لقد وردت مسألة «السیر فی الأرض» ست مرّات فی القرآن المجید، (فی سورة آل عمران والأنعام والنحل والنمل والعنکبوت والروم) حیث وردت مرّة بقصد التفکر فی أسرار الخلق سورة العنکبوت الآیة 20 وخمس مرات بقصد العبرة من العواقب الوخیمة التی نالها الظالمون والجبابرة والطغاة الآثمون!
والقرآن یهتمّ بالمسائل العینیة والحسیة ـ التی یمکن لمس آثارها فی الاُمور التربویة ـ اهتماماً خاصاً، ولا سیما أنّه یأمر المسلمین أن ینطلقوا من محیطهم المحدود إلى المدى الأرحب، ویسیروا ویسیحوا فی هذا العالم، ولیفکروا فی أعمال الآخرین وسجایاهم وعواقب اُمورهم، وأن یستوحوا من هذه «الحیاة» العابرة «ویدخروا ذخیرة قیمة» من العبرة والإطلاع!
إنّ القوى الشیطانیة فی العصر الحاضر ـ من أجل سعة استثمارها فی العالم کافة ـ مشطت وفحصت جمیع الدول والبلدان والأمم وطریقة حیاتهم وثقافتهم ونقاط القوّة والضعف فیهم بصورة جیدة.
إنّ القرآن یقول: بدلا من هؤلاء المستکبرین سیروا أنتم فی أرجاء الأرض وبدلا من خططهم ومؤامراتهم الشیطانیة تعلموا دروساً رحمانیة.
العبرة والاعتبار من حیاة الآخرین أهم من التجارب الشخصیة وأکثر قیمة، لأنّ الإنسان ینبغی أن یتحمل خلال تجاربه أضراراً لیتعلم مسائل جدیدة إلاّ أنّ الإنسان عند استلهام العبرة من الآخرین یربح معارف جمة وثمینة دون أن یتحمل ضرراً.
وأمر القرآن بالسیر فی الأرض ینطبق على أکمل الأسالیب والطرق التی حصل علیها البشر فی العصر الحاضر، وذلک بأن یأخذوا بأیدی التلامیذ ـ بعد استیعاب المسائل فی الکتب ـ ویسیروا فی الأرض، ویطالعوا الشواهد العینیة التی قرأوها فی الکتب!
وبالطبع فهناک الیوم نوع آخر من السیر فی الأرض بعنوان «السیاحة» فی العالم، وذلک من قبل «الحضارة الشیطانیة» لجلب الأموال والثروة «الحرام» التی راجت سوقها، وغالباً ما تکون فیها أهداف منحرفة وتضلیلیة، کنقل الثقافة السقیمة وإشاعة الهوى والسفاهة والحماقة واللهو هذه هی «السیاحة المخربة»!
ولکن الإسلام یؤید السیاحة التی تکون وسیلة لنقل الثقافات الصحیحة والتجارب المتراکمة، واستکناه أسرار الخلق فی عالم البشر وعالم الطبیعة، واستلهام دروس العبرة من عواقب المفسدین والظالمین الوخیمة.
ولا بأس بالإشارة إلى أنّ هناک سیاحة منعها الإسلام ونقرأ حدیثاً یقول: «لاسیاحة فی الإسلام»(1).
والمراد من هذا الحدیث هو فی جمیع سنوات حیاتهم ـ أو بعضها ـ منفصلین عن الحیاة الاجتماعیة تماماً، ودون أن یکون لهم نشاط ملحوظ، فهم یسیحون فی الأرض ویعیشون کالرهبان! فیکونون عالة على الآخرین.
وبتعبیر آخر: إنّ عمل هؤلاء بمثابة «الرهبانیة السیارة» مقابل الرهبان الثابتین المنزوین فی الدیر والمنعزلین عن المجتمع، وحیث إنّ الإسلام یخالف هذا الإتجاه والإنزواء الاجتماعی، فهو یعد هذه «السیاحة» غیر مشروعة أیضاً.