذا الکلام تسلیة لقلوب أصحاب النّبی(صلى الله علیه وآله) الذین کانوا تحت وطأة التعذیب الشدید من قبل الأعداء ـ من جانب ـ وتهدیداً للأعداء لینتظروا عاقبتهم الوخیمة من جانب آخر.

تبدأ الآیات أوّلا بالکلام على أوّل نبىّ من أولی العزم وهو «نوح»(علیه السلام)، وتتحدث عنه بعبارات موجزة، لتُجملَ قسماً من حیاته التی تناسب ـ کثیراً ـ الواقع الراهن للمسلمین ـ آنئذ ـ فتقول: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فیهم ألف سنة إلاّ خمسین عام).

کان نوح مشغولا لیلَ نهارَ بالتبلیغ ودعوة قومه إلى توحید الله ـ فرادى ومجتمعین،مستفیداً من جمیع الفرص فی هذه المدة الطویلة (أی تسعمائة وخمسین عاماً) یدعوهم إلى الله... ولم یشعر بالتعب والنصب من هذا السعی المتتابع ولم یظهر علیه الضعف والفتور.

ومع کل هذا الجهد الجهید لم یؤمن به إلاّ جماعة قلیلة فی حدود الثمانین شخصاً کما تنقل التواریخ (أی بمعدّل نفر واحد لکل اثنتی عشرة سنة!).

فعلى هذا لا تظهروا الضعف والتعب فی سبیل الدعوة إلى الحق ومواجهة الانحرافات، لأنّ منهجکم أمام منهج «نوح» سهل للغایة.

لکن لاحظوا کیف کانت عاقبة قوم نوح الظالمین الألدّاء: (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون).

وهکذا انطوى «طومار» حیاتهم الذلیلة، وغرقت قصورهم وأجسادهم وآثارهم فی الطوفان وأمواجه.

والتعبیر بـ (ألف سنة إلاّ خمسین عام) مع إمکان القول «تسعمائة وخمسین سنة» من البدایة، هو إشارة إلى عظمة المدة وطول الزمان، لأنّ عدد «الألف» وأیّ ألف؟ ألف سنة! یعدّ مهماً وعدداً کبیراً بالنسبة لمدّة التبلیغ.

وظاهر الآیة الآنفة أنّ هذا المقدار لم یکن هو عمر نوح(علیه السلام) بتمامه (وإن ذُکر ذلک فی التوراة الحدیثة، فی سفر التکوین الفصل التاسع) بل عاش بعد الطوفان فترة اُخرى، وطبقاً لما قاله بعض المفسّرین فقد کانت الفترة هذه ثلاثمائة سنة!

طبعاً... هذا العمر الطویل بالقیاس إلى أعمار زماننا کثیر جداً ولا یعدّ طبیعیّاً أبداً، ویمکن أن یکون میزان العمر فی ذلک العصر متفاوتاً مع عصرنا هذا... وبناءً على المصادر التی وصلت إلى أیدینا فإنّ قوم نوح کانوا معمرین، وعمر نوح بینهم أیضاً کان أکثر من المعتاد، ویشیر هذا الأمر ضمناً إلى هیئة ترکیب أجسامهم کانت تمکّنهم من أن یعمّروا طویلا.

إنّ دراسات العلماء فی العصر الحاضر تدلّ على أنّ عمر الإنسان لیس له حد ثابت، وما یقوله بعضهم بأنّه محدود بمائة وعشرین سنة، وأکثر أو أقل، فلا أساس له... بل یمکن أن یتغیر بحسب اختلاف الظروف.

والیوم وبواسطة التجارب استطاع العلماء أن یضاعفوا عمر قسم من النباتات أو الموجودات الحیّة، إلى اثنی عشر ضعفاً على العمر الطبیعی، وحتى فی بعض الموارد ـ ولا تتعجبوا ـ أوصلوا هذه الفترة للنباتات أو غیرها إلى تسعمائة مرّة ضعف عمرها الطبیعی... وإذا حالفهم التوفیق فیمکنهم أن یضاعفوا عمر الإنسان، فیمکن أن یعمّر الإنسان عندئذ آلاف السنین.(1)

وینبغی الإلتفات ضمناً إلى أنّ کلمة «الطوفان» فی الأصل معناها کل حادثة تحیط بالإنسان، وهی مشتقّة من مادة «الطواف»، ثمّ استعمل هذا التعبیر للماء الغزیر أو السیل الشدید الذی یستوعب مساحة کبیرة من الأرض ویغرقها، کما یطلق على کل شیء کثیر وشدید وفیه حالة الاستیعاب، سواءً کان ریحاً أو ناراً أو ماءً، فیسمى کلٌّ منها طوفاناً... کما قد یردُ بمعنى ظلمة اللیل الشدیدة أیضاً.(2)

الطریف أنّ القرآن یقول: (وهم ظالمون) أی إنّهم حین وقوع العذاب «الطوفان» کانوا لا یزالون فی ظلمهم أیضاً.

وهذا إشارة إلى أنّهم لو ترکوا تلک الأعمال، وندموا على ما فعلوا، وتوجّهوا إلى الله، لما ابتلوا بمثل هذه العاقبة أبداً.

ویضیف القرآن الکریم فی الآیة الاُخرى (فانجیناه وأصحاب السفینة وجعلناها آیة للعالمین)(3).

ثمّ یعقّب على قصّة نوح وقومه التی وردت بشکل مضغوط، ویأتی بقصّة إبراهیم(علیه السلام)، ثانی الأنبیاء الکبار من أولی العزم فیقول: (وإبراهیم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلکم خیر لکم إن کنتم تعلمون)(4).

هنا بیّن القرآن منهجین مهمّین من مناهج الأنبیاء العملیة والاعتقادیة، وهما الدعوة إلى توحید الله والتقوى ـ فی مکان واحد ـ ثمّ یختتم القول: أن لو فکرتم جیداً لکان ذلک خیراً لکم عند اتباعکم لمذهب التوحید والتقوى، إذ ینجیکم من دنیاکم الملوّثة بالذنوب والشقاء، وتکون آخرتکم هی السعادة الأبدیّة.

ثمّ یذکر إبراهیم(علیه السلام) أدلة بطلان عبادة الأصنام والأوثان، ویبیّن فی تعابیر مختلفة یتضمّن کل منها دلیلا على فساد مذهبهم وبطلانه فیقول أوّلا: (إنّما تعبدون من دون الله أوثان).

هذه الأوثان هی الأصنام الخالیة من الروح.. الأصنام التی لیس لها إرادة، ولا عقل، وهی فاقدة لکل شیء، بحیث إنّ شکلها بنفسه هو دلیل على بطلان عقیدة «عبادة الأوثان»

(لاحظوا أن «الأوثان» هی جمع لکلمة «وثن» على زنة «صنم» ومعناها «الحجارة المنحوتة» الموضوعة للعبادة!).

ثمّ یتوسع فی حدیثه ویمضی إلى مدى أبعد فیقول: لیست هذه الأوثان بهیئتها تدل على أنّها لا تستحق العبادة فحسب، بل أنتم تعلمون بأنّکم تکذبون وتضعون اسم الآلهة على هذه الأوثان: (وتخلقون إفک).

فأی دلیل لدیکم على هذا الکذب سوى حَفنة من الأوهام والخرافات الباطلة.

وحیث إنّ کلمة «تخلقون» مشتقّة من الخلق، وتعنی أحیاناً الصنع والإبداع، وأحیاناً تأتی بمعنى الکذب، فإنّ بعض المفسّرین ذکر تفسیراً آخر لهذه الجملة غیر ما بیّناه آنفاً... وقالوا إنّ المقصود من هذا التعبیر هو أنّکم تنحتون هذه الأوثان... المعبودات الباطلة المزوّرة بأیدیکم، وتصنعونها (فیکون المراد من الإفک هنا هو المعبودات المزورّة) والخلق هو النحت هن(5).

ثمّ یبیّن الدلیل الثّالث وهو أنّ عبادتکم لهذه الأوثان إمّا لأجل المنافع المادیة، أو لعاقبتکم فی «الاُخرى» وکلا الهدفین باطل... وذلک: (إنّ الذین تعبدون من دون الله لا یملکون لکم رزق).

وأنتم تعتقدون بأنّ هذه الأصنام لم تکن خلقتکم، بل الخالق هو الله، فالذی یتکفل بالرزق هو الله (فابتغوا عند الله الرزق).

ولأنّه هو الذی یرزقکم فتوجهوا إلیه (واعبدوه واشکروا له).

وبتعبیر آخر، فإن واحداً من أسباب العبادة وبواعثها هو الإحساس بالشکر للمنعم الحقیقی، وتعرفون أنّ المنعم الحقیقی هو الله، فالشکر والعبادة یختصان ـ أیضاً ـ بذاته المقدسة.

وإذ کنتم تبتغون الدار الاُخرى فإنّه (إلیه ترجعون).

فالأصنام لا تصنع شیئاً هنا ولا هناک!.

وبهذا الأدلّة الموجزة والواضحة ألجم منطقهم الواهی وأفحمهم.

ثمّ یلتفت إبراهیم(علیه السلام) مهدّداً لهم ومبدیاً عدم اکتراثه بهم قائلا: (وإن تکذبوا فقد کذب اُمم من قبلکم) کذبوا أنبیاءهم فنالوا الخزی بتکذیبهم والعاقبة الوخیمة (وما على الرّسول إلاّ البلاغ المبین) سواءً استجاب له قومه، أم لم یستجیبوا له دعوته وبلاغه!

والمقصود بالاُمم قبل اُمة إبراهیم(علیه السلام)، اُمة نوح(علیه السلام) وما بعده من الاُمم وبالطبع فإنّ إرتباط هذه الآیات یوجب أن تکون هذه الجملة من کلمات إبراهیم(علیه السلام)، وهذا ما یذهب إلیه کثیر من المفسّرین عند تفسیرهم للنص، أو یحتملون ذلک!.

والاحتمال الآخر: إنّ الخطاب فی هذه الآیة للمشرکین من أهل مکّة المعاصرین للنّبی(صلى الله علیه وآله) وجملة (کذب اُمم من قبلکم) فیها تتناسب أکثر مع هذا الاحتمال.

أضف إلى ذلک، فإنّ نظیر هذا التعبیر الذی ورد فی الآیة 25 من سورة الزمر، والآیة 25 من سورة فاطر، هو أیضاً فی شأن نبىّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) والمشرکین العرب فی مکّة، ولکن ـ وعلى أی حال ـ أیّاً من التّفسیرین کان ذلک، فلیس هناک تفاوتٌ فی النتیجة!.

والقرآن یترک قصّة إبراهیم هنا مؤقتاً، ویکمل البحث الذی کان لدى إبراهیم فی صدد التوحید وبیان رسالته بدلیل المعاد، فیقول: (أو لم یروا کیف یبدىء الله الخلق ثمّ یعیده).

والمراد بالرؤیة هنا هی الرؤیة «القلبیة» والعلم، أی کیف لا یعرف هؤلاء خلق الله؟ فالذی له القدرة على الإیجاد أولا قادر على إعادته أیضاً، فالقدرة على شیء ما هی قدرة على أمثاله وأشباهه أیضاً.

کمایأتی هذا الاحتمال، وهو أنّ الرؤیة هنا هی الرؤیة «البَصَیریّة» والمشاهدة بالعین... لأنّ الإنسان یرى بعینیه کیف تحیا الأرض وتنمو النباتات، وتتولد الدجاجة من البیض، والأطفال من النطف... فمن له القدرة على هذا الأمر قادر على أن یحیی الموتى من بعدُ أیضاً.

ویضیف فی آخر الآیة على سبیل التأکید (إنّ ذلک على الله یسیر). لأنّ تجدید الحیاة قبال الإیجاد الأوّل یُعدّ أمراً بسیطاً.

وطبیعی أنّ هذا التعبیر یناسب منطق الناس وفهمهم، وإلاّ فإنّ الیسیر والعسیر لا مفهوم لهما عند من قدرته غیر محدودة والمطلقة... فهذه قدراتنا التی أوجدت مثل هذا «المفهوم»، ومع الإلتفات إلى إنجازها... ظهرت لدینا اُمور یسیرة واُخرى عسیرة.


1. لمزید التوضیح فی مسألة طول العمر، بمناسبة الأبحاث المتعلقة بطول عمر المهدی(علیه السلام)، یراجع کتاب «المهدی تحول کبیر».
2. المفردات للراغب.
3. القول فی ما هو مرجع الضمیر فی (جعلناه) للمفسّرین احتمالات کثیرة، فبعضهم قال: هو إشارة إلى مجموع هذه الواقعة والحادثة، وقال بعضهم: هی نجاة نوح(علیه السلام) فحسب ـ مع أصحابه ـ وأشار بعضهم إلى أنّ المراد من «جعلناها» هی السفینة، وظاهر العبارة المتقدمة ـ أیضاً ـ تؤید هذا الاحتمال الأخیر، وحقاً کانت هذه السفینة آیةً من آیات الله فی ذلک العصر، وفی تلک الحادثة العظیمة.
4. الظّاهر أنّ «إبراهیم» معطوف على کلمة «نوح» وفعله «أرسلنا»، وبعضهم عطفه على مفعول (أنجیناه) وبعضهم جعله مفعولا لفعل محذوف تقدیره «اذکر».
5.«الإفک» یطلق فی الأصل على کل شیء مختلف عن حقیقته، ولذلک یطلق على الکذب ـ خاصة الکذب الکبیر ـ أنّه إفک، کما تطلق هذه الکلمة على الریاح المخالفة لإتجاهها ومسیرها فیقال «ریاح مؤتفکة».
سورة العنکبوت / الآیة 14 ـ 19 سورة العنکبوت / الآیة 20 ـ 23
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma