التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الروم / الآیة 30 ـ 321ـ التوحید باعث داخلی قوی

کان لدینا حتى الآن أبحاث کثیرة حول التوحید ومعرفة الله، عن طریق مشاهدة نظام الخلق، والاستفادة منه لإثبات مبدأ العلم والقدرة فی ما وراء عالم الطبیعة، بالاستفادة من آیات التوحید فی هذه السورة!

وتعقیباً على الآیات الآنفة الذکر، فإن الآیة الاُولى من هذه الآیات محل البحث ـ تتحدث عن التوحید الفطری، أی الاستدلال على التوحید عن طریق المشاهدة الباطنیة والدرک الضروری والوجدانی، إذ یقول القرآن فی هذا الصدد: (فأقم وجهک للدین حنیف )لأنّها (فطرت الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ذلک الدین القیّم ولکن أکثر الناس لا یعلمون ).

«الوجه» معناه معروف، وهو مقدم الرأس. والمراد به هنا الوجه الباطنی، ووجه القلب والروح فعلى هذا لیس المراد هنا من الوجه أو المحیّا وحده، بل التوجه بجمیع الوجود، لأنّ الوجه أهم أعضاء البدن!

وکلمة «أقم» مشتقة من الإقامة، ومعناه الاستقامة والوقوف بثبات (على قدم راسخة)...

وکلمة «حنیف» مشتقة من «حَنَف»، ومعناها المیل من الباطل نحو الحق، ومن الاعوجاج

نحو الاستواء والاستقامة، على العکس من «جنف» على وزن «حنف» أیضاً، ومعناها المیل من الاستواء إلى الضلالة والاعواجاج.

فمعنى الدین الحنیف هو الدین المائل نحو العدل والاستواء عن کل انحراف وباطل وخرافة وضلال.

فیکون معنى هذه الجملة بمجموعها، أن وجّه نفسک دائماً نحو مبدأ ومذهب خال من أی أنواع الاعوجاج والانحراف، وذلک هو مبدأ الإسلام ودین الله الخالص والطاهر(1).

إنّ الآیة المتقدمة تؤکّد على أن الدین الحنیف الخالص الخالی من کل أنواع الشرک، هو الدین الذی ألهمه الله سبحانه فی کل فطرة، الفطرة الخالدة التی لاتتغیر، وإن کان کثیر من الناس غیر ملتفت لهذه الحقیقة.

والآیة المتقدمة تبین عدة حقائق:

إنّ معرفة الله ـ لیست وحدها ـ بل الدین والإعتقاد بشکل کلی وفی جمیع أبعاده هو أمر فطری، وینبغی أن یکون کذلک، لأنّ الدراسات التوحیدیة تؤکّد أنّ بین جهاز التکوین والتشریع انسجاماً لازماً، فما ورد فی الشرع لابدّ أن یکون له جذر فی الفطرة، وما هو فی التکوین وفطرة الإنسان متناغم مع قوانین الشرع!

وبتعبیر آخر: إنّ التکوین والتشریع عضدان قویان یعملان بانسجام فی المجالات کافة، فلا یمکن أن یدعو الشرع إلى شیء لیس له أساس ولا جذر فی أعماق فطرة الإنسان، ولا یمکن أن یکون شیء فی أعماق وجود الإنسان مخالف للشرع!

وبدون شک فإنّ الشرع یعین حدوداً وقیوداً لقیادة الفطرة لئلا تقع فی مسار منحرف، إلاّ أنّه لا یعارض أصل مشیئة الفطرة، بل یهدیها من الطریق المشروع، وإلاّ فسیقع التضاد بین التشریع والتکوین، وهذا لا ینسجم مع أساس التوحید.

وبعبارة اُخرى: إنّ الله لا یفعل أعمالا متناقضة أبداً، بحیث یقول أمره التکوینی: إفعل! ویقول أمره التشریعی: لا تفعل.

إنّ الدین له وجود نقی خالص من کل شائبة داخل نفس الإنسان، أمّا الانحرافات فأمر عارض، ووظیفة الأنبیاءإذن إزالة هذه الاُمور العارضة، وفسح المجال لفطرة الإنسان فی الأشراق.

إنّ جملة (لا تبدیل لخلق الله ) وبعدها جملة (ذلک الدین القیّم )تأکیدان آخران على مسألة کون الدین فطریاً، وعدم إمکان تغییر هذه الفطرة!... وإن کان کثیر من الناس لا یدرکون هذه الحقیقة بسبب عدم رشدهم کما ینبغی!

وینبغی الإلتفات إلى هذه اللطیفة، وهی أنّ الفطرة فی الأصل من مادة «فطر» على زنة «بذر» ومعناها شق الشیء من الطول، وهنا معناها الخلقة، فکأن ستار العدم ینشق عند خلق الموجودات ویبرز کل شیء منها.

وعلى کل حال فمنذ أن وضع الإنسان قدمه فی عالم الوجود، کان هذا النور متوقداً فی داخله، من أوّل یوم ومن ذلک الحین!

والرّوایات المتعددة التی وردت فی تفسیر الآیة تؤید ما ذکرناه آنفاً، وسنتحدث عن ذلک لاحقاً إن شاء الله، بالإضافة إلى الأبحاث الاُخرى فی مجال کون التوحید فطریاً.

ویضیف القرآن فی الآیة التالیة: ینبغی أن یکون التفاتکم للدین الحنیف والفطری حالة کونکم (منیبین إلیه ) فأصلکم وأساسکم على التوحید، وینبغی أن تعودوا إلیه أیضاً.

وکلمة «منیبین» من مادة «إنابة» وهی فی الأصل تعنی الرجوع المکرر، وتعنی هنا الرجوع نحو الله والعودة نحو الفطرة (التوحیدیة) ومعناها متى ما حصل عامل یحرف الإنسان عقیدته وعن أصل التوحید فینبغی أن یعود إلیه.. ومهما تکرر هذا الأمر فلا مانع من ذلک إلى أن تغدو أسس الفطرة متینة وراسخة، وتغدو الموانع والدوافع خاویة ویقف الإنسان بصورة مستدیمة فی جبهة التوحید، ویکون مصداقاً للآیة (فأقم وجهک للدین حنیف ).

وممّا ینبغی الإلتفات إلیه أن (أقم وجهک ) جاءت بصیغة الإفراد، وکلمة «منیبین» جاءت بصیغة الجمع، وهذا یدل على أنّه وإن کان الأمر الأوّل مخاطباً به النّبی(صلى الله علیه وآله) إلاّ أنّ الخطاب ـ فی الحقیقة ـ لعموم المؤمنین وجمیع المسلمین.

ویعقب على الأمر بالإنابة والعودة إلیه، بالأمر بالتقوى، وهی کلمة تجمع معانی أوامر الله ونواهیه، إذ یقول: (واتقوه ) أی اتقوا مخالفة أوامره!.

ثمّ یؤکّد القرآن على موضوع الصلاة من بین جمیع الأوامر فیقول: (وأقیموا الصلاة ).

لأنّ الصلاة فی جمیع أبعادها، هی أهم منهج لمواجهة الشرک، وأشدّ الوسائل تأثیراً فی تقویة أسس التوحید والإیمان بالله سبحانه.

کما أنّه یؤکّد فی نهیه عن «الشرک» من بین جمیع النواهی فیقول:  (ولا تکونوا من المشرکین ).

لأنّ الشرک أعظم الذنوب وأکبر الکبائر، إذ یمکن أن یغفر الله جمیع الذنوب إلاّ الشرک بالله، فإنّه لا یغفره. کما نقرأ فی الآیة 48 من سورة النساء (إن الله لا یغفر أن یشرک به ویغفر ما دون ذلک لمن یشاء ).

وواضح أنّ الأوامر الأربعة الواردة فی هذه الآیة، هی تأکید على مسألة التوحید وآثاره العملیة، فالمسألة أعمّ من التوبة والعودة إلیه تعالى وإلى تقواه وإقامة الصلوة وعدم الشرک به.

وفی آخر آیة ـ من الآیات محل البحث ـ یبیّن القرآن واحداً من آثار الشرک وعلائمه فی عبارة موجزة ذات معنى کبیر، فیقول: لا تکونوا من المشرکین الذین انقسموا فی دینهم على فرق واحزاب کثیرة: (من الذین فرقوا دینهم وکانوا شیع ).

والعجیب فی الأمر أنّهم على تضادّهم واختلافهم فإنّ (کلّ حزب بما لدیهم فرحون ).

أجل، إنّ واحدة من علائم الشرک هی التفرقة، لأنّ المعبودات المختلفة هی منشأ الأسالیب المتفاوتة وهی أساس الانفصال والتفرق، خاصة وأنّ الشرک هو توأم عادة لهوى النفس والتعصّب والکبر والأنانیة وعبادة الذات، أو متولد عنها، لذلک لا یمکن أن تتحقق الوحدة والإتحاد إلاّ فی ظل عبادة الله، والعقل والتواضع والإیثار!.

فعلى هذا، حیثما وجدنا تفرقة واختلافاً فینبغی أن نعرف أنّ نوعاً من الشرک حاکم هناک، ویمکن أن نستنتج من هذا الموضوع أنّ نتیجة الشرک هی تفرق الصفوف، والتضاد، وهدر القوى، وأخیراً الضعف وعدم القدرة.

وأمّا مسألة (کل حزب بما لدیهم فرحون ) فهی واضحة ودلیلها بیّن، حین یعتقدون أن ما لدیهم حق، لأنّ الهوى یزیّن للنفس عملها فی نظر الإنسان وهذا التزیین نتیجته التعلق أکثر فأکثر، والفرح بالطریق الذی اختارته النفس، وإن کان هذا الطریق یؤدّی إلى الضلال والانحراف.

إنّ عبادة الهوى لا تسمح للإنسان أن یرى وجه الحقیقة کما هو، ولا یمکنه أن یقضی قضاءً صحیحاً خالیاً من الحبّ والحقد.

یقول القرآن المجید فی الآیة 8 من سورة فاطر: (أفمن زیّن له سوء عمله فرآه حسن )... کالذی یمضی فی طریق الحق، ویرى الحقائق کما هی، ویعرفها حق المعرفة؟!


1. الألف واللام فی کلمة «الدین» هما للعهد، وهما هنا إشارة إلى الدین الذی أمر النّبی(صلى الله علیه وآله) أن یبلغه، أی دین «الإسلام».
سورة الروم / الآیة 30 ـ 321ـ التوحید باعث داخلی قوی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma