صحیح أنّ المشی مسألة سهلة وبسیطة، إلاّ أنّ نفس هذه المسألة السهلة یمکن أن تعکس أحوال وأوضاع الإنسان الداخلیة والأخلاقیة، وقد تحدّد ملامح شخصیته، لأنّ روحیّة الإنسان وأخلاقه تنعکس فی طیّات کلّ أعماله، کما قلنا سابقاً، وقد یکون العمل الصغیر حاکیاً عن روحیة متأصّلة أحیاناً، ولمّا کان الإسلام قد اهتمّ بکلّ أبعاد الحیاة، فإنّه لم یهمل شیئاً فی هذا الباب أیضاً.

ففی حدیث عن رسول الله(صلى الله علیه وآله): «من مشى على الأرض إختیالا لعنته الأرض ومن تحتها ومن فوقها»(1).

وفی حدیث آخر عن النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه نهى أن یختال الرجل فی مشیه، وقال: «من لبس ثوباً فاختال فیه خسف الله به من شفیر جهنّم، وکان قرین قارون لأنّه أوّل من اختال!»(2).

وکذلک ورد عن الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «إنّ الله تبارک وتعالى فرض الإیمان على جوارح ابن آدم وقسّمه علیها وفرّقه فیها ـ إلى أن قال ـ وفرض على الرجلین أن لا تمشی بهما إلى شیء من معاصی الله، وفرض علیهما المشی إلى ما یرضی الله عزّوجلّ، فقال تعالى: (ولا تمش فی الأرض مرح) وقال: (واقصد فی مشیک)»(3).

وقد نقل ذلک عن نبىّ الإسلام العزیز (صلى الله علیه وآله)، وذلک أنّه کان قد مرّ من طریق، فرأى مجنوناً قد اجتمع الناس حوله ینظرون إلیه، فقال: «علام اجتمع هؤلاء؟» فقالوا: على مجنون یصرع، فنظر إلیهم النّبی(صلى الله علیه وآله) وقال: «ما هذا بمجنون! ألا اُخبرکم بالمجنون حقّ المجنون؟» قالوا: بلى یارسول الله، فقال: «إنّ المجنون: المتبختر فی مشیه، الناظر فی عطفیه، المحرّک جنبیه بمنکبیه، فذلک المجنون وهذا المبتلى»(4).

1. ثواب الأعمال وأمالی الصدوق، طبقاً لنقل تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 207.
2. المصدر السابق.
3. اُصول الکافی، ج 2، ص 28، (باب أنّ الإیمان مبثوث لجوارح البدن کلّها). 4. بحار الأنوار، ج 76، ص 303.