الإمتحان الإلهی العظیم فی مواجهة الأحزاب:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الأحزاب / الآیة 9 ـ 11 سورة الأحزاب / الآیة 12 ـ 17

تتحدّث هذه الآیات والآیات الاُخرى التالیة، والتی تشکّل بمجموعها سبع عشرة آیة، عن أعسر الامتحانات والاختبارات الإلهیة للمؤمنین والمنافقین، واختبار مدى صدقهم فی العمل، الذی بحث فی الآیات السابقة.

إنّ هذه الآیات تبحث أحد أهمّ حوادث تاریخ الإسلام، أی عن «معرکة الأحزاب»، تلک المعرکة التی کانت فی الواقع نقطة انعطاف فی تأریخ الإسلام، وقلبت موازین القوى بین الإسلام والکفر لصالح المسلمین، وکان ذلک النصر مفتاحاً للإنتصارات المستقبلیة العظیمة، فقد انقصم ظهر الأعداء فی هذه الغزوة، ولم یقدروا بعد ذلک على القیام بأیّ عمل مهمّ.

إنّ حرب الأحزاب ـ وکما یدلّ علیها إسمها ـ کانت مجابهة شاملة من قبل عامّة أعداء الإسلام والفئات المختلفة التی تعرّضت مصالحها ومنافعها اللامشروعة للخطر نتیجة توسّع وانتشار هذا الدین.

لقد اُشعلت أوّل شرارة للحرب من قبل یهود «بنی النظیر» الذین جاؤوا إلى مکّة وأغروا «قریش» بحرب النّبی(صلى الله علیه وآله)، ووعدوهم بأن یساندوهم ویقفوا إلى جانبهم حتى النفس الأخیر، ثمّ أتوا قبیلة «غطفان» وهیّئوهم لهذا الأمر أیضاً.

ثمّ دعت هذه القبائل حلفاءها کقبیلة «بنی أسد» و«بنی سلیم»، ولمّا کان الجمیع قد أحسّ بالخطر فإنّهم اتّحدوا واتّفقوا على أن یقضوا على الإسلام إلى الأبد، ویقتلوا النّبی (صلى الله علیه وآله)، ویقضوا على المسلمین، ویغیروا على المدینة ویطفئوا مشعل الإسلام ونوره.

أمّا المسلمون الذین رأوا أنفسهم أمام هذا الجحفل الجرّار، فإنّهم اجتمعوا للتشاور بأمر النّبی(صلى الله علیه وآله)، وقبل کلّ شیء أخذوا برأی «سلمان الفارسی» وحفروا حول المدینة خندقاً حتى لا یستطیع العدو عبوره بسهولة ویهجم على المدینة، ولهذا کان أحد أسماء هذه المعرکة «معرکة الخندق».

لقد مرّت لحظات صعبة وخطرة جدّاً على المسلمین، وکانت القلوب قد بلغت الحناجر، وکان المنافقون من جهة اُخرى قد شمّروا عن السواعد وجدّوا فی تآمرهم على الإسلام، وکذلک ضخامة عدد الأعداء وقلّة عدد المسلمین ـ (ذکروا أنّ عدد الکفّار کان عشرة آلاف، أمّا المسلمون فکانوا ثلاثة آلاف) وإستعداد الکفّار من ناحیة المعدّات الحربیة وتهیئة کافّة المستلزمات، کلّ ذلک قد رسم صورة کالحة للمصیر المجهول فی أعین المسلمین.

إلاّ أنّ الله سبحانه أراد أن ینزل هنا آخر ضربة بالکفر، ویمیّز صفّ المنافقین عن صفوف المسلمین، ویفضح المتآمرین، ویضع المسلمین الحقیقیین فی موضع الإختبار العسیر.

وأخیراً انتهت هذه الغزوة بانتصار المسلمین ـ کما سیأتی تفصیل ذلک ـ فقد هبّت بأمر الله عاصفة هوجاء إقتلعت خیام الکفّار وأتلفت وسائلهم، وألقت فی قلوبهم الرعب الشدید، وأرسل سبحانه قوى الملائکة الغیبیة لعون المسلمین.

وقد اُضیف إلى ذلک تجلّی قدرة وعظمة أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) أمام عمرو بن عبد ودّ، فلاذ المشرکون بالفرار من دون القدرة على القیام بأیّ عمل.

نزلت الآیات السبع عشرة من هذه السورة، واستطاعت بتحلیلاتها الدقیقة والفاضحة أن تستفید من هذه الحادثة المهمّة من أجل إنتصار الإسلام النهائی وقمع المنافقین بأفضل وجه.

کان هذا عرضاً لمعرکة الأحزاب التی وقعت فی السنة الخامسة للهجرة(1)، ومن هنا نتوجّه إلى تفسیر الآیات ونؤجّل سائر جزئیات هذه الغزوة إلى بحث الملاحظات.

یلخّص القرآن الکریم هذه الحادثة فی آیة واحدة أوّلا، ثمّ یتناول تبیان خصوصیاتها فی الستّ عشرة آیة الاُخرى، فیقول: (یاأیّها الذین آمنوا اذکروا نعمة الله علیکم إذ جاءتکم جنود (کثیرة جدّاً) فأرسلنا علیهم ریحاً وجنوداً لم تروها وکان الله بما تعملون بصیر) ویعلم أعمال کلّ جماعة وما قامت به فی هذا المیدان الکبیر.

وهنا جملة مطالب تستحقّ الدقّة:

إنّ تعبیر (اذکرو) یوحی بأنّ هذه الآیات نزلت بعد انتهاء الحرب ومضی فترة من الزمن أتاحت للمسلمین أن یحلّلوا فی عقولهم وأفکارهم ما کانوا قد رأوه لیکون التأثیر أعمق.

إنّ التعبیر بـ «الجنود» إشارة إلى مختلف الأحزاب الجاهلیة کقریش وغطفان وبنی سلیم وبنی أسد وبنی فزارة وبنی أشجع وبنی مرّة، وکذلک إلى طائفة الیهود فی داخل المدینة.

إنّ المراد من (جنوداً لم تروه) والتی نزلت لنصرة المسلمین، هو «الملائکة» التی ورد نصرها للمؤمنین فی غزوة بدر فی القرآن المجید بصراحة، ولکن کما بیّنا فی ذیل الآیة 9 من سورة الأنفال، فإنّا لا نمتلک الدلیل على أنّ هذه الجنود الإلهیّة اللامرئیة نزلت إلى المیدان وحاربت، بل إنّ القرائن الموجودة تبیّن أنّ الملائکة نزلت لرفع معنویات المؤمنین وشدّ عزیمتهم وإثارة حماسهم(2).

وتقول الآیة التالیة تجسیداً للوضع المضطرب فی تلک المعرکة، وقوّة الأعداء الحربیة الرهیبة، والقلق الشدید لکثیر من المسلمین: (إذ جاؤوکم من فوقکم ومن أسفل منکم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنون).

یعتقد کثیر من المفسّرین أنّ کلمة (فوق) فی هذه الآیة إشارة إلى الجانب الشرقی للمدینة، وهو المکان الذی دخلت منه قبیلة غطفان، و(أسفل) إشارة إلى غربها حیث دخلت منه قریش ومن معها.

إذا لاحظنا أنّ «مکّة» تقع فی جنوب المدینة تماماً، فمن الطبیعی أنّ قبائل المشرکین أتت من الجنوب، لکن ربّما کان وضع الطریق ومدخل المدینة فی حالة بحیث إنّ هؤلاء قد داروا قلیلا حول المدینة ودخلوا من الغرب، وعلى کلّ حال فإنّ الجملة أعلاه إشارة إلى محاصرة هذه المدینة من قبل مختلف أعداء الإسلام.

إنّ جملة (زاغت الأبصار) ـ بملاحظة أنّ «زاغت» من مادّة الزیغ، أی المیل إلى جانب واحد ـ إشارة إلى الحالة التی یشعر بها الإنسان عند الخوف والإضطراب، حیث تمیل عیناه إلى جهة واحدة، وتتسمّر وتثبت على نقطة معیّنة، ویبقى متحیّراً حینذاک.

وجملة (بلغت القلوب الحناجر) کنایة جمیلة عن حالة القلق والإضطراب، وإلاّ فإنّ القلب المادّی لا یتحرّک من مکانه مطلقاً، ولا یصل فی أی وقت إلى الحنجرة.

وجملة (وتظنّون بالله الظنون) إشارة إلى أنّ بعض المسلمین خطرت على أفکارهم ظنون شیطانیة، لأنّهم لم یکونوا قد وصلوا بعد إلى مرحلة الکمال فی الإیمان، وهؤلاء هم الذین تقول عنهم الآیة التالیة: إنّهم زلزلوا زلزالا شدیداً.

ربّما کان بعضهم یفکّر ویظنّ بأنّنا سننهزم فی نهایة المطاف، وینتصر جیش العدوّ بهذه القوّة والعظمة، وقد حانت نهایة عمر الإسلام، وأنّ وعود النّبی(صلى الله علیه وآله) بالنصر سوف لا تتحقّق مطلقاً.

من الطبیعی أنّ هذه الأفکار لم تکن عقیدة راسخة، بل کانت وساوس حدثت فی أعماق قلوب البعض، وهذا شبیه بما ذکره القرآن فی معرکة اُحد، حیث یقول: (وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم یظنّون بالله غیر الحقّ ظنّ الجاهلیة).(3)

ولا شکّ أنّ المخاطب فی هذه الآیة محل البحث هم المؤمنون، وجملة (یاأیّها الذین آمنو)التی وردت فی الآیة السابقة دلیل واضح على هذا المعنى، وربّما لم یلتفت الذین اعتبروا المنافقین هم المخاطبون هنا إلى هذه المسألة، أو لعلّهم ظنّوا أنّ مثل هذه الظنون لا تتناسب مع الإیمان والإسلام، فی حین أنّ ظهور مثل هذه الأفکار لا یتعدّى کونها وسوسة شیطانیة، خاصّة فی تلک الظروف الصعبة المضطربة جدّاً، وهذا أمر طبیعی بالنسبة لضعفاء الإیمان، والحدیثی العهد بالإسلام(4).

هنا کان الامتحان الإلهی قد بلغ أشدّه کما تقول الآیة التالیة: (هنالک ابتلی المؤمنون وزلزلوا زلزالا شدید).

من الطبیعی أنّ الإنسان إذا اُحیط بالعواصف الفکریة، فإنّ جسمه لا یبقى بمعزل عن هذا الإبتلاء، بل ستظهر علیه آثار الإضطراب والتزلزل، وکثیراً ما نرى أنّ الأشخاص المضطربین فکریاً لا یستطیعون الإستقرار فی مجلسهم وتنعکس وبشکل واضح اضطراباتهم الفکریة من خلال حرکاتهم وصفقهم یداً بید.

وأحد شواهد هذا القلق والاضطراب الشدید ما نقلوه من أنّ خمسة من أبطال العرب المعروفین ـ وکان على رأسهم «عمرو بن عبد ودّ» ـ نزلوا إلى المیدان بغطرسة متمیّزة واعتداد بالنفس کبیر، فقالوا: هل من مبارز؟ سیّما عمرو بن عبد ودّ الذی کان یرتجز ویسخر من المسلمین ویستهزىء بالجنّة والآخرة، وکان یقول: أیّها المسلمون ألم تزعموا أنّ قتلاکم فی الجنّة؟ فهل فیکم من یشتاق إلى الجنّة؟ إلاّ أنّ السکوت ساد على معسکر المسلمین أمام سخریته واستهزائه ودعوته للبراز، ولم یجرؤ أحد على مناجزته، إلاّ علی بن أبی طالب (علیه السلام)الذی هبّ لمبارزته، وحقّق نصراً کبیراً للمسلمین، وسیأتی ذلک مفصّلا فی البحوث.

نعم... إنّ الحدید یزداد صلابة وجودة إذا عرض على النار، والمسلمون الأوائل کان یجب أن یوضعوا فی بوتقة الحوادث الصعبة المرّة، وخاصّة فی غزوات کغزوة الأحزاب، لیصبحوا أشدّ مقاومة وصلابة.


1. ما ذکرناه أعلاه کان اختصاراً لبحث مفصّل أورده المؤرخّون، ومن جملتهم ابن الأثیر فی الکامل.
2. لمزید الإیضاح فی هذا الباب راجع التّفسیر الأمثل ذیل الآیة 9 من سورة الأنفال.
3. آل عمران، 154.
4. فسّر جمع من المفسّرین (الظنون) هنا بالمعنى الأعمّ من الظنّ السیء والحسن، إلاّ أنّ القرائن الموجودة فی هذه الآیة والآیة التالیة تبیّن أنّ المراد من الظنون هنا السیّئة منها.
سورة الأحزاب / الآیة 9 ـ 11 سورة الأحزاب / الآیة 12 ـ 17
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma