بالرغم من جمیع الأبحاث التی کتبها العلماء حول النوم وخصائصه، یبدو أنّ زوایا هذا العالم لم تنکشف جمیعها، ولم یرفع النقاب عن أسراره وحقائقه الغامضة!
فما زال البحث یدور بین العلماء: أی فعل وانفعال یکون فی البدن بحیث یتوقف ـ خلال لحظة مفاجئة ـ قسم من نشاطات المخ والبدن، ویظهر تحول فی عامّة الروح والجسد؟!
قال بعضهم: إنّ العامل الأصلی للنوم هو «عامل فیزیاوی» ویعتقدون أن انتقال الدم من المخ إلى أجزاء البدن الاُخرى، یوجد هذه الظاهرة، ولأجل إثبات معتقدهم عمدوا إلى صنع سریر للنوم على شکل خاص یدعى «سریر النوم المعیاری» یبیّن کیفیة انتقال الدم من المخ إلى سائر أعضاء البدن!.
وقال جماعة: إنّ العامل الأصلی للنوم هو «عامل کیمیاوی» ویعتقدون أنّ الإنسان فی حالة السعی والعمل تزداد فیه السموم بحیث تؤدّی إلى تعطیل قسم من المخ عن عمله، فینام الإنسان على أثر ذلک، وحین تتلاشى السموم وتسیطر علیها کریات الدم یتیقظ الإنسان مرّة اُخرى!
وقال جماعة آخرون: إنّ العامل الأصلی للنوم هو «عامل عصبی» ویعتقدون أن للنشاط العصبی خصوصیةً فی المخ لها حکم وقود السیارة، فعندما تتعب ینطفىء المخ ویتوقف عن العمل مؤقتاً.
ولکن هناک أسئلة ونقاط مبهمة حول جمیع هذه النظریات، لم نحصل إلى الآن على جواب واضح لها، وما یزال النوم محتفظاً بوجهه الملیء بالأسرار.
من عجائب عالم النوم ما أماط العلماء النقاب عنه أخیراً، وهو حین یتعطل قسم کبیر من المخ عن العمل تبقى بعض خلایاه التی ینبغی أن تسمى بـ «الخلایا الحارسة» متیقظة ولا تنسى الوصایا التی یوصیها الإنسان قبل النوم عند ساعة التیقظ... وعند الحاجة توقظ هذه الخلایا جمیع المخ ویتحرک نحو العمل مرّة اُخرى!
فمثلا: الأم المرضعة المتعبة حین تنام اللیل وإلى جنبها رضیعها فی المهد، یوصی عقلها الباطنی الخلایا الحارسة التی تربط بین الروح والجسم، أنّه متى ما سمعت أقل صوت لطفلی فأیقظینی، ولکن لا یهمنی أی صوت آخر، فقد لا تتیقظ المرأة من صوت الرعد المهول، ولکنّها تتیقظ لأقل صوت من ولدها الرضیع، فهذه المهمّة هی وظیفة الخلایا الحارسة.
ونحن أیضاً جرّبنا هذا الموضوع کثیراً، فمتى ما کان لدینا تصمیم أن نستیقظ مبکرین أو فی منتصف اللیل لنسافر أو لأداء مهمّة، ونحدث أنفسنا بذلک، فإننا غالباً ما نستیقظ فی الوقت المطلوب، فی حین أن من الممکن أن نغرق فی النوم لساعات طوال فی غیر هذه الحالة!
والخلاصة، حیث إنّ النوم هو من الظواهر الروحیة، وللروح عالم ملیء بالأسرار، فلیس عجیباً أن تبقى کثیر من زوایا هذه المسألة غامضة... ولکن کلما سبرنا غور هذا العالم نتعرف على عظمة خالق هذه الظاهرة.
هذا عن ظاهرة النوم، وأمّا عن الرؤیا والأحلام، فقد بحثنا عنه بحوثاً کثیرة، ولا بأس بمراجعة تفسیر سورة یوسف(علیه السلام).
