إنّ التدقیق فی مفهوم الغناء ـ مع الشروط التی قلناها فی شرح هذا المفهوم ـ تجعل الغایة من تحریم الغناء واضحة جدّاً.

فبنظرة سریعة إلى معطیات الغناء سنواجه المفاسد أدناه:

أوّلا: الترغیب والدعوة إلى فساد الأخلاق!

لقد بیّنت التجربة ـ والتجربة خیر شاهد ـ أنّ کثیراً من الأفراد الواقعین تحت تأثیر موسیقى وألحان الغناء قد ترکوا طریق التقوى، واتّجهوا نحو الشهوات والفساد.

إنّ مجلس الغناء ـ عادةً ـ یُعدّ مرکزاً لأنواع المفاسد، والدافع على هذه المفاسد هو الغناء.

ونقرأ فی بعض التقاریر التی وردت فی الصحف الأجنبیة أنّه کان فی مجلس جماعة من الفتیان والفتیات فعُزفت فیه موسیقى خاصّة وعلى نمط خاص من الغناء، فهیّجت الفتیان والفتیات إلى الحدّ الذی هجم فیه بعضهم على البعض الآخر، وعملوا من الفضائح ما یخجل القلم عن ذکره.

وینقل فی تفسیر (روح المعانی) حدیثاً عن أحد زعماء بنی اُمیّة أنّه قال لهم: إیّاکم والغناء فإنّه ینقص الحیاء، ویزید فی الشهوة، ویهدم المروءة، وإنّه ینوب عن الخمر، ویفعل ما یفعل السکر(1). وهذا یبیّن أنّه حتى اُولئک کانوا مطّلعین على مفاسده أیضاً.

وعندما نرى فی الرّوایات الإسلامیة: أنّ الغناء ینبت النفاق، فإنّه إشارة إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ روح النفاق هی روح التلوّث بالفساد والإبتعاد عن التقوى.

وإذا جاء فی الرّوایات أنّ الملائکة لا تدخل البیت الذی فیه غناء، فبسبب التلوّث بالفساد، لأنّ الملائکة طاهرة تطلب الطهارة، وتتأذّى من هذه الأجواء الملوّثة.

ثانیاً: الغفلة عن ذکر الله!

إنّ التعبیر باللهو الذی فسّر بالغناء فی بعض الرّوایات الإسلامیة إشارة إلى حقیقة أنّ الغناء یجعل الإنسان عبداً ثملا من الشهوات حتى یغفل عن ذکر الله.

وفی الآیات أعلاه قرأنا أنّ «لهو الحدیث» أحد عوامل الضلالة عن سبیل الله، وموجب للعذاب الألیم.

فی حدیث عن علی(علیه السلام): «کلّ ما ألهى عن ذکر الله (وأوقع الإنسان فی وحل الشهوات) فهو من المیسر»(2) ـ أی فی حکم القمار ـ .

ثالثاً: الإضرار بالأعصاب!

إنّ الغناء والموسیقى ـ فی الحقیقة ـ أحد العوامل المهمّة فی تخدیر الأعصاب، وبتعبیر آخر: إنّ الموادّ المخدّرة ترد البدن عن طریق الفمّ والشرب أحیاناً کالخمر، وأحیاناً عن طریق الشمّ وحاسّة الشمّ کالهیروئین، وأحیاناً عن طریق التزریق کالمورفین، وأحیاناً عن طریق حاسّة السمع کالغناء.

ولهذا فإنّ الغناء والموسیقى المطربة قد تجعل الأفراد منتشین أحیاناً إلى حدّ یشبهون فیه السکارى، وقد لا یصل إلى هذه المرحلة أحیاناً، ولکنّه یوجد تخدیراً خفیفاً، ولهذا فإنّ کثیراً من مفاسد المخدّرات موجودة فی الغناء، سواء کان تخدیره خفیفاً أم قویّاً.

«إنّ الإنتباه بدقّة إلى سیرة مشاهیر الموسیقیین یبیّن أنّهم قد واجهوا تدریجیّاً مصاعب وصدمات نفسیة خلال مراحل حیاتهم حتى فقدوا أعصابهم شیئاً فشیئاً، وابتُلی عدد منهم بأمراض نفسیة، وجماعة فقدوا مشاعرهم وساروا إلى دار المجانین، وبعضهم اُصیبوا بالشلل والعجز، وبعضهم اُصیب بالسکتة، حیث ارتفع ضغط الدم عندهم أثناء عزف الموسیقى»(3).

وقد جاء فی بعض الکتب التی کتبت فی مجال الآثار المضرّة للموسیقى على أعصاب الإنسان، حالات جمع من الموسیقیین والمغنّین المعروفین الذین اُصیبوا بالسکتة وموت الفجأة أثناء أداء برامجهم، وزهقت أرواحهم فی ذلک المجلس(4).

وخلاصة القول فإنّ الآثار المضرّة للغناء والموسیقى على الأعصاب تصل إلى حدّ إیجاد الجنون، وتؤثّر على القلب وتؤدّی إلى إرتفاع ضغط الدم وغیر ذلک من الآثار المخرّبة.

ویستفاد من الإحصاءات المعدّة للوفیّات فی عصرنا الحالی بأنّ معدّل موت الفجأة قد ازداد بالمقارنة مع السابق، وقد ذکروا أسباباً مختلفة کان من جملتها الغناء والموسیقى.

رابعاً: الغناء أحد وسائل الإستعمار!

إنّ مستعمری العالم یخافون دائماً من وعی الشعوب، وخاصّة الشباب، ولذلک فإنّ جانباً من برامجهم الواسعة لاستمرار وإدامة الاستعمار هو إغراق المجتمعات بالغفلة والجهل والضلال، وتوسعة وسائل اللهو المفسدة.

إنّ المخدّرات لا تتّصف الیوم بصفة تجاریة فقط، بل هی أحد الوسائل السیاسیة المهمّة، فإنّ السیاسات الاستعماریة تسعى إلى إیجاد مراکز الفحشاء ونوادی القمار ووسائل اللهو الفاسدة الاُخرى، ومن جملتها توسعة ونشر الغناء والموسیقى، وهی من أهمّ الوسائل التی یصرّ علیها المستعمرون لتخدیر أفکار الناس، ولهذا فإنّ الموسیقى تشکّل القسم الأکبر من وقت إذاعات العالم ووسائل الإعلام الأساسیة.

1. تفسیر روح المعانی، ج 21، ص 60.
2. وسائل الشیعة، ج 12، ص 235.
3. تأثیر الموسیقى على النفس والأعصاب، ص 26.
4. المصدر السابق، ص 92 وما بعدها.