دور المؤمنین المخلصین فی معرکة الأحزاب:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الأحزاب / الآیة 21 ـ 25 1ـ ملاحظات هامّة فی معرکة الأحزاب

یستمرّ الکلام إلى الآن عن الفئات المختلفة ومخطّطاتهم وأدوارهم فی غزوة الأحزاب، وقد تقدّم الکلام عن ضعفاء الإیمان والمنافقین ورؤوس الکفر والنفاق والمعوّقین عن الجهاد.

ویتحدّث القرآن المجید فی نهایة المطاف عن المؤمنین الحقیقیین، ومعنویاتهم العالیة ورجولتهم وثباتهم وسائر خصائصهم فی الجهاد الکبیر.

ویبدأ مقدّمة هذا البحث بالحدیث عن النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، حیث کان إمامهم وقدوتهم، فیقول: (لقد کان لکم فی رسول الله اُسوة حسنة لمن کان یرجو الله والیوم الآخر وذکر الله کثیر).

فإنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) خیر نموذج لکم، لا فی هذا المجال وحسب، بل وفی کلّ مجالات الحیاة، فإنّ

کلاًّ من معنویاته العالیة، وصبره واستقامته وصموده، وذکائه ودرایته، وإخلاصه وتوجّهه إلى الله، وتسلّطه وسیطرته على الحوادث، وعدم خضوعه ورکوعه أمام الصعاب والمشاکل، نموذج یحتذی به کلّ المسلمین.

إنّ هذا القائد العظیم لا یدع للضعف والعجلة إلى نفسه سبیلا عندما تحیط بسفینته أشدّ العواصف، وتعصف بها الأمواج المتلاطمة، فهو ربّان السفینة، ومرساها المطمئن الثابت، وهو مصباح الهدایة، ومبعث الراحة والهدوء والإطمئنان الروحی لرکابها.

إنّه یأخذ المعول بیده لیحفر الخندق مع بقیّة المؤمنین، فیجمع ترابه بمسحاة ویخرجه بوعاء معه، ویمزح مع أصحابه لحفظ معنویاتهم والتخفیف عنهم، ویرغّبهم فی إنشاد الشعر الحماسی لإلهاب مشاعرهم وتقویة قلوبهم، ویدفعهم دائماً نحو ذکر الله تعالى ویبشّرهم بالمستقبل الزاهر والفتوحات العظیمة.

یحذّرهم من مؤامرات المنافقین، ویمنحهم الوعی والإستعداد اللازم.

ولا یغفل لحظة عن التجهیز والتسلّح الحربی الصحیح، وإنتخاب أفضل الأسالیب العسکریة، ولا یتوانى فی الوقت نفسه عن اکتشاف الطرق المختلفة التی تؤدّی إلى بثّ التفرقة وإیجاد التصدّع فی صفوف الأعداء.

نعم إنّه أسمى مقتدى، وأحسن اُسوة للمؤمنین فی هذا المیدان، وفی کلّ المیادین.

«الاُسوة» تعنی فی الأصل الحالة التی یتلبّسها الإنسان لدى اتّباعه لآخر، وبتعبیر آخر: هی التأسّی والإقتداء، وبناءً على هذا فإنّ لها معنى المصدر لا الصفة، ومعنى جملة: (لقد کان لکم فی رسول الله اُسوة حسنة) هو أنّ لکم فی النّبی(صلى الله علیه وآله) تأسّیاً واقتداءً جیّداً، فإنّکم تستطیعون بالإقتداء به واتباعه أن تصلحوا اُمورکم وتسیروا على الصراط المستقیم.

والطریف أنّ القرآن الکریم یعتبر هذه الاُسوة الحسنة فی الآیة أعلاه مختّصة بمن لهم ثلاث خصائص: الثقة بالله، والإیمان بالمعاد، وأنّهم یذکرون الله کثیراً.

إنّ الإیمان بالمبدأ والمعاد هو سبب وباعث هذه الحرکة فی الحقیقة، وذکر الله یعمل على استمراره، إذ لا شکّ أنّ من لم یمتلیء قلبه بهکذا إیمان لا یقدر أن یضع قدمه موضع قدم النّبی، وإذا لم یُدم ذکر الله ویعمّر قلبه به أثناء استمراره فی هذا الطریق، ویبعد الشیاطین عنه، فسوف لا یکون قادراً على إدامة التأسّی والإقتداء.

وتجدر الإشارة إلى أنّ علی(علیه السلام) مع شهامته وشجاعته فی کلّ میادین الحرب، والتی تمثّل

معرکة الأحزاب نموذجاً منها، وسیشار إلیها فیما بعد، یقول فی نهج البلاغة فیما روی عنه: «کنّا إذا احمرّ البأس اتّقینا برسول الله(صلى الله علیه وآله) فلم یکن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه»(1).

بعد ذکر هذه المقدّمة تطرّقت الآیة التالیة إلى بیان حال المؤمنین الحقیقیین، فقالت: (ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلاّ إیماناً وتسلیم).

ولکن ما هذا الوعد الذی کان الله ورسوله قد وعدهم به؟

قال البعض: إنّه إشارة إلى الکلام الذی کان رسول الله قد تکلّم به من قبل بأنّ قبائل العرب ومختلف أعدائکم سیتّحدون ضدّکم قریباً ویأتون إلیکم، لکن اعلموا أنّ النصر سیکون حلیفکم فی النهایة، فلمّا رأى المؤمنون هجوم الأحزاب أیقنوا أنّ هذا ما وعدهم به رسول الله(صلى الله علیه وآله) وقالوا: ما دام الجزء الأوّل من الوعد قد تحقّق، فمن المسلّم أنّ جزأه الثّانی ـ أی النصر ـ سیتحقّق بعده، ولذلک زاد إیمانهم وتسلیمهم.

وقال البعض الآخر: إنّ هذا الوعد هو ما ذکره الله سبحانه فی الآیة 214 من سورة البقرة حیث قال: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا یأتکم مثل الذین خلوا من قبلکم مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا حتى یقول الرّسول والذین آمنوا معه متى نصر الله).

أی إنّهم قیل لهم من قبل: إنّکم ستخضعون لامتحان عسیر، فلمّا رأوا الأحزاب تیقّنوا صدق إخبار الله ورسوله، وزاد إیمانهم وتسلیمهم.

ومن الطبیعی أنّ هذین التّفسیرین لا یتنافیان، خاصّة بملاحظة أنّ أحد الوعدین کان فی الأساس وعد الله، والآخر وعد الرّسول (صلى الله علیه وآله)، وقد جاءا معاً فی الآیة مورد البحث، ویبدو أنّ الجمع بینهما مناسب تماماً.

وتشیر الآیة التالیة إلى فئة خاصّة من المؤمنین، وهم الذین کانوا أکثر تأسّیاً بالنّبی (صلى الله علیه وآله)من الجمیع، وثبتوا على عهدهم الذی عاهدوا الله به، وهو التضحیة فی سبیل دینه حتى النفس الأخیر، وإلى آخر قطرة دم، فتقول: (من المؤمنین رجال صدقوا ما عاهدوا الله علیه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ینتظر) من دون أن یتزلزل أو ینحرف ویبدّل العهد ویغیّر المیثاق الذی قطعه على نفسه (وما بدّلوا تبدیل).

إنّهم لم ینحرفوا قید أنملة عن خطّهم، ولم یألوا جهداً فی سبیل الله، ولم یتزلزلوا لحظة، بعکس المنافقین أو ضعاف الإیمان الذین بعثرتهم عاصفة الحوادث هنا وهناک وأفرزت الشدائد فی أدمغتهم الخاویة أفکاراً جوفاء خبیثة... إنّ المؤمنین وقفوا کالجبل الأشمّ وأثبتوا أنّ العهد الذی عاهدوا به لا یقبل النقض أو التراجع عنه.

إنّ لفظة (نحب) على زنة (عهد) تعنی العهد والنذر والمیثاق، ووردت أحیاناً بمعنى الموت، أو الخطر، أو سرعة السیر، أو البکاء بصوت مرتفع(2).

وهناک اختلاف بین المفسّرین فی المعنیّ بهذه الآیة.

یروی العالم المعروف (الحاکم أبو القاسم الحسکانی) ـ وهو من علماء السنّة ـ بسند عن علی(علیه السلام) أنّه قال: «فینا نزلت (رجال صدقوا ما عاهدوا الله علیه) فأنا ـ والله ـ المنتظر وما بدّلت تبدیلا، ومنّا رجال قد استشهدوا من قبل کحمزة سیّد الشهداء»(3).

وقال آخرون: إنّ جملة (من قضى نحبه) إشارة إلى شهداء بدر واُحد، وجملة: (ومنهم من ینتظر) إشارة إلى المسلمین الصادقین الآخرین الذین کانوا بإنتظار إحدى الحسنیین: النصر، أو الشهادة.

وروی عن «أنس بن مالک» أیضاً: أنّ عمّه «أنس بن النضر» لم یکن حاضراً فی غزوة بدر، فلمّا علم فیما بعد، وکانت الحرب قد وضعت أوزارها، أسف لعدم إشتراکه فی الجهاد، فعاهد الله على أن یشارک فی الجهاد إن وقعت معرکة اُخرى ویثبت فیها وإن زهقت روحه، ولذلک فقد شارک فی معرکة اُحد، وحینما فرّ جماعة لم یفرّ معهم، وقاوم وصمد حتى جرح ثمّ استشهد(4).

وروی عن «ابن عبّاس» أنّه قال: إنّ جملة: (منهم من قضى نحبه) إشارة إلى حمزة بن عبدالمطّلب وباقی شهداء اُحد، وأنس بن النضر وأصحابه(5).

ولا منافاة بین هذه التفاسیر مطلقاً، لأنّ للآیة مفهوماً واسعاً یشمل کلّ شهداء الإسلام الذین استشهدوا قبل معرکة الأحزاب، وکلّ من کان منتظراً للنصر أو الشهادة، وکان على رأسهم رجال کحمزة سیّد الشهداء وعلی(علیهما السلام)، ولذلک ورد فی تفسیر الصافی: أنّ أصحاب الحسین بکربلاء کانوا کلّ من أراد الخروج للقتال ودّع الحسین(علیه السلام) وقال: السلام علیک یابن رسول الله، فیجیبه: وعلیک السلام ونحن خلفک، ویقرأ: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ینتظر)(6).

ویستفاد من کتب المقاتل أنّ الإمام الحسین(علیه السلام) تلا هذه الآیة عند أجساد شهداء آخرین کمسلم بن عوسجة، وحین بلغه خبر شهادة «عبدالله بن یقطر»(7).

ومن هنا یتّضح أنّ للآیة مفهوماً واسعاً یشمل کلّ المؤمنین المخلصین الصادقین فی کلّ عصر وزمان، سواء من ارتدى منهم ثوب الشهادة فی سبیل الله، أم من ثبت على عهده مع ربّه ولم یتزعزع، وکان مستعدّاً للجهاد والشهادة.

وتبیّن الآیة التالیة النتیجة النهائیة لأعمال المؤمنین والمنافقین فی جملة قصیرة، فتقول: (لیجزی الله الصادقین بصدقهم ویعذّب المنافقین إن شاء) فلا یبقى صدق وإخلاص ووفاء المؤمنین بدون ثواب، ولا ضعف وإعاقات المنافقین بدون عقاب.

ومع ذلک، ولکی لا یغلق طریق العودة والإنابة بوجه هؤلاء المنافقین العنودین، فإنّ الله سبحانه قد فتح أبواب التوبة أمامهم بجملة: (أو یتوب علیهم) ـ إذا تابوا ـ ووصف نفسه بالغفور والرحیم (إنّ الله کان غفوراً رحیم) لیحیی فیهم الحرکة نحو الإیمان والصدق والإخلاص والوفاء بالتزاماتهم أمام الله والعمل بمقتضاها.

ولمّا کانت هذه الجملة قد ذکرت کنتیجة لأعمال المنافقین القبیحة، فإنّ بعض کبار المفسّرین رأى على أساسها بأنّ الذنب الکبیر فی القلوب التی لها قابلیة الهدایة ربّما کان دفعاً للحرکة المضادّة والرجوع إلى الحقّ والحقیقة، وقد یکون الشرّ مفتاحاً للخیر والرشاد(8).

وتطرح الآیة الأخیرة من هذه الآیات ـ والتی تتحدّث عن غزوة الأحزاب وتنهی هذا البحث ـ خلاصة واضحة لهذه الواقعة فی عبارة مختصرة، فتقول فی الجملة الاُولى: (وردّ الله الذین کفروا بغیظهم لم ینالوا خیر).

«الغیظ» یعنی (الغضب) ویأتی أحیاناً بمعنى (الغمّ)، وهنا جاء مزیجاً من المعنیین، فإنّ جیوش الأحزاب قد بذلت قصارى جهدها للإنتصار على جیش الإسلام، لکنّها خابت، ورجع جنود الکفر إلى أوطانهم یعلوهم الغمّ والغضب.

والمراد من «الخیر» هنا الإنتصار فی الحرب، ولم یکن إنتصار جیش الکفر خیراً أبداً، بل إنّه شرّ، ولمّا کان القرآن یتحدّث من وجهة نظرهم الفکریة عبّر عنه بالخیر، وهو إشارة إلى أنّهم لم ینالوا أیّ نصر فی هذا المجال.

وقال البعض: إنّ المراد من «الخیر» هنا (المال) لأنّ هذه الکلمة اُطلقت فی مواضع اُخرى بهذا المعنى، ومن جملتها ما فی آیة الوصیة 180 من سورة البقرة: (إن ترک خیراً الوصیّة للوالدین).

ومع أنّ أحد الأهداف الأصلیّة لمعسکر الکفر کان الحصول على غنائم المدینة والإغارة على هذه الأرض، وهذا الباعث کان أهمّ البواعث فی عصر الجاهلیة، لکنّنا لا نمتلک الدلیل على حصر معنى (الخیر) هنا بالمال، بل یشمل کلّ الإنتصارات التی کانوا یطمحون إلیها، وکان المال أحدها لکنّهم حرموا من الجمیع.

وتضیف فی الجملة التالیة: (وکفى الله المؤمنین القتال) فقد هیّأ عوامل بحیث انتهت الحرب من دون حاجة إلى إلتحام واسع بین الجیشین، ومن دون أن یتحمّل المؤمنون خسائر فادحة، لأنّ العواصف الهوجاء القارصة قد مزّقت أوضاع المشرکین من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ الله تعالى قد ألقى الرعب والخوف فی قلوبهم من جنود الله التی لا ترى، ومن جهة ثالثة فإنّ الضربة التی أنزلها علی بن أبی طالب(علیه السلام) بأعظم بطل من أبطالهم، وهو «عمرو بن عبد ودّ»، قد تسبّبت فی تبدّد أحلامهم وآمالهم، ودفعتهم إلى أن یلملموا أمتعتهم ویترکوا محاصرة المدینة ویرجعوا إلى قبائلهم تقدمهم الخیبة والخسران.

وتقول الآیة فی آخر جملة: (وکان الله قویّاً عزیز) فمن الممکن أن یوجد اُناس أقویاء، لکنّهم لیسوا بأعزّاء لا یُقهرون، بل هناک من یقهرهم ومن هو أقوى منهم، إلاّ أنّ القوی العزیز الوحید فی العالم هو الله عزّوجلّ الذی لا حدّ لقدرته وقوّته ولا انتهاء، فهو الذی أنزل على المؤمنین النصر فی مثل هذا الموقف العسیر والخطیر جدّاً بحیث لم یحتاجوا حتى إلى النزال وتقدیم التضحیات!


1. نهج البلاغة، الکلمات القصار، فصل الغرائب، جملة 9.
2. مفردات الراغب، وتفسیر مجمع البیان، ولسان العرب، مادّة نَحب.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 350، ذیل الآیة مورد البحث.
4. أورد هذه الرّوایات بتفاوت یسیر أصحاب تفاسیر القرطبی وفی ظلال القرآن، ومجمع البیان فی کتبهم.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 350، ذیل الآیة مورد البحث.
6. تفسیر الصافی ذیل الآیة مورد البحث.
7. تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 259.
8. تفسیر المیزان، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الأحزاب / الآیة 21 ـ 25 1ـ ملاحظات هامّة فی معرکة الأحزاب
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma