یتفق المفسّرون الکبار على أنّ الآیات الاُولى من هذه السورة نزلت فی أعقاب الحرب التی دارت بین الروم والفُرس، وانتصر الفرس على الروم، وکان النّبی حینئذ فی مکّة، والمؤمنون یمثلون الأقلیة.
فاعتبر المشرکون هذا الانتصار للفرس فألا حسناً، وعدّوه دلیلا على حقانیّة المشرکین و«الشرک»، وقالوا: إنّ الفرس مجوسٌ مشرکون، وأمّا الروم فهم مسیحیون «نصارى» ومن أهل الکتاب.. فکما أنّ الفرس غلبوا «الروم» فإنّ الغلبة النهائیة للشرک أیضاً، وستنطوی صفحة الإسلام بسرعة ویکون النصر حلیفنا.
وبالرغم من أنّ مثل هذا الاستنتاج عار من أی أساس، إلاّ أنّه لم یکن خالیاً من التأثیر فی ذلک الجوّ والمحیط للتبلیغ بین الناس الجهلة، لذلک کان هذا الأمر عسیراً على المسلمین.
فنزلت الآیات الآنفة وقالتْ بشکل قاطع: لئن غلب الفرس الروم لیأتینّ النصر والغلبة للروم خلال فترة قصیرة، وقد حدّدت الفترة لانتصار الروم على الفرس فی (بضع سنین).
وهذا الکلام السابق لأوانه، هو من جهة دلیل على إعجاز القرآن، هذا الکتاب السماوی
الذی یستند علمه إلى الخالق غیر المحدود، ومن جهة اُخرى کان فألا حسناً للمسلمین فی مقابل فأل المشرکین، حتى أنّ بعض المسلمین عقدوا مع المشرکین رهاناً على هذه المسألة المهمّة، ولم یکن فی ذلک الحین قد نزل الحکم بتحریم مثل هذا الشرط(1).