الندم وطلب الرجوع:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
 سورة السجدة / الآیة 10 ـ 14 1ـ إستقلال الروح وأصالتها

تبدأ هذه الآیات ببحث واضح جلی حول المعاد، ثمّ تبیّن وتبحث حال المجرمین فی العالم الآخر، وهی فی المجموع تتمّة للبحوث السابقة التی تحدّثت حول المبدأ، إذ إنّ البحث عن المبدأ والمعاد مقترنان غالباً فی القرآن المجید فتقول: إنّ هؤلاء الکفّار یتساءلون باستغراب بأنّنا إذا متنا وتحوّلت أبداننا إلى تراب واندثرت تماماً فهل سوف نُخلق من جدید: (وقالوا أءذا ضللنا فی الأرض أءِنّا لفی خلق جدید).

إنّ التعبیر بـ (ضللنا فی الأرض) إشارة إلى أنّ الإنسان یصبح تراباً بعد موته کسائر الأتربة ویتفرّق هذا التراب نتیجة العوامل الطبیعیة وغیر الطبیعیة، ولا یبقى منه شیء حتى یعیده الله سبحانه فی القیامة مرّة اُخرى.

إلاّ أنّ هؤلاء لیسوا بمنکرین قدرة الله فی الحقیقة (بل هم بلقاء ربّهم کافرون) فإنّهم ینکرون مرحلة لقاء الله والحساب والثواب والعقاب لتبریر حریة العمل ولیعملوا ما یریدون!

وهذه الآیة تشبه کثیراً الآیات الاُولى من سورة القیامة التی تقول: (أیحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه * بلى قادرین على أن نسوّی بنانه * بل یرید الإنسان لیفجر أمامه * یسأل أیّان یوم القیامة).(1)

بناء على هذا، فإنّ هؤلاء لیسوا قاصرین من ناحیة الاستدلال، ولکن شهواتهم حجبت قلوبهم، ونیّاتهم السیّئة منعتهم من قبول مسألة المعاد، وإلاّ فإنّ الله الذی أعطى قطعة المغناطیس القوّة التی تجذب إلى نفسها ذرّات الحدید الصغیرة جدّاً والمتناثرة فی طیّات أطنان من تراب الأرض من خلال جولة سریعة فی تلک الأرض، وتجمعها بکلّ بساطة، هو الذی یجعل بین ذرّات بدن الإنسان مثل هذه الجاذبیة المتقابلة.

من الذی یستطیع أن ینکر أنّ المیاه الموجودة فی جسم الإنسان ـ وأکثر جسم الإنسان ماء ـ وکذلک المواد الغذائیة، کانت ذرّاتها متناثرة فی زاویة من العالم قبل ألف عام مثلا، وکلّ قطرة فی محیط، وکلّ ذرّة فی إقلیم، إلاّ أنّها تجمّعت عن طریق السحاب والمطر والعوامل الطبیعیة الاُخرى، وکوّنت الوجود الإنسانی فی النهایة، فأی داع للعجب من أن تجتمع وترجع إلى حالها الأوّل بعد تلاشیها وتبعثرها؟!

وتجیب الآیة هؤلاء عن طریق آخر، فتقول: لا تتصوّروا أنّ شخصیتکم بأبدانکم وأجسامکم، بل بأرواحکم، وهی باقیة ومحفوظة: (قل یتوفّاکم ملک الموت الذی وکّل بکم ثمّ إلى ربّکم ترجعون).

إذا لاحظنا أنّ معنى «یتوفّاکم» ـ من مادة «توفّی» (على وزن تصدّی)، هو الإستیفاء، فإنّ الموت سوف لا یعنی الفناء، بل نوع من قبض الملائکة لروح الإنسان التی تشکّل أهمّ من وجود الإنسان.

صحیح أنّ القرآن یتحدّث عن المعاد الجسمانی، ویعتبر رجوع الروح والجسم المادّی فی المعاد حتمیّاً، إلاّ أنّ الهدف من الآیة أعلاه هو بیان أنّ هذه الأجزاء المادیّة التی شغلتم بها فکرکم تماماً لیست هی أساس شخصیّة الإنسان، بل الأساس هو الجوهر الروحی الذی جاء من قبل الله تعالى وإلیه یرجع.

وفی المجموع یمکن أن یقال: إنّ الآیتین أعلاه تجیبان منکری المعاد بهذا الجواب: إذا کان إشکالکم فی تفرّق الأجزاء الجسمیة، فإنّکم تقرّون بقدرة الله سبحانه ولا تنکرونها، وإذا کان إشکالکم فی اضمحلال وفناء شخصیة الإنسان على أثر تناثر تلک الذرّات، فلا یصحّ ذلک لأنّ أساس شخصیّة الإنسان یستند إلى الروح.

وهذا الإیراد لا یختلف عن شبهة (الآکل والمأکول) المعروفة، کما أنّ جوابه فی الموردین یشبه جواب تلک الشبهة(2).

وثمّة مسألة ینبغی التوجّه إلیها، وهی أنّ فی بعض آیات القرآن نُسب التوفّی إلى الله سبحانه: (الله یتوفّى الأنفس حین موته)،(3) وفی بعضها إلى مجموعة من الملائکة: (الذین تتوفّاهم الملائکة ظالمی أنفسهم...).(4) وفی الآیات مورد البحث نسب قبض الأرواح إلى ملک الموت، إلاّ أنّه لا منافاة بین هذه التعبیرات مطلقاً، فإنّ لملک الموت معنى الجنس، وهو یطلق على کلّ الملائکة، أو هو إشارة إلى کبیر الملائکة وزعیمها، ولمّا کان الجمیع یقبضون الأرواح بأمر الله سبحانه، فقد نسب الفعل إلى الله عزّوجلّ.

ثمّ تجسّد وضع هؤلاء المجرمین الکافرین ومنکری المعاد الذین یندمون فی القیامة أشدّ الندم على ما کان منهم لدى مشاهدة مشاهدها ومواقفها المختلفة، فتقول: (ولو ترى إذ المجرمون ناکسوا رؤوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون)(5).

ستعجب حقّاً! أهؤلاء النادمون الناکسو الرؤوس هم اُولئک المتکبّرون العتاة العصاة الذین لم یکونوا یذعنون فی الدنیا لأیّة حقیقة؟! إلاّ أنّهم الآن یتغیّرون تماماً عند رؤیة مشاهد القیامة ویصلون إلى مستوى الشهود، لکنّ هذا الوعی وتغییر الموقف سریع الزوال، فإنّهم ـ وطبقاً لآیات القرآن الاُخرى ـ لو رجعوا إلى هذه الدنیا لعادوا إلى حالتهم الاُولى، الأنعام الآیة 28.

«الناکس» من مادّة (نکس) على وزن (کلب) بمعنى إنقلاب الشیء، وهنا یعنی خفض الرأس إلى الأسفل وطأطأته.

تقدیم «أبصرنا» على «سمعنا» لأنّ الإنسان یرى المشاهد والمواقف أوّلا، ثمّ یسمع إستجواب الله والملائکة.

ویتبیّن ممّا قلناه أنّ المراد من «المجرمین» هنا الکافرون، وخاصّة منکری القیامة.

وعلى کلّ حال، فلیست هذه المرّة الاُولى التی نواجه فیها هذه المسألة فی آیات القرآن، وهی أنّ المجرمین یندمون أشدّ الندم عند مشاهدة نتائج الأعمال والعذاب الإلهی، ویطلبون الرجوع إلى الدنیا، فی حین أنّ مثل هذا الرجوع غیر ممکن فی السنّة الإلهیة، کما أنّ رجوع الطفل إلى رحم الاُمّ، والثمرة المقطوفة إلى الشجرة غیر ممکن.

والجدیر بالذکر أنّ طلب المجرمین الوحید هو الرجوع إلى الدنیا لیعملوا صالحاً، ومن هنا یتّضح جیّداً أنّ رأسمال النجاة الوحید فی القیامة هو الأعمال الصالحة... تلک الأعمال التی تنبع من قلب طاهر ملیء بالإیمان، وتتمّ بخالص النیّة.

ولمّا کان کلّ هذا الإصرار والتأکید على قبول الإیمان قد یوهم عجز الله سبحانه عن أن یلقی نور الإیمان فی قلوب هؤلاء، فإنّ الآیة التالیة تضیف: (ولو شئنا لآتینا کلّ نفس هداه).

فمن المسلّم أنّ الله تعالى یمتلک مثل هذه القدرة، إلاّ أنّ الإیمان الذی یتحقّق ویتمّ بالإجبار لا قیمة له، ولذا فالمشیئة الإلهیّة أرادت أن ینال الإنسان شرف کونه مختاراً، وأن یسیر فی طریق التکامل بحریته واختیاره، ولذلک تضیف فی النهایة لقد قرّرت أن أخلق الإنسان مختاراً (ولکن حقّ القول منّی لأملأنّ جهنّم من الجنّة والناس أجمعین).

أجل... إنّ المجرمین سلکوا هذا الطریق بسوء اختیارهم، ولذلک فهم مستحقّون للعقاب، ونحن قد قطعنا على أنفسنا أن نملأ جهنّم منهم.

وبملاحظة ما قلناه، وبملاحظة مئات الآیات القرآنیة التی تعتبر الإنسان موجوداً مختاراً ذا إرادة، ومکلّفاً بتکالیف، ومسؤولا عن أعماله، وقابلا للهدایة بواسطة الأنبیاء وتهذیب النفس وتربیتها، فإنّ کلّ توهّم یبتنی على أنّ الآیة أعلاه دلیل على الجبر ـ کما ظنّ ذلک الفخر الرازی وأمثاله ـ واضح البطلان.

ولعلّ الجملة الشدیدة القاطعة أعلاه إشارة إلى أن لا تتصوّروا أنّ رحمة الله الواسعة تمنع من عقاب المجرمین الفسقة والظالمین، وأن لا تغترّوا بآیات الرحمة وتعدّوا أنفسکم بمأمن من العذاب الإلهی، فإنّ لرحمته موضعاً، ولغضبه موضعاً.

إنّه عزّوجلّ سَیَفِی بوعیده حتماً ـ وخاصّة بملاحظة لام القسم فی جملة (لأملأنّ) ونون

التوکید فی آخرها ـ وسیملأ جهنّم من أصحابها هؤلاء، وإن لم یفعل فذلک خلاف الحکمة، ولذلک تقول الآیة التالیة: إنّا سنقول لأصحاب النار (فذوقوا بما نسیتم لقاء یومکم هذا إنّا نسیناکم وذوقوا عذاب الخلد بما کنتم تعملون).

مرّة اُخرى یستفاد من هذه الآیة أنّ نسیان محکمة القیامة العادلة هو الأساس لکلّ تعاسة وشقاء للإنسان، لأنّه سیرى نفسه فی هذه الصورة حرّاً إزاء ارتکاب القبائح والظلم والعدوان.(6)

وکذلک یستفاد من الآیة بوضوح أنّ العقاب الأبدی للفرد معلول لما إرتکبه من أعمال فی دار الدنیا، لا لشیء آخر.

وضمناً یتّضح أنّ المراد من «نسیان الله» هو عدم رعایته ونصرته لهم، وإلاّ فإنّ جمیع العالم حاضر دوماً عند الله، ولا معنى للنسیان بالنسبة له عزّوجلّ.


1. القیامة، 3 ـ 6.
2. لمزید الإیضاح حول شبهة (الآکل والمأکول) وجوابها المفصّل راجع التّفسیر الأمثل، ذیل الآیة 260 من سورة البقرة.
3. الزمر، 42.
4. النحل، 28.
5. (لو) فی الآیة الشریفة شرطیة، شرطها جملة (وترى...) وجزاؤها محذوف، والتقدیر: «ولو ترى إذ المجرمون... لرأیت عجباً». وفی جملة (ربّنا أبصرن) حذف تقدیره: یقولون ربّنا أبصرنا.
6. لمزید الایضاح یراجع الى هذا التفسیر، ذیل الآیة 107 من سورة هود.
 سورة السجدة / الآیة 10 ـ 14 1ـ إستقلال الروح وأصالتها
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma