التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الروم / الآیة 33 ـ 36 سورة الروم / الآیة 37 ـ 40

إنّ الآیة الاُولى من المقطع الذی بین أیدینا، هی فی الحقیقة استدلال وتأکید على البحث السابق فی مجال کون التوحید فطریاً، وتفتح هذا النور الإلهی عند الشدائد والصعاب! إذ تقول الآیة: (وإذا مس الناس ضرّ دعوا ربّهم منیبین إلیه ).

إلاّ أنّهم إلى درجة من السطحیة والغباء التعصب والتقلید الأعمى لأسلافهم المشرکین، بحیث أنّه بمجرّد انتهاء المشکلة وهبوب نسیم الرحمة الإلهیّة... (ثمّ إذا أذاقهم منه رحمةً إذا فریق منهم بربّهم یشرکون ).

والتعبیر بـ (مسّ الناس ضرّ ) إشارة إلى اصابتهم بقلیل من الضرر... کما أنّ التعبیر (أذاقهم منه رحمة ) إشارة إلى بلوغ شیء من النعمة، لأنّ التعبیر بـ «مسّ» أو «ذاق» فی مثل هذه الموارد یطلق على الاُمور القلیلة والجزئیة، وخاصّة باستعمال کلمتی «ضر» و«رحمة» نکرتین.

أی إنّ طائفةً تبلغ بهم الحال إلى أن یفزعوا إلى الله عند حدوث أقل مشکلة لهم، وتنکشف الحُجب عن فطرتهم التوحیدیة، ولکن إذا رأوا نعمة ولو بأقل ما یتصوّر، فإنّهم یغفلون عن واقعهم کلیّاً، وینسون کل شیء!

وبالطبع ففی الحالة الاُولى یبیّن القرآن أنّ الناس یفزعون جمیعاً إلى الله عند الضر والشدائد، لأنّ فطرة التوحید موجودة فی الجمیع.

ولکن فی الحالة الثّانیة یتحدث القرآن عن جماعة تسلک طریق الشرک فحسب، لأنّ طائفة من عباد الله یذکرون الله فی الشدائد وفی الرخاء وفی السراء والضراء. فلا تُنسیهم المتغیّرات ذکر الله أبداً.

والتعبیر بـ (منیبین إلیه ) ـ کما رأینا فی مفهوم الإنابة سابقاً ـ من مادة «النوب» وتعنی العودة ثانیةً إلى الشیء، هذا التعبیر إشارة لطیفة للمعنى التالی، وهو أنّ الأساس فی الفطرة هو توحید الله وعبادته، والشرک أمر عارض، حیث متى ما یئسوا منه فهم یعودون نحو الإیمان والتوحید، شاؤوا أم أبوا!.

والطریف هنا أنّ «الرحمة» فی الآیة مسندة إلى «الله»، فهو سبحانه مصدر الرحمة للعباد، سواء بطریق مباشر أو غیر مباشر إلاّ أنّ الضرّ لم یسند إلیه سبحانه، لأنّ کثیراً من الإبتلاءات والمشاکل التی تحوطنا هی من نتائج أعمالنا وذنوبنا.

و کلمة «ربّهم» التی تکررت فی الآیة تکررت فی الآیة مرّتین، تؤکّد على أنّ الإنسان یحسّ بالتدبیر الإلهی وربوبیة الله على وجوده ما لم تؤثر علیه التعلیمات الخاطئة فتسوقه نحو الشرک والضلال.

وینبغی ذکر هذه المسألة الدقیقة، وهی أنّ الضمیر فی کلمة «منه» یعود إلى الله، وهذا تأکید على أنّ جمیع النعم من الله سبحانه. وقد اختار کثیر من المفسّرین هذا المعنى أمثال «الطباطبائی» فی المیزان، و«الطوسی» فی التبیان، و«أبو الفتوح الرازی» فی تفسیره وغیرهم، وإن ذهب غیرهم کالفخر الرازی إلى إنّ الضمیر فی کلمة «منه» یعود على الضرّ، وفسّروا الآیة هکذا «حین یذیق الله عباده بعد الضرّ رحمة. إذا فریق منهم یشرکون بالله». (فیکون معنى «من» هنا البدلیة). إلاّ أنّه من الواضح أنّ التّفسیر الأوّل أکثر انسجاماً مع ظاهر الآیة!

أمّا الآیة الاُخرى فجاءت بعنوان التهدید لاُولئک المشرکین، الذین ینسون ربّهم عند نیل النعم، إذ تقول: اترکهم (لیکفروا بما آتیناهم ) ولیفعلوا ما استطاعوا إلى ذلک سبیلا! ثمّ یخاطب المشرکین بأن یتمتعوا بهذه النعم والمواهب الدنیویة الفانیة. وسوف یرون العاقبة السیئة لذلک: (فَتمتعوا فسوف تعلمون )(1).

و بالرغم من أنّ المخاطبین بالآیة هم المشرکون، إلاّ أنّه لا یَبعُد أن یکون لها مفهوم واسع بحیث یشمل جمیع الذین ینسون الله عند إقبال النعم، وینشغلون بالتمتع بهذه النعم فحسب، دون أن یذکروا واهب النعم.

وبدیهیٌ أن صیغة الأمر استعملت هنا للتهدید!.

والقرآن فی الآیة الاُخرى یصوغ الکلام فی صیغة الاستفهام المقرون بالتوبیخ فیقول: (أم أنزلنا علیهم سلطاناً فهو یتکلم بما کانوا به یشرکون ).

«أم» هنا للاستفهام، ویحمل الاستفهام هنا غرضاً استنکاریاً وتوبیخاً... أی إن سلوک هذا الطریق والخطة یجب أن یکون إمّا لنداء الفطرة، أو بحکم العقل، أو بأمر الله، لکن حین یصرخ الوجدان والفطرة فی الشدائد والملمات بالتوحید... فإن العقل یقول أیضاً: ینبغی التوجه نحو واهب النعم.

یبقى أن حکمَ الله فی هذه الآیة هو فی مورد النفی، أی: لم یؤمروا من قِبل الله بمثل هذا الأمر، فعلى هذا فإن هؤلاء فی اعتقادهم هذا لم یستندوا إلى أی أصل مقبول!.

و «السلطان» معناه ما یدل على السلطة وینتهی إلى الانتصار عادةً، ومعناه هنا هو الدلیل المحکم المقنع.

والتعبیر بـ «یتکلم» هو نوع من التعبیر المجازی، إذ ترانا نعبر عند وضوح الدلیل قائلین «کأن هذا الدلیل یتکلم مع الإنسان»!

واحتمل بعض المفسّرین أنّ المراد بالسلطان هنا هو أحد الملائکة المقتدرین، فیکون استعمال «یتکلم» هنا على نحو الحقیقة، أی لم نرسل علیهم ملکاً یتکلم بالشرک فیتبعوه!.

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل أوضح کما یبدو!

أمّا آخر آیة من الآیات محل البحث، فهی ترسم طریقة تفکیر وروحیة هؤلاء الجهلة الاغبیاء الذین یقنطون ویحزنون لأقل مصیبة، فتقول: (وإذا أذقنا الناس رحمةً فرحوا بها وإن تصبهم سیّئة بما قدّمت أیدیهم إذا هم یقنطون ).

فی حین أنّ المؤمنین الصادقین هم الذین لا یغفلون عن ذکر الله عند النعم، ولا یقنطون عند الشدائد والمصیبة، إذ هم یشکرون الله على نعمه، ویرون المصیبة امتحاناً واختباراً، أو یعدونها نتیجة أعمالهم، فیصبرون ویتّجهون إلى الله تعالى.

فالمشرکون یعیشون دائماً بین «الغرور» و«الیأس»، أمّا المؤمنون فهم بین «الشکر» و«الصبر».

ویستفاد ضمناً من هذه الآیة بصورة جیدة أنّ قسماً من المصائب والإبتلاءات التی تحل بالإنسان هی ـ على الأقل ـ نتیجة أعماله وذنوبه، فالله یرید أن ینبههم ویطهرهم ویلفتهم إلیه.

و ینبغی الإلتفات الى أنّ جملة (فرحوا به ) لیس المراد منها هنا السرور بالنعمة فحسب، بل السرور المقرون بالغرور ونوع من السکر والنشوة، وهی الحالة التی یکون علیها الأراذل عندما تتهیأ لهم وسائل العیش والحیاة، وإلاّ فإنّ السرور المقرون بالشکر والتوجه نحو الله لیس أمراً سیئاً، بل هو مأمور به (قل بفضل الله وبرحمته فبذلک فلیفرحو )(2).

والتعبیر (بما قدمت أیدیهم ) الذی ینسب المعاصی إلى الأیدی، هو لأنّ أکثر الذنوب والأعمال یکون على ید الإنسان، وإن کانت هناک ذنوب یکتسبها القلب أو البصر أو السمع، إلاّ أنّ کثرة الأعمال التی تصدر عن الید استدعى هذا التعبیر.

سؤال: وهنا ینقدح هذا السؤال، وهو: ألا تخالف هذه الآیة، الآیة الثّالثة والثلاثین «ما قبل آیتین» لأنّ الکلام فی هذه الآیة عن یأسهم عند المصائب، فی حین أنّ الآیة السابقة تتحدث عن توجههم إلى الله عند بروز المشاکل والشدائد، والخلاصة، إن واحدة من الآیتین تتحدث عن «الرجاء» والاُخرى عن «الیأس»؟

والجواب: لکن مع الإلتفات إلى مسألة دقیقة یتّضح جواب هذا السؤال، وذلک أنّ الآیة المتقدمة کان الکلام فیها عن «الضر» أی الحوادث الضارة کالطوفان والزلزلة والشدائد الاُخرى التی تصیب عامة الناس «الموحدین منهم والمشرکین»، فیتذکرون الله فی هذه الحال، وهذا واحد من دلائل الفطرة على التوحید.

أمّا فی الآیة محل البحث فالکلام على نتائج المعاصی والیأس الناشىء منها، لأنّ بعض الأفراد إذا عملوا صالحاً أصبحوا مغرورین وحسبوا أنفسهم مصونین من عذاب الله، وحین یعملون السیئات وتحلّ بهم العقوبة فیغم وجودَهم الیأسُ من رحمة الله، فکلتا الحالین «العُجب والغرور» و«الیأس والقنوط من رحمة الله» مذمُومتان!

فعلى هذا تکون کلّ آیة من الآیتین قد تناولت موضوعاً منفصلا عن الآخر.


1. إنّ «اللام» فی جملة (لیکفرو ) هی لام الأمر، وهذا الأمر للتهدید، وکذلک جملة (تمتعو ) إذ هی للتهدید أیضاً. وإن کانت الاُولى جاءت بصیغة «الغائب» والثّانیة بصیغة «الخطاب»... فکأنّما افترض فی الحالة الاُولى أنّهم غیّاب ثمّ من أجل التشدّد بالتهدید جعلهم مواجهین للتهدید والخطاب، إلاّ أنّ بعض المفسّرین عدّوا «اللام» للعاقبة، أی کان عاقبة أمرهم الکفر بنعم الله، إلاّ أن المعنى الأوّل أکثر انسجاماً مع ظاهر الآیة.
2. یونس، 58.
سورة الروم / الآیة 33 ـ 36 سورة الروم / الآیة 37 ـ 40
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma