مراحل خلق الإنسان العجیبة!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة السجدة / الآیة 6 ـ 9 کیفیة خلق آدم من التراب:

إنّ الآیات ـ مورد البحث ـ إشارة وتأکید فی البدایة على بحوث التوحید التی مرّت فی الآیات السابقة، والتی کانت تتلخّص فی أربع مراحل: توحید الخالقیة، والحاکمیة، والولایة، والربوبیة، فتقول: (ذلک عالم الغیب والشهادة العزیز الرحیم).

من البدیهی أنّ من یرید أن یدبّر اُمور السماء والأرض، وأن یکون حاکماً علیها، ویتعهّد ویقوم بمهام مقام الولایة والشفاعة والإبداع، یجب أن یکون مطّلعاً على کلّ شیء، الظاهر والباطن، حیث لا یمکن أن یتمّ أیّ من هذه الاُمور بدون الإطّلاع وسعة العلم.

وفی نفس الوقت الذی یجب أن یکون هذا المدبّر عزیزاً قویّاً لا یقهر لیقوى على القیام بهذه الأعمال المهمّة، ینبغی أن تقترن هذه العزّة باللطف والرحمة، لا الخشونة والغلظة.

ثمّ تشیر الآیة التالیة إلى نظام الخلقة الأحسن والأکمل بصورة عامّة، ومقدّمة لبیان خلق الإنسان ومراحل تکامله بشکل خاصّ: (الذی أحسن کلّ شیء خلقه) وأعطى کلّ شیء ما یحتاجه، وبتعبیر آخر: فإنّ تشیید صرح الخلقة العظیم قد قام على أساس النظام الأحسن، أی قام على نظام دقیق سالم لا یمکن تخیّل نظام أکمل منه.

لقد أوجد سبحانه بین کلّ الموجودات علاقة وانسجاماً، وأعطى کلاّ منها ما یطلبه على لسان الحال.

إذا نظرنا إلى وجود الإنسان، وأخذنا بنظر الإعتبار کلّ جهاز من أجهزته، فسنرى أنّها خلقت من ناحیة البناء والهیکل، والحجم، ووضع الخلایا، وطریقة عملها، بشکل تستطیع معه أن تؤدّی وظیفتها على النحو الأحسن، وفی الوقت ذاته فقد وضعت بین الأعضاء روابط قویّة بحیث یؤثّر ویتأثّر بعضها بالبعض الآخر بدون استثناء.

وهذا المعنى هو الحاکم تماماً فی العالم الکبیر مع المخلوقات المتنوّعة، وخاصّة فی عالم الکائنات الحیّة، مع تلک التشکیلات والهیئات المختلفة جدّاً.

والخلاصة: فإنّه هو الذی أودع أنواع العطور البهیجة فی الأزهار المختلفة، وهو الذی یهب الروح للتراب والطین ویخلق منه إنساناً حرّاً ذکیّاً عاقلا، ومن هذا التراب المخلوط یخلق أحیاناً الأزهار، وأحیاناً الإنسان، وأحیاناً اُخرى أنواع الموجودات الاُخرى، وحتى التراب نفسه خلق فیه ما ینبغی أن یکون فیه.

ونرى نظیر هذا الکلام فی الآیة 50 من سورة «طه» من قول موسى وهارون(علیهما السلام): (ربّنا الذی أعطى کلّ شیء خلقه ثمّ هدى).

وهنا یطرح سؤال حول خلق الشرور والآفات، وکیفیة انسجامها مع نظام العالم الأحسن، وسنبحثه إن شاء الله تعالى فیما بعد.

بعد هذه المقدّمة الآفاقیة یدخل القرآن بحث الأنفس، وکما تحدّث فی بحث الآیات الآفاقیة عن عدّة أقسام للتوحید، فإنّه یتحدّث هنا عن عدّة مواهب عظیمة فی مورد البشر:

یقول أوّلا: (وبدأ خلق الإنسان من طین) لیبیّن عظمة وقدرة الله سبحانه حیث خلق مثل هذا المخلوق الجلیل العظیم من مثل هذا الموجود البسیط الحقیر، هذا من جانب، ومن جانب آخر یحذّر الإنسان ویذکّره من أین أتیت، وإلى أین ستذهب؟!

ومن المعلوم أنّ هذه الآیة تتحدّث عن خلق آدم، لا کلّ البشر، لأنّ استمرار نسله قد ذکر فی الآیة التالیة، وظاهر هذه الآیة دلیل واضح على خلق الإنسان بشکل مستقل، ونفی فرضیّة تحوّل الأنواع (وعلى الأقل فی مورد نوع الإنسان).

وبالرغم من أنّ البعض أراد أن یفسّر هذه الآیة بحیث تناسب وتلائم فرضیة تکامل الأنواع، بأنّ خلق الإنسان یرجع إلى أنواع سافلة، وهی تنتهی أخیراً إلى الماء والطین، إلاّ أنّ ظاهر الآیة ینفی وجود أنواع اُخرى من الموجودات الحیّة ـ وهم یدّعون أنّها أنواع لا

تحصى ـ تفصل بین آدم والطین، بل إنّ خلق الإنسان قد تمّ من الطین مباشرة وبدون واسطة. ولم یتحدّث القرآن عن أنواع الکائنات الحیّة الاُخرى.

وهذا المعنى یتّضح أکثر عند ملاحظة الآیة 59 من سورة آل عمران، حیث تقول: (إنّ مثل عیسى عند الله کمثل آدم خلقه من تراب).

ویقول فی الآیة 26 من سورة الحجر: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون).

ویستفاد من مجموع الآیات أنّ خلق آدم قد تکوّن من التراب والطین کخلق مستقل، ومن المعلوم أنّ فرضیة تطور الأنواع لم تکن مسألة علمیة قطعیة لنحاول تفسیر الآیات أعلاه بشکل آخر بسبب تضادّها وتعارضها مع هذه الفرضیة، وبتعبیر آخر: طالما لا توجد قرینة واضحة على خلاف ظواهر الآیات فیجب أن نطبّقها بمعناها الظاهر، وکذلک الحال فی مورد خلق آدم المستقلّ.

ثمّ تشیر الآیة بعدها، إلى خلق نسل الإنسان، وکیفیة تولّد أولاد آدم فی مراحل، فتقول: (ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهین).

«جعل» هنا بمعنى الخلق، و«النسل»: بمعنى الأولاد والأحفاد فی جمیع المراحل.

«السلالة» فی الأصل، بمعنى العصارة الخالصة لکلّ شیء، والمراد منها هنا نطفة الإنسان التی تعتبر عصارة کلّ وجوده، ومبدأ حیاة وتولّد الذریّة واستمرار النسل.

إنّ هذا السائل الذی یبدو تافهاً لا قیمة له ولا مقدار فإنّه یعدّ من الناحیة البنائیة والخلایا الحیویة التی تسبح فیه، وکذلک ترکیب السائل الخاصّ الذی تسبح فیه الخلایا رقیقاً ودقیقاً ومعقّداً إلى أبعد الحدود، ویعتبر من آیات عظمة الله سبحانه، وعلمه وقدرته. وکلمة «مهین» التی تعنی الضعیف إشارة إلى وضعه الظاهری، وإلاّ فإنّه من أعمق أسرار الموجودات.

وتشیر الآیة التالیة إلى مراحل تکامل الإنسان المعقّدة فی عالم الرحم، وکذلک المراحل التی طواها آدم عند خلقه من التراب، فتقول: (ثمّ سوّاه ونفخ فیه من روحه وجعل لکم السمع والأبصار والأفئدة قلیلا ما تشکرون).

«سوّاه» من التسویة، أی الإکمال، وهذه إشارة إلى مجموع المراحل التی یطویها الإنسان من حال کونه نطفة إلى المرحلة التی تتّضح فیها جمیع أعضاء بدنه، وکذلک المراحل التی

طواها آدم بعد خلقه من التراب حتى نفخ الروح(1).

والتعبیر بـ «النفخ» کنایة عن حلول الروح فی بدن الإنسان، فکأنّه شبّه الحال بالهواء والتنفّس، بالرغم من أنّه لا هذا ولا ذاک.

سؤال: فإن قیل: إنّ نطفة الإنسان منذ استقرارها فی الرحم ـ بل وقبل ذلک ـ کانت کائناً حیّاً وعلى هذا فأیّ معنى لنفخ الروح؟

الجواب: قلنا فی الجواب: إنّ النطفة عندما تنعقد فی البدایة لیس لها إلاّ نوعاً من «الحیاة النباتیة»، أی التغذیة والنمو فقط، أمّا الحسّ والحرکة التی هی علامة «الحیاة الحیوانیة»، وکذلک قوّة الإدراکات التی هی علامة الحیاة الإنسانیة، فلا أثر عن کلّ ذلک.

إنّ تکامل النطفة فی الرحم تصل إلى مرحلة تبدأ عندها بالحرکة، وتحیا وتنبعث فیها القوى الإنسانیة الاُخرى تدریجیاً، وهذه هی المرحلة التی یعبّر عنها القرآن بنفخ الروح.

أمّا إضافة «الروح» إلى «الله» فهی «إضافة تشریفیة»، أی إنّ روحاً ثمینة وشریفة بحیث إنّ من المناسب أن تسمّى «روح الله» قد دبّت فی الإنسان ونفخت فیه، وهذا یبیّن حقیقة أنّ الإنسان وإن کان من ناحیة البعد المادّی یتکوّن من الطین والماء، إلاّ أنّه من البعد المعنوی والروحی یحمل «روح الله».

إنّ أحد طرفی وجوده ینتهی إلى التراب، وطرفه الآخر یتّصل بعرش الله، فإنّه خلیط من الملائکة والحیوان، ولوجود هذین البعدین فإنّ منحنی صعوده ونزوله، وتکامله وانحطاطه واسع جدّ(2).

وأشار القرآن فی آخر مرحلة ـ والتی تعتبر المرحلة الخامسة فی خلق الإنسان ـ إلى نعمة الاُذن والعین والقلب، ومن الطبیعی أنّ المراد هنا لیس خلقة هذه الأعضاء، لأنّ هذه الخلقة تتکوّن قبل نفخ الروح، بل المراد حسّ السمع والبصر والإدراک والعقل.

والتأکید على هذه الحواس الثلاث فقط من بین کلّ الحواس «الظاهرة» و«الباطنة»، لأنّ أهمّ حسّ ظاهری یربط الإنسان بالعالم الخارجی رابطة قویّة هو السمع والبصر، فالاُذن تدرک الأصوات، وخاصّة أنّ التربیة والتعلیم یتمّ بواسطتها، والعین وسیلة النظر إلى العالم الخارجی ومشاهدة مشاهد هذا العالم المختلفة، وقوّة العقل أهمّ حسّ باطنی لدى الإنسان، وبتعبیر آخر فإنّه حاکم على وجود البشر.

والجدیر بالذکر أنّ «أفئدة» جمع «فؤاد» بمعنى «قلب» ولکن مفهومها أدقّ من القلب حین یقصد بها عادةً الحنکة والفطانة فی الفرد، وبهذا یبیّن الله تعالى فی هذه الآیة أهمّ وسائل المعرفة والإدراک الظاهریة والباطنیة فی الإنسان، لأنّ العلوم والمعارف إمّا أن یحصل علیها الإنسان بواسطة «التجربة» فالوسیلة هی السمع والبصر، أو عن طریق التحلیل والاستدلال العقلی، والوسیلة لذلک هو العقل والفؤاد کما ورد التعبیر عنه فی هذه الآیة، وحتى الإدراک الحاصل من الوحی أو الإشراق والشهود القلبی یتمّ بواسطة هذه الوسیلة أیضاً، أی «الأفئدة».

ولو فقد الإنسان هذه الوسائل للمعرفة، فسوف یخسر قیمته تماماً ویصبح مجرّد کمیّة مهملة من المادّة والتراب، ولهذا نجد الآیة الشریفة محل البحث تؤکّد فی ختامها على مسألة الشکر لهذه النعم العظیمة على الإنسان وتقول (قلیلا ما تشکرون) وذلک إشارة إلى أنّ الإنسان مهما سعى فی أداء شکر هذه النعم والمواهب العظیمة، فمع ذلک لا یؤدّی حقّ الشکر.


1. البعض یعتبر هذه الآیة إشارة إلى مراحل التکامل الجنینی فقط، والبعض الآخر احتمل أن تکون إشارة إلى مراحل تکامل آدم بعد خلقه من التراب، لأنّ عین هذه التعبیرات قد جاء فی آیات اُخرى من القرآن. إلاّ أنّه لا مانع من أن تعود إلى الإثنین، لأنّ خلق آدم من التراب، ونسله من منی، طوى ویطوی هذه المراحل.
2. بحثنا فی هذا الباب فی ذیل الآیة 29 من سورة الحجر.
سورة السجدة / الآیة 6 ـ 9 کیفیة خلق آدم من التراب:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma