تنوع العذاب للظالمین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة العنکبوت / الآیة 36 ـ 40 سورة العنکبوت / الآیة 41 ـ 44

بعد بیان قصّة لوط وقومه یقع الکلام عن أقوام آخرین أمثال قوم شعیب وعاد وثمود، وقارون وفرعون، وقد أشیر فی هذه الآیات ـ محل البحث ـ إلى کلٍّ منهم إشارة موجزة «مکثفة» للإستنتاج والعبرة!

فی البدایة تقول الآیة: (وإلى مدین أخاهم شعیب)(1).

والتعبیر بکلمة «أخاهم» کما قلنا مراراً، هو إشارة إلى منتهى محبّة هؤلاء الأنبیاء إلى اُممهم، وإلى عدم طلبهم السلطة، وبالطبع فإنّ هؤلاء الأنبیاء کانت لهم علاقة قرابة بقومهم أیضاً.

و«مدین» مدینة واقعة جنوب غربی الأردن، وتدعى الیوم بـ «معان» وهی فی شرق خلیج العقبة، وکان شعیب(علیه السلام) وقومه یقطنون فیه(2).

وشعیب کسائر أنبیاء الله العظام، بدأ بالدعوة إلى الاعتقاد بالمبدأ والمعاد، وهما أساس کل دین وطریقة (فقال یا قوم اعبدوا الله وارجوا الیوم الآخر).

فالإیمان بالمبدأ یکون سبباً لإحساس الإنسان بأن الله یراقبه مراقبةً دقیقةً بشکل دائم ویسجّل أعماله; والإیمان بالمعاد یذکّر الإنسان بمحکمة عظیمة یحاسب فیها عن کل شیء وکل عمل مهما کان تافهاً... ومن المسلّم أنّ الإعتقاد بهذین الأصلین له أثره البالغ على تربیة الإنسان وإصلاحه!.

والمبدأ الثّالث هو بمثابة خطّة عمل جامعة، تحمل بین طیاتها جمیع الخطط الاجتماعیة، إذ قال: (ولا تعثوا فی الأرض مفسدین).

وللفساد مفهوم واسع یشمل کل نقص انحراف، وتدمیر، وظلم.. الخ.. ویقابله الصلاح والإصلاح، ومفهومهما یشمل جمیع الخطط البنّاءة!.

أمّا کلمة «تعثوا» فهی من مادة «عثى» ومعناه إحداث الفساد أو الإفساد، غایة ما فی الأمر أن هذا التعبیر کثیراً ما یستعمل فی الموارد التی تکون فیها «مفاسدأخلاقیة»، فعلى هذا یکون ذکر کلمة «مفسدین» بعدها تأکیداً على هذا المفهوم.

إلاّ أنّ تلک الجماعة بدلا من أن تصغی لمواعظه ونصائحه بآذان القلوب، خالفته ولم تصغ إلیه «فکذبوه».

وکان هذا التکذیب سبباً فی أن تصیبهم زلزلة شدیدة (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فی دارهم جاثمین) أی مکبوبین على وجوههم میتین.

و«الجاثم» مشتق من «جثم» على زنة «سهم» ومعناه الجلوس على الرکبة والتوقف فی مکان ما... ولا یبعد أن یکونوا نائمین عند وقوع هذه الزلزلة الشدیدة.. فهذا التعبیر إشارة إلى أنّهم عند وقوع هذه الحادثة نهضوا وجثوا على الرکب، إلاّ أنّ الحادثة لم تمهلهم حیث انهارت الجدران علیهم ونزلت علیهم الصاعقة التی تزامنت معها فماتو(3).

أمّا الآیة التی بعده فتتحدث عن «عاد» و«ثمود» قومی (هود وصالح)، دون أن تذکر ما قاله نبیّاهما لهما، وما ردّ علیهما قومهما المعاندون، لأنّهما مذکوران فی آیات عدیدة من القرآن، وهما أی قوم هود وقوم صالح معروفان، فلذلک، تقول الآیة: (وعاداً وثمودَ)(4).

ثمّ تضیف الآیة (وقد تبیّن لکم من مساکنهم) المتهدمة والتی هی على طریقکم فی منطقة الحجر والیمن.

فأنتم فی کل سنة تمرون فی أسفارکم للتجارة بأرض «الحجر» التی تقع شمال جزیرة العرب، وبالأحقاف التی تقع قریباً من الیمن وجنوبها، وترون آثار المساکن المتهدمة وبقایاها من عاد وثمود، فعلام لا تعتبرون؟!

ثمّ تشیر الآیة إلى السبب الأصلی لشقائهم وسوء حظّهم، إذ تقول: (وزیّن لهم الشیطان أعمالهم فصدّهم عن السبیل).

وکانت فطرتهم على فطرة الله وتقواه، ولم یأل الأنبیاء جهداً فی هدایتهم، وبذلوا قدراً کافیاً من النصح والإرشاد لهم، لکنّهم حادوا (وکانوا مستبصرین).

قال بعض المفسّرین: إنّ جملة (وکانوا مستبصرین) تعنی أنّهم کانوا ذوی أعین بصیرة، وعقل کاف.

وقال بعضهم: إنّها تعنی أنّهم کانوا على الفطرة السلیمة.

کما قال آخرون: إنّها تعنی هدایة الأنبیاء لهم.

ولا یمنع اجتماع جمیع هذه المعانی فی الآیة الکریمة، فهی إشارة إلى أنّهم لم یکونوا جاهلین قاصرین، بل کانوا یعرفون الحق جیداً من قبل، وکانت ضمائرهم حیة ولدیهم العقل الکافی، وأتمّ الأنبیاء علیهم الحجّة البالغة، ولکن... مع کل ما تقدم... من نداء العقل والضمیر، ودعوة الأنبیاء، فقد انحرفوا عن السبیل ووسوس لهم الشیطان، ویوماً بعد یوم یرون أعمالهم القبیحة حسنةً، وبلغوا مرحلة لا سبیل لهم إلى الرجوع منها، فأحرق قانون الخلق والإیجاد هذه العیدان الیابسة.. وهی جدیرة بذلک!

والآیة الاُخرى تذکر أسماء ثلاثة من الجبابرة الذین کان کل واحد منهم بارزاً للقدرة الشیطانیة، فتقول: (وقارون وفرعون وهامان)(5).

فقارون کان مظهر الثروة المقرونة بالغرور وعبادة«الذات» والأنانیة والغفلة.

وفرعون کان مظهر القدرة الاستکباریة المقرونة بالشیطنة.

وأمّا هامان، فهو مثل لمن یعین الظالمین المستکبرین!.

ثمّ یضیف القرآن (ولقد جاءهم موسى بالبینات) والدلائل (فاستکبرا فی الأرض)فاعتمد قارون على ثروته وخزائنه وعلمه، واعتمد فرعون وهامان على جیشهما وعلى القدرة العسکریة، وعلى قوة إعلامهم وتضلیلهم لطبقات الناس المغفّلین الجهلة.

لکن.. برغم کل ذلک لم یفلحوا (وما کانوا سابقین).

فأمر الله الأرض التی هی مهد الاطمئنان والدعة بابتلاع قارون.

وأمر الماء الذی هو مصدر الحیاة بابتلاع فرعون وهامان.

وعبأ جنود السماوات والأرض لإهلاکهم جمیعاً، بل ما کان مصدر حیاتهم أمر الله أن یکون هو نفسه سبباً لفنائهم(6).

کلمة «سابقین» تعنی من یتقدم ویکون أمام الآخرین، فمفهوم قوله تعالى: (وما کانوا سابقین) أی إنّهم لم یستطیعوا أن یهربوا من سلطان الله برغم ما کان عندهم من إمکانات، بل أهلکهم الله فی اللحظة التی أراد، وأرسلهم إلى دیار الفناء والذلة والخزی.

کما یذکر فی الآیة التی بعدها (فکلاّ أخذنا بذنبه).

وحیث إنّ القرآن ذکر «الطوائف الأربع» فی الآیتین المتقدمتین، ولم یبیّن عذابهم، وهم:

قوم هود «عاد».

وثمود «قوم صالح».

قارون.

فرعون وهامان.

فإنه یذکر فی هذه الآیة بحسب الترتیب أنواع عذابهم. فیقول: (فمنهم من أرسلنا علیه حاصب).

و«الحاصب» معناه الاعصار الذی یحمل حصى کثیرة معه، و«الحصباء» «الحصى الصغیرة».

والمقصود بـ «منهم» هنا هم «عاد» قوم هود، وحسب ما جاء فی بعض السور کالذاریات والحاقة والقمر،أصابهم اعصار شدید مهلک خلال ثمانیة أیّام وسبع لیال فدمرهم تدمیراً.

یقول القرآن: (سخرها علیهم سبع لیال وثمانیة أیّام حسوماً فترى القوم فیها صرعى کأنّهم أعجاز نخل خاویة * فهل ترى لهم من باقیة) الحاقة 7 و8.

(ومنهم من أخدته الصیحة) وقلنا: إنّ الصیحة السماویة التی هی نتیجة الصاعقة التی تقترن مع الزلزلة فی زمان الوقوع، وهذا هو العذاب الذی عذب الله به ثمود «قوم هود» کما عذب آخرین... ویقول القرآن فی الآیة 67 من سورة هود فی شأن ثمود (وأخذ الذین ظلموا الصیحة فأصبحوا فی دیارهم جاثمین).

(ومنهم من خسفنا به الأرض). وهذا هو عقاب قارون الثری المغرور المستکبر من بنی إسرائیل، وقد أشیر إلیه فی الآیة 81 من سورة القصص.

(ومنهم من أغرقن) ونعرف أنّ هذا الکلام إشارة إلى عقاب فرعون وهامان وجنودهما، وقد ذکرت هذه القصّة فی سور متعددة من القرآن الکریم.

وعلى کل حال، فمع الإلتفات لهذا البیان فإن أنواع العذاب الأربعة ذکرت هنا للطوائف الأربع المذکورین فی الآیتین المتقدمتین. حیث أشارتا إلى ضلالهم وانحرافهم وذنوبهم دون أن تذکرا عقابهم.

ولکن من البعید أن تشمل هذه الأنواع الأربعة من العذاب الواردة فی هذه الآیة أقواماً آخرین، کما یقول بعض المفسّرین. «کالغرق لقوم نوح، وإمطار الحجارة والحصباء على قوم لوط» لأنّ عقابهم مذکور هناک وفی موارد ذکرهم ولا حاجة للتکرار هنا، وأمّا عقاب الفئات الاربع فلم یذکر فی هذه السلسلة من الآیات، ولذا بیّنه الله سبحانه فی الآیتین الأخیرتین.

ویبیّن فی ختام الآیة التأکید على هذه الحقیقة، وهی أنّ ما أصابهم هو بسبب أعمالهم، وهم زرعوا فحصدوا (وما کان الله لیظلمهم ولکن کانوا أنفسهم یظلمون).

أجل، إنّ عقاب هذه الدنیا والآخرة هو تجسید أعمالهم، حیث یغلقون جمیع طرق الإصلاح فی وجوههم. فالله أکثر عدلا وأسمى من أن یظلم الإنسان أدنى ظلم!.

وهذه الآیة ـ کسائر کثیر من آیات القرآن ـ تثبت أصل الحریة فی الإرادة والاختیار عند الإنسان، وتقرر أن التصمیم فی کل مکان یصدر من الإنسان نفسه، وقد خلقه الله حرّاًویریده حرّاً.. فعلى هذا یبطل اعتقاد أتباع مذهب «الجبر» الذین لهم وجود بین المسلمین ـ مع الأسف ـ بهذا المنطق القوی للقرآن الکریم.


1. هذه الجملة معطوفة على جملة (ولقد أرسلنا نوح).
2. ورد الکلام على مدین فی ذیل الآیة 23 من سورة القصص.
3. بیان هذه الحادثة المؤلمة فصلناه فی تفسیر سورة هود ذیل الآیات 84 - 95 فی شرح قصة «شعیب وقومه».
4. (وعاداً وثمود ) مفعولان لفعل مقدر وهو «أهلکنا» وهو یستفاد من الآیة السابقة. وقال بعضهم: فعلهما المحذوف تقدیره «اذکر».
5. هذه الکلمات الثلاث مفاعیل للفعل المقدر «أهلکنا» أو کما قال البعض: هی مفاعیل لفعل تقدیره «اذکر»!
6. شرح قصّة حیاة قارون فی الآیات السبع 76 ـ 82 سورة القصص، وهلاک فرعون وجماعته فی تفسیر سورة القصص، کما ورد فی سورة الأعراف أیضاً.
سورة العنکبوت / الآیة 36 ـ 40 سورة العنکبوت / الآیة 41 ـ 44
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma