اعتبرت جملة: (لا یحلّ لک النساء من بعد) فی روایات عدیدة ـ بعضها ضعیفة من ناحیة السند، وبعضها یستحقّ الملاحظة ـ إشارةً إلى النساء اللواتی بُیّن تحریمهم فی الآیتین 23
و24 من سورة النساء ـ وهنّ الاُمّ والبنت والاُخت والعمّة والخالة و.. ، وصرّح فی ذیل بعض هذه الأخبار بأنّه: کیف یمکن أن تکون النساء حلال على الآخرین وحرام على النّبی؟ فلم تکن أیّة إمرأة محرّمة علیه سوى ما حرّم على الجمیع(1).
طبعاً، یبدو بعیداً جدّاً أن تکون الآیة تشیر إلى الآیات الواردة فی سورة النساء، إلاّ أنّ المشکلة هنا أنّ بعض الروایات قد صرّحت بأنّ المراد من: (من بعد) بعد المحرّمات فی آیة سورة النساء.
بناءً على هذا، فإنّ الأفضل هو أن نغضّ النظر عن تفسیر روایات الآحاد هذه، أو کما یقال: ندع علم ذلک إلى أهله، أی المعصومون(علیهم السلام)، لأنّها لا تنسجم مع ظاهر الآیة، ونحن مکلّفون بظاهر الآیة، والأخبار المذکورة أخبار ظنیّة.
والمطلب الآخر هو أنّ جماعة کثیرة تعتقد بأنّ الآیة مورد البحث قد حرّمت کلّ زواج جدید على النّبی(صلى الله علیه وآله) إلاّ أنّ هذا الحکم قد نسخ فیما بعد، واُذن له بالزواج، وإن کان النّبی (صلى الله علیه وآله)لم یتزوّج بعد ذلک، حتى الآیة (إنّا أحللنا لک أزواجک اللاتی آتیت اُجورهنّ...) والتی نزلت قبل الآیة مورد البحث، فإنّهم یعتبرونها ناسخة لهذه الآیة. ویعتقدون بأنّ هذه الآیة وإن کانت قد کتبت فی القرآن بعد آیة (إنّا أحللنا...) إلاّ أنّ الأخیرة قد نزلت قبلها! بل وینقل «الفاضل المقداد» فی کنز العرفان بأنّ هذه هی الفتوى المشهورة بین الأصحاب(2).
وهذا الرأی یتعارض مع الروایات أعلاه بوضوح، وکذلک لا ینسجم مع ظاهر الآیات أیضاً، لأنّ ظاهر الآیات یوحی بأنّ آیة (إنّا أحللنا لک أزواجک) قد نزلت قبل الآیة مورد البحث، ومسألة النسخ تحتاج إلى دلیل قطعی.
وعلى کلّ حال، فلیس لدینا شیء أکثر اطمئناناً ووضوحاً من ظاهر الآیة نفسها، وطبقاً لذلک فإنّ کلّ زواج جدید، أو تبدیل زوجات قد حُرّم على النّبی(صلى الله علیه وآله) بعد نزول هذه الآیة، وکان لهذا الحکم مصالح ومنافع هامّة أشرنا إلیها فیما سبق.