المدینة الراقیة التی أضاعها الکفران:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة سبأ / الآیة 15 ـ 17 سورة سبأ / الآیة 18 ـ 19

بعد أن تطرّقت الآیات السابقة إلى توضیح النعم الإلهیّة العظیمة التی أولاها الله داود وسلیمان(علیهما السلام)، وأداء هذین النّبیین العظیمین وظیفتهما بالشکر، تنتقل الآیات أعلاه إلى الحدیث عن قوم آخرین یمثّلون الموقف المقابل للموقف السابق، ویحتمل أن یکونوا قد عاصروا داود وسلیمان أو عاشوا بعدهما بفترة قلیلة... قوم شملهم الله بأنواع النعم، ولکنّهم سلکوا طریق الکفران، فسلبهم الله ذلک، ومزّقهم شرّ ممزّق، حتى أصبح ما حلّ بهم عبرةً للعالمین، اُولئک کانوا «قوم سبأ».

عرض القرآن المجید تاریخ «قوم سبأ» من خلال خمس آیات، وأشار بإختصار إلى بعض خصوصیات وجزئیات حیاتهم.

یقول تعالى: (لقد کان لسبأ فی مسکنهم آیة).

وکما سنرى فإنّ عظمة هذه الآیة تنبع من أنّهم بالاستفادة من خصوصیات موقعهم وطریقة إحاطة الجبال بمنطقة سکناهم وبالذکاء العالی الذی وهبهم الله، إستطاعوا حصر میاه السیول ـ التی لا تخلف وراءها إلاّ الدمار ـ خلف سدٍّ عظیم، وبذا عمّروا دولة رفیعة التمدّن، فکانت آیة عظیمة أن یتحوّل سبب الخراب والدمار إلى عامل رئیسی من عوامل العمران والتمدّن!!

«سبأ» اسم من؟ وما هی؟. الموضوع مورد أخذ وردّ بین المؤرخین، ولکن المشهور هو أنّ «سبأ» اسم «أبی العرب» فی الیمن، وطبقاً للروایة الواردة عن «فروة بن مسیک» أنّه قال: «سألت رسول الله عن «سبأ» أرجل هو أم إمرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد له عشرة، تیامن منهم ستّة وتشاءم منهم أربعة، فأمّا الذین تیامنوا فالأزد وکندة ومذحج والأشعرون وأنمار ومجد. فقال رجل من القوم: ما أنمار؟ قال: الذین منهم خثعم وبجیلة، وأمّا الذین تشاءموا فعاملة وجذام ولخم وغسان. فالمراد بسبأ هاهنا القبیلة الذین هم أولاد سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان»(1).

وبعضهم ذهب إلى أنّ «سبأ» إسم لأرض الیمن أو لإحدى مناطقها. وظاهر الآیات القرآنیة التی تحدّثت فی قصّة سلیمان(علیه السلام) و(الهدهد) أشارت إلى هذا المعنى أیضاً ففی الآیة 22 من سورة النمل، یقول تعالى على لسان الهدهد: (وجئتک من سبأ بنبأ یقین) یعنی لقد جئتک من أرض سبأ بنبأ یقین.

فی حال أنّ ظاهر الآیة مورد البحث هو أنّ «سبأ» کانوا «قوماً» عاشوا فی تلک المنطقة، بلحاظ أنّ ضمیر «هم» فی «مساکنهم» یعود علیهم.

ولا منافاة بین التّفسیرین لأنّ من الممکن أن یکون «سبأ» اسم شخص ابتداءً، ثمّ بعدئذ سمّی کلّ أولاده وقومه من بعده باسمه، ثمّ انتقل الاسم لیشمل مکان سکناهم.

تنتقل الآیة بعد ذلک لتجلّی الموقف عن تلک الموهبة الإلهیّة التی وضعت بین یدی قوم سبأ. فیقول تعالى: (جنّتان عن یمین وشمال).

ما حصل هو أنّ قوم سبأ استطاعوا ـ ببناء سدٍّ عظیم بین الجبال الرئیسیة فی منطقتهم ـ حصر میاه السیول المدمّرة أو الضائعة هدراً على الأقل، والإفادة منها... وبإحداث منافذ فی ذلک السدّ سیطروا تماماً على ذلک الخزّان المائی الهائل، وبالتحکّم فیه تمکّنوا من زراعة مساحات شاسعة من الأرض.

الإشکال الذی أثاره (الفخر الرازی) هو: ما هی أهمیّة وجود مزرعتین لکی یذکر ذلک فی آیة مستقلّة؟ ثمّ یقول فی الجواب أنّ هاتین المزرعتین لم تکونا عادیتین، بل إنّهما عبارة عن سلسلة من الریاض المترابطة مع بعضها البعض والممتدة على جانبی نهر عظیم یتغذّى من ذلک السدّ العظیم، وکانت تلک الریاض ملیئة بالبرکات إلى درجة أنّه ورد فی کتب التاریخ عنها، أن لو مرّ شخص یحمل على رأسه سلّة فارغة من تحت أشجار تلک المزارع فی فصل نضوج الأثمار فانّها تمتلىء بسرعة نتیجة ما یتساقط من تلک الأثمار الناضجة.

ألیس من العجیب إذاً أن یتحوّل سبب الخراب والدمار إلى سبب رئیسی للعمران بذلک الشکل المدهش؟ ثمّ ألا یعدّ ذلک من عجائب آیات الله سبحانه وتعالى؟

وعلاوة على کلّ ذلک ـ وکما سترد الإشارة إلیه فی الآیات الآتیة ـ فإنّ من آیات الله أیضاً ذلک الأمن والأمان غیر العادیین اللذین شملا تلک الأرض.

ثمّ یضیف القرآن: (کلوا من رزق ربّکم واشکروا له بلدةٌ طیّبة وربّ غفور)(2)(3).

هذه الجملة القصیرة تصوّر مجموعة النعم المادیة والمعنویة بأجمل تعابیر، فبلحاظ النعم المادیة أرض طیّبة خالیة من الأمراض المختلفة، من السراق والظلمة، من الآفات والبلایا، من الجفاف والقحط، من الخوف والوحشة، وقیل خالیة حتى من الحشرات المؤذیة.

هواء نقی، ونسیم یبعث على السرور، أرض معطاءة وأشجار وافرة الثمر.

وأمّا بلحاظ النعم المعنویة فمغفرة الله التی شملتهم، والتغاضی عن تقصیرهم، وصرف البلاء والعذاب عنهم وعن بلدتهم.

ولکن هؤلاء الجاحدین غیر الشکورین، لم یقدّروا تلک النعمة حّق قدرها، ولم یخرجوا من بوتقة الامتحان بسلام، وسلکوا طریق الإعراض والکفران، فقرّعهم الله أیّما تقریع!!

قال تعالى: (فأعرضو) استهانوا بنعمة الله، توهّموا بأنّ العمران والمدنیة والأمن أشیاء عادیة، نسوا الله، وأسکرتهم النعمة، وتفاخر الأغنیاء على الفقراء، وظنّوا أنّهم یزاحمونهم فی أرزاقهم ـ کما سیرد فی الآیات اللاحقة ـ .

وهنا مسّهم سوط الجزاء، یقول تعالى: (فأرسلنا علیهم سیل العرم) فدمّر بیوتهم ومزارعهم وحوّلها إلى خرائب...

«العرم»: من «العرامة» وهی شراسة وصعوبة فی الخلق تظهر بالفعل، ووصف «السیل» بالعرم إشارة إلى شدّته وقابلیته على التدمیر. وتعبیر «سیل العرم» من قبیل إضافة الموصوف إلى الصفة.

وقیل: «العرم» الجرذان الصحراویة، وهی التی سبّبت إنهیار السدّ بنفوذها فیه (قصّة نفوذ الجرذان الصحراویة فی السدّ، مع کونها ممکنة ـ کما سیرد شرحه فیما بعد ـ لکن تعبیر الآیة لیس فیه أدنى تناسب مع هذا المعنى).

فی «لسان العرب»، مادّة «عرم» وردت فی معان مختلفة من جملتها «السیل الذی لا یطاق» ومنه قوله تعالى «الآیة»، وقیل: إضافة إلى المسنّاة أو السدّ، وقیل: إلى الفأر(4).

ولکن أنسب التفاسیر هو الأوّل، وهو الذی إعتمده ـ أیضاً ـ علی بن إبراهیم فی تفسیره.

بعدئذ یصف القرآن الکریم عاقبة هذه الأرض کما یلی: (وبدلّناهم بجنتیهم جنّتین ذواتی اُکل خمط وأثل وشیء من سدر قلیل).

«اُکل»: بمعنى الطعام.

«خمط»: بمعنى النبات المرّ وهو «الأراک».

«أثل»: شجر معروف.

وبذا یکون قد نبت محلّ تلک الأشجار الخضراء المثمرة، أشجار صحراویة غلیظة لیست ذات قیمة، والتی قد یکون «السدر» أهمّها، وهذا أیضاً کان نادراً بینها. ولک ـ أیّها القارىء ـ أن تتخیّل أی بلاء حلّ بهؤلاء وبأرضهم؟!

ولعلّ ذکر هذه الأنواع الثلاثة من الأشجار التی بقیت فی تلک الأرض المدمّرة إشارة إلى ثلاثة اُمور: أحدها قبیح المنظر، والثّانی لا نفع فیه، والثالث له منفعة قلیلة جدّاً.

یقول تعالى فی الآیة التالیة بصراحة وکتلخیص واستنتاج لهذه القصّة (ذلک جزیناهم بما کفرو).

ویجب أن لا یتبادر إلى الذهن بأنّ هذا المصیر یخصّ هؤلاء القوم، بل إنّ من المسلّم أنّه یعمّ کلّ من کانت لهم أعمال شبیهة بأعمال هؤلاء. وهکذا تضیف الآیة (وهل نجازی إلاّ الکفور).

کان هذا مختصراً عن مصیر «قوم سبأ» الذی سنفصّله أکثر فی تفسیر الآیات اللاحقة.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 385 و386.
2. (بلدة): خبر لمبتدأ محذوف، والتقدیر: هذه بلدة طیّبة وهذا ربّ غفور.
3. یمکن أن یکون هذا الخطاب الإلهی لهؤلاء القوم على أحد احتمالین، فإمّا أن یکون قد أبلغ ذلک بواسطة الأنبیاء المبعوثین منهم، کما قال به بعض المفسّرین، أو أنّ هذه النعم کانت توصل إلى إدراکهم مثل هذا الخطاب.
4. لسان العرب مادّة «عرم» ج12، ص396.
سورة سبأ / الآیة 15 ـ 17 سورة سبأ / الآیة 18 ـ 19
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma