الأموال والأولاد لیست دلیلا على القرب من الله:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة سبأ / الآیة 34 ـ 38 معاییر التقییم:

بعد أن کان الحدیث فی الآیات السابقة فی الغاوین من المستکبرین، فإنّ جانباً آخر من هذا المبحث تعکسه الآیات أعلاه بطریقة اُخرى، وتقدّم المواساة أیضاً للرسول (صلى الله علیه وآله)ضمن إشارتها بأن لا تعجب إذا خالفک المخالفون، فإنّ المستکبرین المرفّهین طبعوا على مخالفة أنبیاء الحقّ، فتقول الآیة المبارکة: (وما أرسلنا فی قریة من نذیر إلاّ قال مترفوها إنّا بما اُرسلتم به کافرون).

«نذیر» من «الإنذار» وهو الإخبار الذی فیه تخویف، وإشارة إلى أنبیاء الله الذین ینذرون الناس من عذاب الله فی قبال الانحرافات والظلامات والذنوب والفساد.

«مترفوها» جمع «مترف» من مادّة «ترف» بمعنى «التوسّع فی النعمة» و(المترف) الذی قد أبطرته النعمة وسعة العیش. وأترفته النعمة أی أطغته(1).

نعم، فإنّ هذه الفئة المترفة الغافلة الطاغیة کانت الصف المتقدّم من مخالفی الأنبیاء عادةً، لأنّهم یرون أنّ تعلیمات الأنبیاء تتضارب مع أمانیهم وأهوائهم من جهة، ولأنّ الأنبیاء یدافعون عن حقوق المحرومین التی اغتصبها هؤلاء المترفین ونالوا هذا النعیم، من جهة ثانیة، ولأنّهم دائماً یستخدمون عامل التسلّط لحمایة مصالحهم وأموالهم من جهة ثالثة، والأنبیاء یقفون قبالهم فی کلّ هذه الحالات، لذا فإنّهم یهبّون فوراً لمخالفة الأنبیاء.

العجیب أنّهم لا یشیرون إلى حکم أو فقرة خاصّة لیخالفوها، بل إنّهم فوراً ومرّة واحدة یقولون (نحن کافرون بکلّ ما بعثتم به) ولن نخطوا معکم خطوة واحدة، وهذا بعینه أوضح دلیل على عنادهم وتعصّبهم إزاء الحقّ.

وقد کشف القرآن فی آیات مختلفة عن مسألة مهمّة، وهو أنّ المحرومین هم أوّل من یلبّی دعوة الأنبیاء، والمتنّعمین المغرورین أیضاً هم أوّل مجموعة ترفع لواء المخالفة.

ورغم أنّ منکری دعوة الأنبیاء لا ینحصرون فی هذه المجموعة فقط، ولکنّهم غالباً عامل الفساد الأوّل والدعاة إلى الشرک والخرافات، ویسعون دوماً إلى إکراه الآخرین لسلوک طریقهم. ورد هذا المعنى أیضاً فی الآیات 23 ـ الزخرف، و116 ـ هود، و33 ـ المؤمنون.

هذه المجموعة لم تقف فقط فی وجه الأنبیاء فحسب، بل قبال أیّة خطوة إصلاحیة من قبل أی عالم أو مصلح أو مفکّر مجاهد، فقد کانوا السبّاقین للمخالفة، ولا یتورّعون فی إرتکاب أیّة جریمة وتآمر ضدّ هؤلاء المصلحین.

تشیر الآیة التالیة إلى المنطق الأجوف الذی یتمسّک به هؤلاء لإثبات أفضلیتهم ولاستغفال العوام فتقول: (وقالوا نحن أکثر أموالا وأولاد).

إنّ الله یحبّنا، فقد أعطانا المال الوفیر، والقوّة البشریة، وذلک دلیل على لطفه بحقّنا وإشارة إلى مقامنا وموقعنا عنده، ولذلک لن نعاقب أبداً (وما نحن بمعذّبین)! فلو کنّا مطرودین من رحمته فلِمَ سخّر لنا کلّ هذه النعم؟ الخلاصة، إنّ وفرة النعیم فی دنیانا دلیل واضح على کونه کذلک آخرتنا!!

بعض المفسّرین احتملوا أن یکون قولهم: (وما نحن بمعذّبین) دلیلا على إنکارهم الکلّی للقیامة والعذاب، ولکن الآیات اللاحقة تدلّل على عدم قصد هذا المعنى، بل المراد هو (القرب من الله بسبب الثروة التی یملکونها).

الآیة التی بعدها تردّ بأرقى اُسلوب على هذا المنطق الأجوف الخدّاع وتنسفه من الأساس، وبطریق مخاطبة الرّسول(صلى الله علیه وآله)تقول الآیة الکریمة: قل لهم: إنّ ربّی یرزق من یشاء ویقدر لمن یشاء، وذلک أیضاً طبق مصالح مرتبطة بامتحان الخلق وبنظام حیاة الإنسان، ولیس له أی ربط بقدر ومقام الإنسان عند الله سبحانه وتعالى: (قل إن ربّی یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر).

وعلیه فلا یجب إعتبار سعة الرزق دلیلا على السعادة، وقلّته على الشقاء، (ولکن أکثر الناس لا یعلمون). طبعاً أکثر الجهّال المغفّلین هم کذلک، وإلاّ فإنّ هذا الأمر واضح للعارف.

ثمّ تتابع الآیات هذا المعنى بصراحة أکثر. تقول: (وما أموالکم ولا أولادکم بالتی تقربکم عندنا زلفى)(2) لقد عمّ هذا الإشتباه الخطیر بعضاً من البسطاء، وتصوّروا بأنّهم ما داموا محرومین فی الدنیا فهم مغضوب علیهم ومطرودون من رحمة الله، وهؤلاء المرفّهون هم المحبوبون المقبولون لدیه.

ما أکثر المحرومین الذین امتحنوا بالحرمان، فنالوا أرقى الدرجات والمراتب الروحیة.

وما أکثر المرفّهین الذین أصبحت أموالهم وثرواتهم وبالا علیهم ومقدّمة لعقابهم.

ألیس قد ذکرت الآیة 15 من سورة التغابن بصراحة (إنّما أموالکم وأولادکم فتنة والله عنده أجر عظیم).

ولکن لیس معنى هذا هو حثّ الإنسان على ترک السعی والدأب اللازم لإقامة الأود، بل المقصود هو التأکید على أنّ امتلاک الإمکانات الاقتصادیة والقوّة البشریة الواسعة لا یمثّل أبداً أیّة قیمة معنویة للإنسان عند الله.

ثمّ تتناول الآیة موضوع المعیار الأصلی لتقییم الناس، وما یسبّب قربهم منه (على شکل استثناء منفصل) فتقول: (إلاّ من آمن وعمل صالحاً فاُولئک لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم فی الغرفات آمنون)(3).

وعلیه فجمیع المعاییر تعود أصلا إلى هذین الأمرین «الإیمان» و«العمل الصالح».

ویستوعب هذا المعیار جمیع الأفراد وفی أی زمان أو مکان، ومن أی طبقة أو مجموعة کان. واختلاف مراتب البشر أمام الله إنّما هو بتفاوت درجات إیمانهم ومراتب عملهم الصالح، ولا شیء سوى ذلک، حتى طلب العلم أو الإنتساب إلى أفراد عظماء، بل حتى للأنبیاء، إذا لم یکن مقترناً بهذین الأمرین فإنّه وحده لا یضیف إلى قیمة الإنسان شیئاً.

هنا یشطب القرآن وبصراحة قلّ نظیرها على کلّ الظنون المنحرفة والخرافات بخصوص عوامل القرب من الله، وما یرفع من قیمة الإنسان، ویخلص إلى أنّ المعیار الأصیل هو فی شیئین فقط، یستطیع کلّ الناس تحصیلها، وأنّ الإمکانات والمحرومیات المادیة لا أثر لها فی ذلک.

أجل، فإنّ الأموال والأولاد أیضاً إذا وُجّهت بهذا المسیر، صُبغت بتلک الصبغة الإلهیّة وتقبّلت لون الإیمان والعمل الصالح، وأصبحت سبباً فی القرب من الله، أمّا الأموال والأولاد التی تبعد الإنسان عن الله، وتکون له صنماً یُعبد من دون الله وسبباً للفساد والإفساد، فهی جواذب جهنّم، وکما قال القرآن الکریم: (یاأیّها الذین آمنوا إنّ من أزواجکم وأولادکم عدواً لکم فاحذروهم).(4)

کلمة «ضعف» لیست بمعنى «مضاعفة الشیء مرتین» فقط، بل بمعنى «أضعاف مضاعفة لأکثر من مرتین»، وقد وردت فی هذه الآیة بهذا المعنى، لأنّنا نعلم أنّ أی عمل حسن یُحسب عند الله بعشرة أمثاله على الأقل (من جاء بالحسنة فله عشر أمثاله).(5) وأحیاناً أکثر من ذلک بکثیر.

«غرفات» جمع «غرفة» بمعنى الحجرات العلویة من البناء، والتی غالباً ما تکون إضاءتها أکثر وهواؤها أفضل، وبعیدة عن الآفات، لذا عبّر القرآن عن أفضل منازل الجنّة (بالغرف)، وهذه اللفظة من مادّة «غرف»، على زنة (بحر) بمعنى رفع الشیء وتناوله.

التعبیر بـ «آمنون» فیما یخصّ أهل الجنّة، تعبیر جامع یعکس حالة الطمأنینة الروحیة والجسدیة لهم من کافّة النواحی، فلا خوف من هجوم عدوّ، أو مرض، أو آفة أو ألم، ولا خوف حتى من الخوف!، ولیس أغلى من هذه النعمة بأن یکون الإنسان آمناً من کلّ جانب، فلا بلاء أشدّ من الإحساس بعدم الأمن فی مختلف جوانب الحیاة.

الآیة التالیة تصف الفریق المقابل لهؤلاء، فتقول: أمّا هؤلاء الذین یسعون ویجتهدون لتسفیه آیاتنا، لا یؤمنون ولا یترکون غیرهم یسیرون فی طریق الإیمان، ویتوهّمون أنّهم یستطیعون الفرار من ید قدرتنا، هؤلاء یحضرون فی عذاب ألیم یوم القیامة (والذین یسعون فی آیاتنا معاجزین اُولئک فی العذاب محضرون).

هؤلاء هم الذین اعتمدوا على أموالهم وأولادهم وکثرة عددهم لتکذیب الأنبیاء، وعملوا على إغواء عباد الله، حتى بلغ غرورهم درجة أن توهّموا أنّهم یفلتون من قبضة العذاب الإلهی، ولکن هیهات فانّ مصیرهم فی قلب جهنّم.

وبما أنّ جملة (اُولئک فی العذاب محضرون) لیس فیها ما یدلّل على الزمان الآتی ـ فقد تکون إشارة إلى کون هؤلاء مأسورین بالعذاب حتى فی الوقت الحاضر، وأی عذاب أشدّ من هذا السجن الذی صنعوه لأنفسهم من أموالهم وأولادهم.

کذلک یحتمل أن یکون التعبیر للتدلیل على أنّ وعد الله مسلّم به إلى درجة یمکن القول بأنّهم حالیاً فیه، کما هو الحال بالنسبة إلى قوله: (وهم فی الغرفات آمنون).

«معاجزین»: کما ذهب بعض أرباب اللغة إلى أنّ معناه أنّ هؤلاء تصوّروا أنّهم یستطیعون الفرار من دائرة قدرة الله تعالى وجزائه وعقابه، إلاّ أنّ هذا التوهّم باطل وسراب خادع(6).


1. لسان العرب، ج 9، ص17.
2. «زلفى» و«زلفة» بمعنى المنزلة والحظوة (مفردات الراغب)، ولهذا السبب عبّر عن (منازل اللیل) بـ (زلف اللیل) ـ والتعبیر بـ «التی» لأجل أنّه فی کثیر من الموارد یعود الضمیر المفرد المؤنث إلى جمع التکسیر، وعلیه فلا حاجة إلى التقدیر هنا.
3. التعبیر بـ (جزاء الضعف) من قبیل إضافة الموصوف إلى الصفة.
4. التغابن، 14.
5. أنعام، 160.
6. الحقیقة أن تعبیر (معاجزین) الذی أوردنا تفسیره من مفردات الراغب، شبیه بتعبیر (یخادعون الله ورسوله) البقرة ـ 9، لأنّ باب مفاعلة یمکن أن یأتی على هذه الصورة.
سورة سبأ / الآیة 34 ـ 38 معاییر التقییم:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma