التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سبب النّزولبحوث

مرّة اُخرى یوجّه الخطاب إلى المؤمنین، لتبیّن الآیة جانباً آخر من أحکام الإسلام ضمن جمل قصیرة بلیغة وصریحة، وخاصّة ما کان مرتبطاً بآداب معاشرة النّبی(صلى الله علیه وآله) وبیت النبوّة، فتقول الحکم الأوّل: لا ینبغی لکم دخول بیوت النّبی إلاّ إذا دعیتم إلى طعام واُذِن لکم بالدخول بشرط أن تدخلوا فی الوقت المقرّر، لا أن تأتوا قبل ذلک بفترة وتجلسون فی انتظار وقت الغذاء (یاأیّها الذین آمنوا لا تدخلوا بیوت النّبی إلاّ أن یؤذن لکم إلى طعام غیر ناظرین إناه)(1).

بهذا تبیّن الآیة أحد آداب المعاشرة المهمّة، والتی کانت قلّما تراعى فی تلک البیئة، ومع أنّ الکلام یدور حول بیت النّبی إلاّ أنّ من المسلّم أنّ هذا الحکم  لا یختصّ به، إذ ینبغی أن لا تدخل دار أی إنسان بدون إذنه (کما جاء ذلک فی الآیة 27 من سورة النور) بل نقرأ فی أحوال النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه عندما کان یرید دخول بیت إبنته فاطمة (سلام الله علیها)، کان یقف خارجاً ویستأذن، وکان معه «جابر بن عبدالله» یوماً، فاستأذن له بعد أن استأذن لنفسه(2).

إضافةً إلى أنّهم إذا دُعوا إلى طعام فینبغی أن یکونوا عارفین بالوقت، لئلاّ یوقعوا صاحب البیت فی جهد وإحراج فی غیر مکانه.

ثمّ تناولت الحکم الثّانی فقالت: (ولکن إذا دعیتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشرو).

وهذا الحکم مکمّل ومؤکّد للحکم السابق فی الواقع، فلا تدخلوا البیت الذی دعیتم إلیه فی غیر زمان الدعوة، وفی وقت غیر مناسب، ولا تهملوا إجابة الدعوة أو أن لا تعبؤوا بها، ولا تتأخّروا بعد تناول الطعام مدّة طویلة.

من البدیهی أنّ مخالفة هذه الاُمور وعدم اتّباعها سیؤدّی إلى أذىً واشمئزاز المضیف، وهی لا تلائم الاُصول الأخلاقیة.

وتقول فی الحکم الثالث: (ولا مستأنسین لحدیث) فلا تجلسوا حلقاً تتحدّثون بعد تناول الطعام، سواء کان ذلک فی بیت النّبی، أم فی بیت أی صاحب دعوة.

طبعاً، قد یرغب المضیفون فی مثل هذه الحلقات والمجالس، فهذه الحالة مستثناة، إنّما الکلام فی ما لو کانت الدعوة لتناول الطعام فقط، لا لتشکیل مجالس الاُنس، حیث تجب مغادرته بعد تناول الطعام، خاصّة إذا کان البیت کبیت رسول الله(صلى الله علیه وآله)، مقرّ أداء أکبر رسالات الله وأعظمها، فیجب أن لا یهدر وقته باُمور جانبیة تعوقه مدّة عن تأدیة رسالته.

ثمّ تبیّن الآیة علّة هذا الحکم فتقول: (إنّ ذلکم کان یؤذی النّبی فیستحی منکم والله لا یستحی من الحقّ).

من المسلّم أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) لم یکن یتردّد لحظة، ولا یخشى شیئاً، أو یستحیی من شیء فی بیان الحقّ فی الموارد التی لم یکن لها بعد شخصی وخاصّ، إلاّ أنّ بیان الحقّ إذا کان یعود على القائل نفسه لیس بالأمر الجمیل الحسن، أمّا تبیانه من قبل الآخرین فانّه رائع ومستحسن، ومورد الآیة من هذا القبیل أیضاً، فإنّ اُصول الأخلاق والأدب کانت توجب على النّبی(صلى الله علیه وآله)أن لا یدافع عن نفسه، بل یدافع الله سبحانه عنه.

ثمّ تبیّن الآیة الحکم الرابع فی باب الحجاب، فتقول: (وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب).

قلنا: إنّ هذا الأمر کان ولا یزال متعارفاً بین العرب وکثیر من الناس أنّهم إذا احتاجوا شیئاً من لوازم الحیاة ووسائلها فإنّهم یستعیرونها من جیرانهم مؤقتاً، ولم یکن بیت النّبی مستثنى من هذا القانون، بل کانوا یأتون إلیه سواء کان الوقت مناسباً أم غیر مناسب، ویستعیرون من نساء النّبی شیئاً، ومن الواضح أن جعل نساء النّبی عرضة لأنظار الناس ـ وإن کن یرتدین الحجاب الإسلامی ـ لم یکن بالأمر الحسن، ولذلک صدر الأمر إلى الناس أن یأخذوا الأشیاء من خلف حجاب أو من خلف الباب.

والمسألة التی ینبغی الإنتباه إلیها هنا هی أنّه لیس المراد من الحجاب فی هذه الآیة لباس النساء، بل هو حکم یضاف إلى ما کان خاصّاً بنساء النّبی، وهو: أنّ الناس مکلّفون إذا أرادوا شیئاً من نساء النّبی أن یأخذوه من وراء حجاب لظروف نساء النّبی الخاصّة، ویجب علیهنّ أن لا یخرجن إلى الناس ویظهرن لهم فی مثل هذه الموارد حتى وإن کن محجّبات، وهذا الحکم لم یرد طبعاً فی شأن النساء الاُخریات، بل یکفیهنّ أن یراعین الحجاب الإسلامی.

والشاهد على ذلک أنّ کلمة «الحجاب»، وإن کانت تستعمل فی المحادثات الیومیة بمعنى حجاب المرأة، إلاّ أنّها لیس لها مثل هذا المعنى لا فی کتب اللغة، ولا فی تعبیرات فقهائنا.

«الحجاب» فی اللغة هو الشیء الذی یحول بین شیئین(3)، ولذلک اُطلق على الغشاء الموجود بین الأمعاء والقلب والرئة اسم «الحجاب الحاجز».

وقد استعمل القرآن الکریم هذه الکلمة بمعنى الحائل أو الساتر فی عدّة مواضع، کالآیة 45 من سورة الإسراء حیث تقول: (جعلنا بینک وبین الذین لا یؤمنون بالآخرة حجاباً مستور).

ونقرأ فی الآیة 32 من سورة ص: (حتى توارت بالحجاب).

وجاء فی الآیة 51 من سورة الشورى: (وما کان لبشر أن یکلّمه الله إلاّ وحیاً أو من وراء حجاب).

أمّا فی کلمات الفقهاء فقد استعملت کلمة «الستر» فیما یتعلّق بلباس النساء منذ قدیم الأیّام وإلى یومنا هذا، وورد أیضاً فی الرّوایات الإسلامیة هذا التعبیر أو ما یشبهه، واستعمال کلمة «الحجاب» فی شأن لباس المرأة إصطلاح ظهر فی عصرنا على الأکثر، وإذا وجد فی التواریخ والرّوایات فقلیل جدّاً.

والشاهد الآخر هو ما نقرؤه فی الحدیث المروی عن «أنس بن مالک» خادم النّبی الخاص، حیث یقول: أنا أعلم الناس بهذه الآیة ـ آیة الحجاب ـ لمّا اُهدیت زینب إلى رّسول اللّه کانت معه فی البیت ـ صنع طعاماً، ودعا القوم فقعدوا یتحدّثون، فجعل النّبی یخرج ثمّ یرجع وهم قعود یتحدّثون، فأنزل الله: (یاأیّها الذین آمنوا لا تدخلوا بیوت النّبی) ـ إلى قوله ـ (من وراء حجاب) فضرب الحجاب وقام القوم(4).

وفی روایة اُخرى عن «أنس» أنّه قال: أرخى الستر بینی وبینه، فلمّا رأى القوم ذلک تفرّقوا(5).

بناءً على هذا فإنّ الإسلام لم یأمر النساء المسلمات بأن یجلسن خلف الستور، ولا یبرحن دورهن، ولیس لکلمة «المستورات» أو «المحجّبات» وأمثال ذلک من التعبیرات صفة إسلامیة أو بعد إسلامی بالنسبة للنساء، بل إنّ ما یلزم المرأة المسلمة هو محافظتها على الحجاب الإسلامی، إلاّ أنّ نساء النّبی قد اُمرن بهذا الأمر الخاص بسبب وجود أعداء کثیرین، ومتتبعین للعیوب والمغرضین، وکان من الممکن أن یصبحن عرضة للتهم، وحربة تقع بید الإنتهازیین.

وبتعبیر آخر: إنّ الناس قد اُمروا أن یسألوا نساء النّبی ما یبتغونه من وراء حجاب. خاصّة وأنّ التعبیر بـ «وراء» یشهد لهذا المعنى.

ولذلک بیّن القرآن فلسفة هذا الحکم فقال: (ذلکم أطهر لقلوبکم وقلوبهنّ).

وبالرغم من أنّ مثل هذا التعلیل لا ینافی الحکم الإستحبابی، إلاّ أنّ ظهور الأمر فی جملة (فاسألوهنّ) لا یتزلزل فی دلالته على الوجوب، لأنّ مثل هذا التعلیل قد ورد أحیاناً فی موارد أحکام واجبة اُخرى.

ثمّ تبیّن الآیة الحکم الخامس بأنّه (وما کان لکم أن تؤذوا رسول الله) فبالرغم من أنّ هذا العمل قد ذکر فی نفس الآیة، وهو الذهاب إلى بیت النّبی(صلى الله علیه وآله) فی وقت غیر مناسب، والجلوس بعد تناول الطعام، فقد ورد فی روایات سبب النّزول أنّ بعض المنافقین کانوا قد أقسموا على أن یتزوّجوا نساء النّبی من بعده، وقد آلم ذلک رسول الله(صلى الله علیه وآله). ولکن معنى الآیة عام على کلّ حال، فهو یشمل کلّ نوع من الأذى.

وأخیراً تبیّن الآیة الحکم السادس والأخیر فی مجال حرمة الزواج بنساء النّبی من بعده، فقالت: (ولا أن تنکحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذلکم کان عند الله عظیم).

سؤال: وهنا یأتی سؤال، وهو: کیف حرّم الله نساء النّبی من اتّخاذ زوج لهنّ بعد وفاة النّبی(صلى الله علیه وآله)، وقد کان بعضهنّ شابات تقریباً؟

الجواب: وجواب هذا السؤال یتّضح بملاحظة الغایة من هذا التحریم، وذلک لأنّه:

أوّلا: کما علمنا من سبب النّزول، فإنّ البعض صمّم على هذا العمل کإنتقام من النّبی(صلى الله علیه وآله)وإهانة لقدسیته، وکانوا یریدون أن ینزلوا ضربة بکیانه(صلى الله علیه وآله) عن هذا الطریق.

ثانیاً: لو کانت هذه المسألة جائزة، فإنّ جماعة کانوا سیتّخذون زوجات النّبی أزواجاً لهم من بعده، وکان من الممکن أن یستغلّوا هذا الزواج لتحقیق مآربهم والوصول إلى مکانة اجتماعیة مرموقة، أو أنّهم یبدؤون بتحریف الإسلام على أساس أنّهم یمتلکون معلومات خاصّة صادرة من داخل بیت النّبی(صلى الله علیه وآله)، وأهل البیت أدرى بالذی فیه، أو أن یبثّ المنافقون بین الناس مطالب عن هذا الطریق تخالف مقام النبوّة ـ تأمّلوا ذلک ـ .

ونلمس ذلک بصورة أوضح عندما نعلم أنّ جماعة هیؤوا أنفسهم للقیام بهذا العمل، وصرّح بذلک بعضهم، وکتمه البعض الآخر فی قلبه، وکان من جملة من ذکره بعض مفسّری العامّة هنا هو «طلحة»(6).

إنّ الله المطّلع على الأسرار الخفیّة والمعلنة، والخبیر بها، قد أصدر حکماً قاطعاً لإحباط هذه الخطّة الخبیثة، ولیمنع من وقوع هذه الاُمور، ولتحکیم دعائم هذا الحکم فقد أطلق لقب (اُمّهات المؤمنین) على أزواج النّبی لیعلم اُولئک بأنّ الزواج منهنّ کالزواج من اُمّهاتهم! وبملاحظة ما قیل یتّضح لماذا وجب على نساء النّبی أن یتقبّلن هذا الحرمان بکلّ رحابة صدر؟

قد تطرح أحیاناً مسائل مهمّة على مدى حیاة الإنسان، یجب أن یظهر تجاهها التضحیة والإیثار، وأن یغضّ النظر عن بعض الحقوق التی ثبتت له، خاصّة وأنّ الإفتخارات العظیمة تصاحبها مسؤولیات خطیرة، ولا شکّ أنّ أزواج النّبی قد اکتسبن فخراً لا یضاهى وعزّاً لا یسامى بزواجهنّ من النّبی (صلى الله علیه وآله)، واکتساب هذا الفخر یحتاج إلى مثل هذه التضحیة.

لهذا السبب کانت نساء النّبی یعشن من بعده بکلّ احترام وتقدیر بین الاُمّة الإسلامیة، وکن راضیات جدّاً عن حالهنّ، ویعتبرن ذلک الحرمان مقابل هذه الإفتخارات أمراً تافهاً.

وحذّرت الآیة الثّانیة الناس بشدّة، فقالت: (إن تبدوا شیئاً أو تخفوه فإنّ الله کان بکلّ شیء علیم) فلا تظنّوا أنّ الله سبحانه لا یعلم ما خططتم له فی سبیل إیذاء النّبی (صلى الله علیه وآله)سواء ما ذکرتموه، أو الذی أضمرتموه، فإنّه تعالى یعلم کلّ ذلک جیداً، ویعامل کلّ إنسان بما یناسب عمله.


1. «إناه» من مادّة «أنّى یأنی» أی حلول وقت الشیء، وتعنی هنا تهیئة الطعام للتناول.
2. أصول الکافی، ج 5، ص 528.
3. لسان العرب، مادّة حجب.
4. صحیح البخاری، ج6، ص149.
5. المصدر السابق.
6. تفسیر القرطبی، ج 8، ص 5310.
سبب النّزولبحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma