سنتحدث بإذن الله فی ذیل الآیة الثلاثین من سورة الروم حول «فطریّة» أصل التوحید ومعرفة الله بشکل مفصّل، وما یلزم ذکره هنا هو أنّ القرآن المجید یتحدث فی آیات کثیرة عن المشاکل والصعاب على أنّها باعثة على ظهور الفطرة الإنسانیة وبروزها «فالمشاکل والصعاب وسیلة لاشراق الفطرة».
یقول القرآن فی بعض آیاته: (وما بکم من نعمة فمن الله ثمّ إذا مسکم الضرّ فإلیه تجأرون * ثمّ إذا کشف الضر عنکم إذاً فریق منکم بربّهم یشرکون).(1)
ویأتی هذا المعنى فی سورة یونس، ولکن باُسلوب آخر، إذ یقول القرآن (إذا مسّ الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما کشفنا عنه ضرّه مرّ کأن لم یدعنا إلى ضرّ مسّه)(2)
کما ورد هذا المعنى فی سورة الروم الآیة 32 وسورة الزمر الآیة 49 وسورة الإسراء الآیات 67 ـ 69 بعبارات اُخرى وإشارات ملیئة بالمعانی.
وفی الآیات ـ محل البحث ـ قرأنا أیضاً أنّ المشرکین فی الحالات العادیة یتّجهون إلى الأصنام، ولکن إذا سافروا فی البحر وأحاطت بهم الأمواج والطوفان، وأضحت سفینتهم کالقشة فی وسط الأمواج المتلاطمة تتقاذفها هنا وهنا، وانقطعت بهم السبل تتنور قلوبهم بنور التوحید ویلقون جانباً جمیع المعبودات المصنوعة، ویخلصون قلوبهم کاملا ـ لکن خلوصاً إجباریاً لا قیمة له ـ فما أن یهدأ الطوفان وتتلاشى الأمواج وتعود الحالة الاعتیادیة، حتى تنزل الأسدال على الفطرة وتظهر أشواک الشرک والوثنیة على هذه «الوردة».
قد یقال: إنّ هذه الحالة من التوجه تحصل على أثر التلقین والرسوبات الفکریة من الثقافة الاجتماعیة وأفکار المحیط.
ویمکن قبول مثل هذا الکلام فیما إذا کانت هذه المسألة تحدث خاصّة فی موارد المتدینین أو الذین نشؤوا فی محیط دینی، ولکن مع الإلتفات إلى أنّ هذه الحالة تظهر حتى عند أشد المنکرین لله، وفی المجتمعات غیر المذهبیة، فیتّضح حینئذ أنّ جذرها کامن فی الضمیر (غیر الواعی) للإنسان، وفی داخل فطرته وجبلّته!.
1. النحل، 53 و54.
2. یونس، 12.
