الموتى والصُّمّ لا یسمعون کلامک:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
 سورة الروم / الآیة 51 ـ 54 سورة الروم / الآیة 55 ـ 60

حیث إنّ الکلام کان ـ فی الآیات السابقة ـ عن الریاح المبارکة التی کانت مبشرات بالغیث والرحمة، ففی أوّل آیة من الآیات أعلاه إشارة إلى الریاح المدمرّة والتی تجلب الضرر، إذ یقول القرآن فی هذا الصدد: (ولئن أرسلنا ریحاً فرأوه مصفرّاً لظلّوا من بعده یکفرون ).

اُولئک هم الضعفاء الحمقى فهم قبل نزول الغیث مبلسون آیسون، وبعد نزوله مستبشرون، وإذا هبت ریح صفراء فی بعض الأیّام وابتلُوا مؤقتاً تراهم یتصارخون وبالکفر یجأرون ویتجرأون!

على العکس من المؤمنین الصادقین الذین هم بنعمة الله مستبشرون وعلیهایشکرون، وعند نزول المصائب والمشاکل تراهم صابرون، ولا یؤثر التغییر المعاشی والحیاتی المادی فی إیمانهم أبداً، ولیسوا کعمی القلوب ضعیفی الإیمان، الذین یظهرون إیمانهم بمجرّد هبوب الریح، ویکفرون مرّة اُخرى إذا هبت الریح بشکل آخر!

وکلمة «مصفراً» مشتقّة من «الصُفرة» على زنة «سفرة» وهی لون معروف، ویعتقد أکثر

المفسّرین أن الضمیر فی «رأوه» یعود على الشجر والنباتات التی تصفر وذبل على أثر هبوب الریاح المخربة.

واحتمل بعضهم أنّ الضمیر یعود على السحاب، والسحاب المصفّر طبعاً سحاب خفیف، وهو عادة لا یحمل قطراً، على العکس من الغیوم السود الکثیرة، فإنّها تولد الغیث والقطر.

کما یعتقد بعضهم أنّ الضمیر فی «رأوه» یعود على الریح، لأنّ الریاح الطبیعیة عادة لا لون فیها (فهی عدیمة اللون) إلاّ أنّ الریاح التی تهب وهی مصفرة، فهی ریح سموم وهجیر، وفی کثیر من الأحیان تحمل معها الغبار.

وهناک احتمال رابع، وهو أنّ «المصفّر» معناه الخالی، لأنّه کما یقول الراغب فی مفرداته، یطلق على الإناء الخالی، والبطن الخالیة من الطعام، والأوردة من الدم أنّها (صفر) على وزن (سفر)، فعلى هذا یکون هذا التعبیر آنف الذکر فی شأن الریاح الخالیة من القطر والغیث.

وفی هذه الصورة یعود الضمیر فی «رأوه» على الریح (فلاحظوا بدقة).

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل أشهر من الجمیع!

وما یستلفت النظر، هو أنّ الریاح النافعة ذات الغیث جاءت هنا بصیغة الجمع، ولکن على العکس منها الریح التی تجلب الضرر فقد جاءت بصیغة المفرد، وهی إشارة إلى أنّ معظم الریاح نافعة ومفیدة، غیر أنّ ریح السموم هی من الحالات الاستثنائیة التی تهب أحیاناً فی السنة مرّة أو فی الشهر مرّة.. لکن الریاح المفیدة تهب دائماً (لیل نهار).

أو أنّها إشارة إلى أنّ الریاح النافعة إنّما تکون کذلک ویکون لها أثرها المفید، إذا تتابعت، غیر أنّ الریح السیئة تترک أثرها عند هبوبها فی المرّة الأولى.

وآخر ما ینبغی الإشارة إلیه من اللطائف الضروریة فی ذیل هذه الآیة، هو التفاوت ما بین (یستبشرون ) فی شأن الریاح النافعة التی ذکرتها الآیة المتقدمة، وجملة (لظلوا من بعده یکفرون ) الواردة فی الآیة محل البحث.

وهذا الاختلاف أو التفاوت یدل على أنّهم یرون هذه النعم العظیمة المتتابعة التی أنعمها الله علیهم فیفرحون ویستبشرون، غیر أنّهم لو أصیبوا مرّة واحدة أو یوماً واحداً بمصیبة، فإنّهم یضجون ویکفرون حتى کأنّهم غیر تارکین للکفر، حل بهم!.

وهذا تماماً یشابه حال اُولئک الذین یعیشون عمراً بسلامة ولا یشکرون الله، لکنّهم إذا

مرضوا لیلة واحدة بالحمى «واشتعلوا بحرارتها» فإنّهم یظهرون الکفر وهذه هی حال الجهلة من ضعفاء الإیمان، وکان لنا فی هذا الصدد فی الآیة 35 من هذه السورة، والآیتین 9 و10 من سوره هود، والآیة 11 من سورة الحج بحوث أخر أیضاً.

وفی الآیتین التالیتین ـ بمناسبة البحث الوارد فی الآیة السابقة ـ فإن الناس یُقسمون إلى أربعة طوائف:

طائفة «الموتى» الذین لا یدرکون أیة حقیقة، وإن کانوا أحیاءً فی الظاهر!

وطائفة «الصُم» الذین هم غیر مستعدین للاستماع إلى الکلام الحق.

وطائفة «العمی» الذی حُرموا من رؤیة وجه الحق!

وأخیراً طائفة المؤمنین الصادقین الذین لهم قلوب یفقهون بها، ولهم أعین یبصرون بها، ولهم آذان یسمعون بها.

فتقول الآیة الأولى: (فإنّک لا تسمع الموتى ) ولذلک لا تؤثر مواعظک فی أصحاب القلوب المیتة.

وکذلک (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرین ).

وتأتی الآیة الثّانیة لبیان بقیة الطوائف فتقول: (وما أنت بهادی العمی عن ضلالتهم إن تسمع إلاّ من یؤمن بآیاتنا فهم مسلمون ).

وکما قلنا من قبل، فإنّ القرآن لدیه ماهو أفضل من «الحیاة والموت المادیین والجسمانیین» وأفضل من السمع والبصر الظاهریین فلدیه نوع اسمى من هذه الحیاة والموت والسمع والبصر، وتکمن فیها سعادة الإنسان أو شقاؤه!

فالقرآن لدیه معیار لتقییم هذه الأمور، لا بالقیمة المادیة والفیزیائیة، بل القیمة المعنویة والإنسانیة.

والشرط الأوّل لإدراک الحقیقة أن یکون للإنسان قلب مهیأ ومستعد، وعین باصرة وأذن سمیعة، وإلاّ فلو اجتمع جمیع الأنبیاء والأولیاء وتلوا جمیع الآیات الإلهیّة على من لا یدرک الحقیقة لما اقترفه من الذنوب واللجاجة والعناد، فإنها لن تؤثر فیه!.

وإنّما أشار القرآن إلى هاتین الحاستین الظاهرتین، بالإضافة إلى الإدراک الباطنی فحسب، فلأجل أن أکثر معلومات الإنسان، إمّا أن یکون عن طریق هاتین الحاستین (العین والأذن)، أو عن طریق الوجدان والتحلیل العقلی!

والطریف هنا أنّ المراحل الثلاث ـ الواردة فی الآیات الآنفة الذکر ـ هی ثلاث مراحل مختلفة من الانحراف وعدم درک الحقیقة، وهی تبدأ من شدیدها وتنتهی بالخفیف منها!

فالمرحلة الأولى: هی موت القلوب المعبر عنها بـ «الموتى» وهذه المرحلة لیس للحقیقة أی طریق للنفوذ فیها.

والمرحلة الثّانیة: مرحلة «الصمم» وعدم السمع، ولا سیما عند اُولئک الذین یدیرون ظهورهم وهم فی حالة الفرار، فقد یؤثر فیهم الصراخ الشدید لو کانوا قریبین، لکن فی مثل هذه الحال وهم یفرون، فلا!

وبالطبع فإنّ هذه الطائفة لیست کالموتى، فمن الممکن أحیاناً أن یتمّ تفهیمهم بالإشارة أو العلامة، إلاّ أنّنا نعرف أنّ کثیراً من الحقائق لا یمکن بیانها وإیصالها إلى الذهن بالإشارة! وخاصة حین یدیر الطرف الآخر ظهره ویکون بعیداً.

المرحلة الثّالثة: (العمى)، وبالطبع فإن الحیاة مع العمی أسهل بمراتب من الحیاة مع «الصُم» أو الحیاة مع «الموتى»، فعلى الأقل لدیهم آذان سمیعة، ویمکن إیصال کثیر من المفاهیم إلیهم... لکن این السمع فی إدراک الحقائق من البصر؟!

ثمّ بعد هذا کلّه، فإنّ تبیین المسائل غیر کاف وحده، فلنفرض أن یقال للأعمى سر باتجاه الیمین أو الیسار، فإنّ تطبیق هذا الأمر لیس سهلا، وربّما بأقل خطأ ـ أحیاناً ـ فی تحدید المقدار، یؤدّی بالأعمى إلى السقوط!

وفی بحثنا المفصل فی ذیل الآیتین 80 و81 من سورة النمل، بیّنا ـ ضمن التحلیل لحقیقة الحیاة والموت ـ الإشکال الواهی الذی أثاره جماعة من الوهابیین، إذ یستعینون بمثل هذه الآیات ـ محل البحث وغیرها ـ لإثبات عدم جواز التوسل بالنّبی والأئمّة الطاهرین، ویقولون: إنّ الموتى (حتى النّبی) لایفهمون شیئاً.

غیر أنّنا أثبتنا هناک أن الإنسان ـ خاصّة من هو بمستوى الأئمّة الکرام والشهداء العظام ـ له نوع من الحیاة البرزخیة بعد الموت، وهناک وثائق کثیرة وأدلة متعددة من القرآن والأحادیث تشهد بذلک وتؤیده، وفی هذه الحیاة البرزخیة إدراک وبصر أوسع من الحیاة الدنیویة (لمزید الإیضاح یراجع التّفسیر الأمثل، ذیل الآیات المشار إلیها آنفاً).

وهنا ینبغی أن نضیف هذه الجملة، وهی أنّ جمیع المسلمین فی صلاتهم ـ دائماً ـ یخاطبون النّبی(صلى الله علیه وآله) ویلسمون علیه بهذه الجملة «السلام علیک أیّها النّبی ورحمة الله وبرکاته» ونعرف

أنّ المخاطبة الحقیقة لا المجازیة یجب أن تکون ـ حتماً ـ مع إنسان یسمع ویدرک!

فعلى هذا الأساس لازم السلام على النّبی بهیأة المخاطبة من بعید أو قریب، أن روحه المقدسة تسمع جمیع هذه التحیات، ولا دلیل یقودنا إلى أن نحمل هذه التحیات على المجاز!.

وفی آخر آیة ـ من الآیات محل البحث ـ یشیر القرآن إلى دلیل آخر من أدلة التوحید، وهو دلیل الفقر والغنى، ویکمل البحوث التی تدور حول التوحید فی هذه السورة، فیقول: (الله الذی خلقکم من ضعف ثمّ جعل من بعد ضعف قوة ثمّ جعل من بعد قوة ضعفاً وشیبة ).

کنتم فی البدایة ضعافاً إلى درجة أنّکم لم تکن لکم القدرة على طرد الذباب عنکم، أو أن تحافظوا على لعاب أفواهکم أن یسیل، هذا من الناحیة الجسمیة، أمّا من الناحیة الفکریة فمصداقة قوله تعالى: (لاتعلمون شیئ ) بحیث لم تعرفوا حتى أبویکم المشفقین علیکم.

لکن ـ قلیلا قلیلا ـ صرتم ذوی رشد وقوّة، وصار لکم جسم قوی، وفکر جید، وعقل مقتدر إدراک واسع!

ومع هذه الحال لم تستطیعوا أن تحافظوا على هذه القوّة، فمثلکم کمن یصعد من طرف الجبل إلى قمته، ثمّ یبدأ بالإنحدار من القمة إلى قعر الوادی، الذی یمثل «مرحلة ضعف الجسم والروح».

هذا التغیر والصعود والنّزول خیر دلیل لهذه الحقیقة، وهی أنّه لم تکن القوّة من عندکم ولا الضعف، فکل منهما کان من جهة اُخرى، وهذا بنفسه دلیل على أنّ وراءکم من یدبّر اُمورکم ویسیّر حیاتکم وما عندکم فهو أمر عارض!

وهذا هو ما أشار إلیه الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی کلامه النیّر إذ قال: «عرفت الله بفسخ العزائم وحل العقود ونقض الهمم»(1).

لقد عرفت من هذا الاختلاف والتغیر أنّ القوة الأصلیة لیست بأیدینا، فهی بید الله، ولیس لدینا بنحو مستقل أی شیء سوى ما وهبنا إیّاه!

ومن الطریف أنّ القرآن یضیف ـ عند بیان الضعف الثّانی للإنسان ـ کلمة (وشیبة ) غیر أنّه لم یذکر «الطفولة» فی الضعف الأول.

وهذا التعبیر ربّما کان إشارة إلى أن ضعف الشیخوخة والشیب أشدّ ألماً، لأنّه على العکس من ضعف الطفولة، إذ یتجه نحو الفناء والموت... هذا أوّلا.

وثانیاً فإن ما یتوقع من الشیبة والمسنین مع ما لهم تجارب لیس کما یتوقع من الأطفال، على حین أن ضعف کل منهما مشابه للآخر، وهذا الموضوع یدعوا إلى الاعتبار کثیراً.

فهذه المرحلة هی التی تدفع الأقویاء والطغاة إلى الانحناء، وتجرهم إلى الضعف والذلة!

أمّا آخر جملة فی الآیة فهی إشارة إلى علم الله الواسع وقدرته المطلقة: (یخلق ما یشاء وهو العلیم القدیر ) وهی بشارة وإنذار فی الوقت ذاته، أی إنّ الله مطلع على جمیع نیّاتکم، وهو قدیر على مجازاتکم وثوابکم!


1. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الجملة 250.
 سورة الروم / الآیة 51 ـ 54 سورة الروم / الآیة 55 ـ 60
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma